الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-02-16

"الإبراء المستحيل".. لـ "حزب الله" - بقلم: فادي شامية


المستقبل - السبت 16 شباط 2013 - العدد 4605 - شؤون لبنانية - صفحة 3
في زمن "الإبراء المستحيل"، ونبش الملفات والقبور سنوات، والبحث عن الفساد وجذوره، بدليل أو دون دليل؛ ثمة واقع يطفح فساداً ينبغي تسليط الضوء عليه قبل أي الحديث عن أي فساد آخر، ليس لأنه فساد راهن، مقابل فساد مضى عليه الزمن، وليس لأنه فساد مرئي بالدليل القاطع مقابل شبهات تحتاج إلى أكثر من دليل يسندها، وإنما لأن الفساد الذي تفوح رائحته في البيئة التي تدعي البراءة منه –أي البيئة الحاضنة لـ "حزب الله"- لم يعد مجرد فضائح فردية تحدث -أو يمكن أن تحدث-في أية بيئة لبنانية أخرى، وإنما باتت -نتيجة لكثرتها وقوتها- ظاهرة تستحق الدراسة.


ولعل واحدة من أكبر الفضائح التي أثيرت مؤخراً تتعلق بأشقاء النائب عن "حزب الله" حسين الموسوي؛ هاشم وجهاد وحاتم. في البدء؛ انكشف أمر هاشم وجهاد في فضيحة معمل تصنيع حبوب الهلوسة Captagon (إضافة إلى ذي الفقار علي الموسوي وأشخاص آخرين قريبين من "حزب الله")، تلاه انكشاف أمر شقيقهما حاتم في تشكيل عصابة لسرقة السيارات وتزوير أوراقها (الأشقاء موسوي متوارون عن الأنظار).

قريباً من ذلك؛ أثيرت مؤخراً فضيحة شقيق النائب محمد فنيش في ملف الدواء المزور (أثيرت قضية مشابهة بحقه قبل سنتين لكنها لفلفت)، وقد أثارت هذه القضية الرأي العام أكثر من قضية الأشقاء موسوي، لأنها تطال المواطنين جميعاً في صحتهم (أعلن النائب فنيش رفعه الغطاء عن شقيقه)، كما يحكى أيضاً أن شقيق النائب علي عمار يستفيد من موقع شقيقه النيابي والتنظيمي لإدخال بضائع دون ضرائب (سجائر).

في السياق عينه، يوجد اليوم أكثر من اتهام لبلديات وأعضاء بلدية تابعة لـ "حزب الله"، في الجنوب والبقاع، بسبب نهبهم أتربة وصخور من أراضٍ مشاع، أو تأمينهم غطاءً سياسياً لوضع اليد على أراضٍ مشاع والبناء عليها، مقابل بدلات مالية، فضلاً تغطية الحزب –أو غضه النظر- عن زراعة الحشيش في البقاع من قبل مناصريه، لدرجة دعم "احتجاجات" زارعي الحشيشة والسكوت عن إطلاقهم النار على القوى الأمنية، رفضاً لإتلاف زراعتهم، بدعوى عدم وجود البديل!

وفي بيئة الحزب نفسه ثمة روائح فساد؛ لعل أبزر ما ظهر منها إلى العلن؛ تهريب ابن الشيخ محمد يزبك –مقابل المال- السلاح من أحد مستودعات الحزب في البقاع، لصالح ثوار سوريا، إضافة إلى ما يثار حول عائلة (زوجة وابن) المسؤول العسكري للحزب عماد مغنية (قُتل في سورية)، دون أن ننسى فضيحة إفلاس رجل الأعمال صلاح عز الدين، فضلاً عن كم من المعلومات التي توردها الصحافة الغربية عن شبكات لتبييض أموال لصالح الحزب خارج لبنان (نشرة "فرونت بايج ماغازين" في 12/10/2012 أوردت تفاصيل كثيرة حول فساد وفرار المسؤول المالي للحزب حسين فحص). 

كما يسجل أيضاً أكثر من حالة مواجهة للأجهزة الأمنية، عندما يتعلق الأمر بمسؤولين في الحزب، ولو كانت التهمة جنائية، منها على سبيل المثال لا الحصر: الاشتباك الذي وقع العام الماضي في 26/2/2012 عندما حاولت دورية من قوى الأمن الداخلي دهم منزل نزار الحسيني أحد المسؤولين -أو المحسوبين على- "حزب الله" لاسترداد سيارات مسروقة في محلة بئر العبد، ما أدى إلى جرح مؤهل في قوى الأمن وفرار الحسيني وتوقيف نجله، ومصادرة كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر والسيارات المسروقة.
 
وما هو أخطر من ذلك؛ اكتشاف العملاء في بيئة الحزب، علماً أنه لا شيء يجبر الحزب على إعلان اكتشافه لخلية أو فرد تعمل لصالح العدو من عناصره، إلا إذا كان إخفاء الأمر غير ممكن، وتالياً؛ يمكن الافتراض وجود عملاء آخرين جرى كشفهم، غير العملاء الذين يعلن الحزب عنهم -دون أن يسلمهم للقضاء- كما هي حالة العملاء الثلاثة الذين أعلن عنهم أمين عام "حزب الله" سابقاً (24/6/2011)، أو العملاء الذين يعتقلهم ويحقق معهم ثم يسلمهم للقضاء (كما هي حال مرشح "حزب الله" في بلدية بعلبك علي رفيق ياغي الذي صدرت مذكرة توقيف وجاهية بحقه في 20/2/2013).     

ماذا يستنتج من الوقائع السابقة؟
يستنتج مما سبق أن تصريف فائض القوة خارج كنف الدولة لا يمكن إلا أن تكون له مظاهر سلبية، ليس على المستوى السياسي فحسب، وإنما على المستوى الاجتماعي عموماً، والبيئة الحاضنة لـ "حزب الله" خصوصاً، لأن الشعور بالقوة وامتلاك السلاح يدفعان تلقائياً إلى الاستقواء على القانون، فكيف إذا كان فائض القوة ممزوجاً بخطاب يضفي القداسة على الأتباع، ويطهّرهم على سبيل التفضيل على الآخرين عندما يناديهم بأِشرف وأطهر الناس؟!. 

البحث في أسباب الفساد المستشري في البيئة الحاضنة لـ "حزب الله" يمكن أن يذهب أعمق من ذلك إذا ما أُدخل على مسرح التحليل؛ أدبيات الحزب السياسية وتأثيرها على البيئة الشيعية، باعتبار أن دراسة هذه الأدبيات تفضي إلى نتيجة ساطعة، وهي تبغيض الناس بالدولة؛ التي "حرمتنا" و"تخلت عنا"، فكيف إذا ترافق ذلك مع خطاب ديني عتيد حول المظلومية التاريخية للشيعة؟!

لا مراء في أن الواقع المذكور؛ أسباباً ونتائج، سيء على المستوى الوطني-سياسياً واجتماعياً- لكنه أسوأ على مستوى البيئة الشيعية، التي يفترض أنها تحتضن "حزب الله" وتدافع عن أحقية سلاحه، إذ يمكن الافتراض –بناء على التحليل والمشاهدة- بوجود شرائح واسعة من الرافضين لهذا الواقع، المتضايقين من حجم الانحراف والفساد من حولهم، لكن يبقى صوتهم مقموعاً للأسباب نفسها التي تجعل الواقع من حولهم سيئاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق