كتب عدد
من الكتاب والمحللين العديد من المقالات عن الغارة الإسرائيلية الأخيرة على موقع
عسكري في منطقة جمرايا في ريف دمشق، ووصفت وكالة سانا الرسمية ذلك الموقع بأنه مركز
للبحوث العلمية، وقال بيان صادر عن قيادة الجيش جاء فيه: "اخترقت
طائرات حربية إسرائيلية مجالنا الجوي فجر اليوم (الجمعة 30/1) وقصفت بشكل مباشر أحد
مراكز البحث العلمي المسؤولة عن رفع مستوى المقاومة والدفاع عن النفس الواقع في منطقة
جمرايا بريف دمشق، وذلك بعد أن قامت المجموعات الإرهابية بمحاولات عديدة فاشلة
وعلى مدى أشهر للدخول والاستيلاء على الموقع". في حين ذكرت تقارير غير رسمية من داخل إسرائيل
تقول بأن الغارة شنت داخل حدود سوريا, في قرية النبي شيت, قرب مدينة الزبداني
السورية. حيث قيل إن الهدف كان يتمثل في قافلة من الشاحنات تحمل صواريخ أرض جو
روسية متطورة، كانت في طريقها
إلى حزب الله في لبنان، سبق واشتراها الحزب من بعض الضباط السوريين الفاسدين بمبالغ طائلة
من وراء ظهر النظام، بإشراف عدد من ضباط الحرس الثوري الإيراني، فيما ذكرت بعض
وسائل الإعلام أن إسرائيل قامت بهذه العملية الاستباقية بعد أن حصلت على تقارير
تفيد أن الجيش السوري الحر هو على قاب قوسين او أدنى من الوصول إلى هذه الأسلحة
المتطورة واغتنامها، مما يجعل موازين القوى ترجح لصالح المعارضة السورية التي
ستتمكن من تحييد الطيران السوري وبالتالي التعجيل في إسقاط النظام الذي أمن الحدود
الشمالية لإسرائيل لنحو أربعين سنة.
وسائل إعلام النظام السوري
وأبواقه رددوا مقولة النظام الممجوجة التي يرددها بعد كل اعتداء إسرائيلي على
سورية أو استباحة أجوائها من قبل طيرانها، بأنه هو من سيختار المكان والزمان
المناسبين في الرد، وسمعنا من بعض حلفاء النظام من المسؤولين الإيرانيين لهجة
تهديدية نيابة عن رموز النظام الذين احجموا عن أي تصريح حول إمكانية الرد على
العدوان الإسرائيلي، فقد صرّح الجنرال مسعود جزائري نائب رئيس هيئة الأركان
الإيرانية، أن الرد السوري على الغارة الإسرائيلية الأخيرة، "سيكون صدمة
كبيرة للنظام الصهيوني."
كما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية
"إيرنا"، أن المسؤول العسكري الإيراني أكد وهو في معرض تقييمه للغارة
الإسرائيلية الأخيرة التي شنتها إسرائيل على أهداف سورية، أن الرد السوري على تلك
الغارة، "سيصيب النظام الصهيوني بحالة من الغيبوبة وعدم الاتزان."
وكشف مصدر عسكري روسي عالي المستوى عن أن
موسكو كانت على علم مسبق بالغارة الإسرائيلية على ضواحي دمشق، وأعطت "ضوءا
أخضر سلبيا" لتنفيذها، موضحا بأن"الضوء الأخضر السلبي" يقصد به
عادة "عدم الاعتراض، وإن لم يتضمن الأمر موافقة صريحة". وقال المصدر إن
الحكومة الروسية أخذت علما بالغارة خلال زيارة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي
يعقوب عاميدرور إلى موسكو الأسبوع الماضي.
وكانت
إسرائيل أعلنت الأسبوع الماضي أن رئيس الحكومة بنيامين نتياهو أوفد عاميدرور إلى
موسكو على وجه السرعة "لبحث مسألة الأسلحة الاستراتيجية السورية". وقد
تزامنت الزيارة مع قيام إسرائيل بنشر منظومات القبة الحديدية المضادة للصواريخ في
الجولان السوري المحتل مع تسريبات في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن إمكان قيام
الدولة العبرية بعملية عسكرية "خاطفة" تحت عنوان " نقل الأسلحة
الكيميائية السورية إلى جهات إرهابية".
وقال المصدر إن عاميدرور أبلغ
المسؤولين الروس بأن "إسرائيل ستنفذ الغارة على موقع سوري ترتبط أنشطته بإنتاج
أسلحة كيميائية وبيولوجية، لأنه على وشك السقوط في أيدي المسلحين الثوار، حيث لا
يستطيع النظام السوري الأسدي حمايته.
وأجدني في نهاية مقالي أقول لله
وللتاريخ: إن النظام السوري الذي جاء على ظهر دبابة ضالة أدارت ظهرها للعدو
الصهيوني في الثالث من آذار 1963 لم يكن يوماً من الأيام مقاوماً، ولم يضع في
حسابه يوماً من الأيام الرد على أي عدوان خارجي، فقد كان همه ومن الساعات الأولى
لانقلابه جعل سورية مزرعة له وجعل الشعب السوري خدم وعبيد يقومون على أعمال هذه
المزرعة، ولعل الجميع يقر بذلك، وأنا لا أتجنى على هذا النظام، فقد عشت فصول سنينه
العجاف، وتجرعت من كأسه كما تجرع الشعب السوري كله بلا استثناء المرارات والعذابات
في كل شؤون حياتنا الأسرية والمجتمعية والوظيفية.
وتأكيداً على أن هذا النظام لم يرد في
خلال السنوات الخمسين الماضية على أي اعتداء على الوطن أو حماية مياهه وأجوائه
أروي لكم ما حصل معي شخصياً عندما كنت أؤدي الخدمة الإلزامية في مرتفعات الجولان
(القطاع الشمالي- نقطة زعورة):
في 3/11/1964 قام الطيران الإسرائيلي
بقصف الجبهة السورية من شرقها حتى غربها ولمدة تزيد على 30 دقيقة بقنابل فسفورية،
وكان قائد نقطة زعورا التي أنا فيها هو الملازم أول محمد بدور (ضابط احتياط وهو
معلم مدرسة من الشيخ بدر التابعة لمحافظة طرطوس) عندما شاهد الطائرة تحلق قريباً
من نقطتنا هرع إلى الاختباء في أحد (البلوكوسات) الإسمنتية ووقع منه مسدسه فتركه
ومضى حيث يريد، فأخذت المسدس ولحقت به وقدمته له، وكانت فرائصه ترتعد من الخوف،
وكنت في حينها مسؤول عن ثلاث رشاشات م/ط، فطلبت منه الأمر للتصدي لهذه الطائرات،
فكان جوابه: قرد ولا.. والله ما تفعل لقدمك للمحاكمة بتهمة العمالة وكشف النقطة.
تركته والتحقت بموقعي وأعطيت الأوامر لمجموعتي ان يتصدوا للطائرات إذا ما فعلت أنا
ذلك، وكانت كوة البلوكوس الذي احتمى به الملازم الأول خلفي مباشرة، وكانت طائرة
الفانتوم الإسرائيلية تقترب منا حتى أنني كنت أرى الطيار في داخلها، وكلما طلبت
منه السماح لي بالتصدي سمعت منه الويل والثبور والتهديد والوعيد، ولكنني عزمت على
التصدي مهما كانت النتائج، وبالفعل فما ان اقتربت الطائرة حتى قمت برشقها بزخة من
رصاص مدفعي الرشاش وفعل الباقون من أفراد المجموعة نفس الشيء لثلاث مرات، وكانت
الطائرة في كل مرة تولي هاربة دون أن تتمكن من ضرب النقطة.
بعد توقف القصف الإسرائيلي خرج
الملازم أول بعد أن شعر بالأمان يتوعد ويزمجر، فقلت له افعل ما بدا لك.
استدعاني بعد ثلاثة أيام قائد الجبهة
اللواء فهد الشاعر على ضوء تقرير رفعه إليه الملازم الأول، كما علمت، فرويت له كل
ما جرى، فانفرجت أساريره بعد أن كان مقطب الجبين مكفهر الوجه ومد يده إلي مصافحاً
وهو يقول أنت تستحق وسام شرف وليس عقوبة، وبالفعل أمر بمنحي شهادة تقدير وإجازة 12
يوماً. وفوجئ الملازم الأول بموقف قائد الجبهة، أما أنا فحزمت أمتعتي وذهبت إلى
بلدي لقضاء الإجازة بين أهلي، ولكن فرحتى لم تدم طويلاً، فقد جاءني طراق الليل
وأشباح الظلام ليأخذوني إلى أحد أقبية الأمن، جزاء لموقفي الوطني الشجاع، وباقي
القصة ليس مجال روايتها في هذا المقال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق