المستقبل - الخميس 6 حزيران 2013 - العدد 4709 - شؤون لبنانية - صفحة 3http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=574074
نُبّل
والزهراء بلدتان سوريتان متجاورتان في الريف الحلبي؛ تعدان نحو 70 ألف نسمة من
الشيعة الإمامية. عندما تحولت الثورة السورية من السلمية إلى السلاح جعل النظام
السوري من البلدتين قاعدة لشبيحته في ريف حلب، مستفيداً من العامل المذهبي، وتخويف
الناس من الغالبية المحيطة، ما جعل أهل البلدتين في صفه.
قبل
نحو عام أو أكثر تمكن الثوار من السيطرة على الريف الحلبي، ثم على أكثر من نصف
مدينة حلب نفسها، لكنهم لم يدخلوا نبل والزهراء، واكتفوا بحصارهما حماية لمناطقهم
من هجمات النظام. ولم يخل الأمر من مناوشات وقتال وثأر، وفي كل مرة كان يتهم
الثوار شبيحة النظام وأهالي البلدتين بالبدء، كان يرد الطرف الآخر بأنه في موقع
الدفاع في مواجهة الطرف الآخر، لكن الأكيد أن الثوار في حلب لم يتبنوا مشروع تطهير
الريف الحلبي من الشيعة –على غرار مشروع تطهير الساحل السوري، ولا سيما بانياس من
السنة، كما جاء على لسان مهراج أورال مؤسس حركة "المستعجلون"- بدليل أنهم
لم يقدموا على اقتحام البلدتين أو حتى محاولة ذلك، رغم محاولات التقدم باتجاه
عندان انطلاقاً من نبل والزهراء.
غير
أن خسائر النظام المتتالية في حلب وريفها جعلته متمسكاً بمشروع استغلال الواقع
المذهبي للبلدتين، وجعل رجالهما وقوداً
لمعركة البقاء، فراح إعلامه على مدى أشهر يتحدث عن "مأساة البلدتين
المحاصرتين"، وعن "وحشية الثوار"، وعن "حرصه على
الأقليات"، وصولاً إلى الطلب من أهالي البلدتين مؤخراً أن ينتظموا في مجموعات
قتالية معه.
وبعقلية
ما قبل عصر قيام الدول الحديثة؛ راح أحد الضباط يعرض على رجال البلدتين كل شيء
(اللي بدكن اياه بصير) مقابل أن يرفعوا سلاحهم إلى جانبه ويقاتلوا في صفوفه (على
مدى أشهر خلت كان إعلام النظام يتحدث عن بلدتين مسالمتين لا سلاح فيهما!)، على أن
يصبح كل مشارك موظفاً في الدولة تلقائياً، وأن يأخذ الموظف في الدولة علاوة 50%،
وأن تتحول نبل والزهراء عاصمة للريف الحلبي، وأن يثعفى المتخلف من الخدمة العسكرية
من أية ملاحقة، وأن يُعوض على الجرحى، وتحل أية مشكلات أخرى!.
بهذه
الطريقة، وبتعبئة مذهبية يدعي النظام السوري براءته منها، تحولت نبل والزهراء إلى
قاعدة عسكرية في قلب الريف الحلبي، الذي تعد بلداته "المحررة" بالعشرات.
وما زاد الطين بلة دخول "حزب الله" على الخط مؤخراً، فقد تأكدت
المعلومات عن وصول مئات المقاتلين من "حزب الله" إلى ريف حلب؛ دخل بعضهم
إلى نبل والزهراء.
ونتيجة
لهذا الواقع المأزوم فقد تحول الصراع في الريف الحلبي مذهبياً، ومحتدماً على نحو
لم يشهده من قبل. يدلل على ذلك توافد المقاتلين السوريين وغير السوريين إلى ريف
حلب، واستنهاض الكتائب المقاتلة هناك لنفسها بعد أشهر من الترهل بفعل السيطرة
والانغماس في الإدارة وتنظيم شؤون الناس، والتصارع على الصلاحيات والنفوذ، ووصول
أسلحة إضافية، وقرب الإعلان عن معركة تحرير "نبل والزهراء ودحر حزب الله".
وعليه؛
فإننا أمام مشهد قريب من مشهد القصير، لكن الواقع في شمال سوريا أفضل لصالح
الثوار، ذلك أن مناطق ريف حلب واسعة جداً والسيطرة فيها للثوار، وهؤلاء يتمتعون بإمكانات
جيدة، وتواصلهم مع الجانب التركي متاح، وهذا يعني أن معركة قاسية على وشك الاندلاع
في ريف حلب، وأن "حزب الله" سيكون عنواناً صارخاً فيها، وأن الدماء
ستكون غزيرة.
قد
لا ينتبه كثيرون اليوم إلى أن المقامات التي تذرع "حزب الله" بإرسال
المقاتلين دفاعاً عنها قد باتت أجزاء منها مهدمة، لا سيما مقام السيدة سكينة في
داريا، لأن تمركز القتال حولها يعرضها لمخاطر لم تكن موجودة أو على الأقل كانت
موجودة على سبيل الاحتمال فقط.
يستنتج
من ذلك؛ أنه في حالات كثيرة يكون الدفاع عن الشيء هو عين خرابه، وأن جعل موضوعٍ
عنواناً للتحدي يجر الخراب والنتائج العكسية على من الشيء موضوع التحدي. هذا ما
حصل – وقد يحصل ما هو أسوأ منه إذا ما تغير ميزان القوى- في موضوع المقامات، ويكفي
دليلاً تدمير الثوار إحدى الحسينيات مؤخراً. وبما أن الدم أغلى عند الله وعند أولي
الألباب من الأحجار –ولو كانت أحجار الكعبة نفسها- فإن احتمال أن تحصل مأساة إنسانية
في نبل والزهراء باتت أكبر من أي وقت مضى، عندها يكون "حزب الله" قد
تسبب بمذبحة وهو يدعي –كما العادة- أنه يحول دون وقوعها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق