في هذه الأجواء المكفهرة
والمضطربة دعا حافظ الأسد حزب البعث إلى عقد مؤتمره القطري السابع في (22 كانون
الأول عام 1979- 6 كانون الثاني عام 1980م) لانتخابات حزبية. وقد واجه المؤتمر
نقداً لأخطاء قيادة الحزب للدولة والمجتمع، وتبنى تقريره الداخلي تحليلاً أعمق من
التحليل الإعلامي التعبوي والسياسي لما سماه بحركة الإخوان المسلمين.
لم يشخص المؤتمر الحركة كمجرد
ظاهرة (تآمرية خارجية) بل كظاهرة (داخلية) أنتجها الواقع الاجتماعي الذي يعيش
(إشكالات معاشية) و(بروز طبقة جديدة في المجتمع ذات ثراء وجشع كبيرين نمت كالطفيليات)
و(الأساليب الخاطئة في تطبيق الديمقراطية الشعبية) و(بروز ممارسات غير ديمقراطية
تحت عناوين ديمقراطية) وشيوع (النزوع نحو تجاوز الأنظمة والقوانين وحقوق
المواطنين.. وانتشار الوساطة والاستثناءات والرشاوى.. وتدني الشعور بالمسؤولية
وقلة المحاسبة)، واعترف التقرير أن (هذه المساوئ وإن وجدت سابقاً في قطرنا.. لكنها
لم تكن معروفة داخل سورية بهذه الشمولية يوماً من الأيام).
شجع حافظ الأسد نفسه هذا التقييم
ودفع به كثيراً، إلا أنه ورغم بروز التيار الراديكالي في المؤتمر الذي نادى
باستخدام العصا الغليظة فإن الأسد تبنى خلال النصف الأول من عام 1980م بشكل خاص
سياسة معقلنة يمكن تسميتها بسياسة الحمائم داخل الحزب بالدعوة إلى (المصالحة
الوطنية) الذي تبناه معه (محمود الأيوبي) نائب الرئيس و(عبد الله الأحمر) الأمين
العام المساعد للحزب الذي راح يطرح (المصالحة الوطنية داخل الحزب وخارجه).
لقد أوضح صراحة التطور المتسارع
والحاد للعنف السياسي وما أثاره من إضعاف لهيبة الدولة وكسرها، خلخلة في الجهاز
السياسي للدولة نفسها، لاسيما في الاتحاد الاشتراكي العربي الذي كان أمينه العام
يومئذ (أنور حمادة) أحد رموز الانشقاق الذي حصل في جماعة الإخوان المسلمين عام
1954م، وأبدى نوعاً من رهان على الحركة الإسلامية في أجواء إشعاع الثورة الخمينية،
ورفض أن يوقع على قرار حكومة (عبد الرؤوف الكسم) بحل مجالس النقابات المهنية
والعلمية.
وامتد هذا التخلخل إلى بعض كوادر
حزب الوحدويين الاشتراكيين المتحالف مع حزب البعث في (الجبهة الوطنية التقدمية)،
حيث شكل أحد أعضائه تنظيماً سرياً صغيراً معارضاً حمل اسم (الحزب العربي الإسلامي)
وضم بعض الضباط. أما الجهاز البعثي القيادي والقاعدي نفسه فيمكن القول بدقة إنه قد
وصل في مدينة حلب في آذار عام 1980م إلى انهيار شبه تام. ولم يعد يعول عليه بعد أن
قدم العشرات استقالاتهم من عضوية الحزب. فمن بين كل التنظيم البعثي في جامعة حلب
لم يبق في أوائل آذار عام 1980م سوى سبعة أعضاء عاملين فقط، تولوا حراسة مبنى
الفرع في الجامعة. إلا أن الضغط الأكثر خطورة أتى من كتلتين داخليتين أساسيتين
هما:
أ- التكتل الحركي الإسلامي الذي
تقوده (الطليعة).
ب- تكتل التجمع الوطني الديمقراطي
الذي أعلن في منتصف آذار عام 1980م، وضم كلاً من الاتحاد الاشتراكي العربي جناح
(جمال الأتاسي)، وحزب العمال الثوري، والبعث العربي الاشتراكي الديمقراطي جناح
(الشباطيون) وحركة الاشتراكيين العرب جناح (أكرم الحوراني). إضافة إلى بعض
التنظيمات الصغيرة القومية مثل (حركة الأنصار) وهي حركة ناصرية تتبنى منهج عصمت
سيف الدولة، والتنظيم الشعبي الناصري (الدكتور خالد الناصر). وأما حزب العمل
الشيوعي الذي لم تكن له صلة بالتجمع، فقد تبنى مؤتمر له في بيروت حمل السلاح بدعوى
مقاومة (الإخوان المسلمين) مما أدى إلى تفكيك السلطة له منهجياً وجماعياً ووفق
حملات متتالية.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق