من مازال يصدق بأن هناك عداءاً بين إيران الخمينية
ودولة إسرائيل، ومن مازال يجهل أن هناك عشقاً تاريخياً بين الشعبين، فعليه أن يقرأ
هذا المقال. فمن مازال يصدق هذا ويجهل ذاك ينطبق عليه المثل العامي القائل (يللي بيعرف
بيعرف، ويللي مابيعرف يقول كف عدس)
بدأ الفصل الأول من قصة العشق تلك حوالي عام
600 ق م حين دمر الملك البابلي (نبوخذنصر) مملكة إسرائيل في فلسطين ودمر هيكل سليمان
وسبى الشعب اليهودي وسيره مكبلاً إلى بابل. ولكن وبعد حوالي نصف قرن، مالبث أن بدأ
نجم الامبرطورية الفارسية بالظهور شرق العراق فيما يعرف اليوم بايران، فقامت بما تقوم
به كل دولة عبر التاريخ تشعر أنها أقوى من جيرانها: قامت بغزو هؤلاء الجيران. وحين
قضى الفرس على الامبرطورية البابلية ورثوا أملاكها ومناطق نفوذها في العراق، بما في
ذلك اليهود الذين كانوا جزءاً من طبقة العبيد، وتم إحضار أعداداً كبيرة منهم إلى فارس.
وصل (كورش الثاني) أو (كورش الكبير) إلى عرش
فارس عام 550 ق م حيث مالبث أن وقع في عشق جارية يهودية اسمها (أستر) تم تقديمها إليه
على أنها احدى الأميرات الفارسيات. وقد قرر الزواج منها حتى بعد أن عرف أنها ليست أميرة،
بل واحدة من طبقة العبيد. وقد حاول أحد الوزراء التدخل واقناع الملك بالتخلص من كافة
اليهود، فاستغلت (أستر) التي أصبحت ملكة عشق الملك لها وحظوتها عنده، فجعلته يأمر بقتل
الوزير وأيضاً باعتاق الشعب اليهودي ومنحه حريه العودة إلى فلسطين. ولذلك لاأعتقد بأن
اليهود اليوم يعترفون بجميل لشعب أكثر من الفرس أجداد الايرانيين، وهي ليست علاقة اعتراف
بالجميل فحسب، بل ومصاهرة وعشق وسبات ونبات وصبيان وبنات. وهي قصة أشبه بقصة (سندريلا)
إلا أنها حصلت على أرض الواقع وليس على صفحات الروايات فقط.ويبدو أن العشق الذي حدث
بين (أستر) و(كورش) قبل حوالي 25 قرناً مازالت ناره مشتعلة حتى الآن حيث نجد الكثير
من المعابد اليهودية اليوم في إيران الخمينية في حين لانجد مسجداً واحداً للمسلمين
السنة. في حين يمجد اليهود الملك الفارسي (كورش) في أسفارهم ويصفوه براعي الرب، كما
أن شركة (ستاربوك) للقهوة تمجد الملكة (أستر) بوضع صورتها على منتجاتها، فكيف يمكن
أن يكونوا أعداءاً؟
بدأ الفصل الثاني من قصة العشق تلك بعد ظهور
الاسلام في القرن السابع الميلادي في الجزيرة العربية ومعاداة اليهود له منذ اليوم
الأول. وقد انضم الفرس سريعاً إلى لائحة أعداء الدين الجديد بعد معركة القادسية ثم
دخول الجيوش العربية إلى (المدائن) عاصمة الامبرطورية الفارسية والقضاء عليها كلياً.
ظهرت في فترة خلافة (عثمان بن عفان) (ر) شخصية تركت أثراً هداماً في مستقبل الدين الاسلامي،
وهي شخصية اليهودي الأصل (عبد الله بن سبأ) الذي أعلن إسلامه في البداية، ثم أسس للمذهب
الشيعي ويعتبر الأب الروحي له، زارعاً بذور الفرقة الطائفية في الدين الواحد حتى اليوم.
هذا وقد بقيت إيران حتى بداية القرن السادس عشر دولة إسلامية سنية إلى أن استولت الأسرة
الصفوية الشيعية على الحكم بواسطة (إسماعيل الصفوي) وحكمت إيران لأكثر من قرنين قامت
خلالها بتشييع الشعب بحد السيف لتبقى إلى اليوم دولة يغلب عليها المذهب الشيعي الذي
لايشكل سوى نسبة عشرة بالمئة من مجمل المسلمين في العالم والمعادي في الجوهر لمذهب
الأغلبية السنية. كما شيعت تلك الأسرة أذربيجان في الشمال وأجزاء من أفغانستان في الشرق
وأجزاء من العراق والجزيرة العربية في الغرب. وبالتالي فان شيعة العالم اليوم يدينون
لرجل من أصل يهودي بانشاء وتأسيس مذهبهم، فكيف يمكن أن يكونوا أعداءاً؟
الفصل الثالث والأخير من قصة العشق الايرانية
اليهودية بدأ بظهور الحركة الصهيونية إلى النور ثم إقامتها لدولة إسرائيل عام
1948. وقد كانت إيران الشاه حينها حليفاً أساسياً لأمريكا وبالتالي لاسرائيل. ومع وصول
(الخميني) إلى الحكم عام 1979 استمر ذلك التحالف ولكن بصورة مختلفة. فالرجل الذي قاد
ماسماها الثورة الاسلامية على الشاه، كشف مباشرة عن رغبته متابعة المشروع الصفوي وإعادة
مجد الامبرطورية الفارسية تحت شعار مزيف وهو (تصدير الثورة) مستعملاً التشييع كحصان
طروادة لتنفيذ هدفه. وحتى تتمكن إيران من انجاز مشروع الهلال الشيعي من طهران إلى لبنان
كان لابد أن تعلن عدائها الظاهر لاسرائيل ليكون لديها المبرر للدخول إلى سورية ولبنان.
وقد سهل نظام الأسد، وخاصة الابن، تلك المهمة على إيران بالتحالف معها بحجة دعم محور
المقاومة والممانعة، في حين ساعدتها إسرائيل بتوفير السبب لظهور حزب الله الشيعي في
لبنان باحتفاظها (المسرحي) للجنوب عام 1982 ثم انسحابها (المسرحي) أيضاً منه عام
2000 ليصبح هذا الحزب الحاكم الفعلي للبلد. علماً بأن مهمة الحزب الحقيقة كانت القضاء
على العدو الحقيقي لاسرائيل وهو المقاومة الفلسطينية. وقد رأينا كيف سارعت إسرائيل،
التي يفترض أنها عدوة إيران الخمينية، إلى مساعدتها أثناء حربها مع العراق خلال الثمانينيات
بلعب دور الوسيط بايصال أسلحة أمريكية لها فيما عرف لاحقاً بفضيحة (إيران-كونترا).
إذاً ليس فقط لم أجد عداءاً بين اليهود والايرانيين،
بل وجدت عشقاً ملتهباً ومصالح متقاطعة وعدواً مشترك، ولاأفشي سراً إذا قلت أنه إذا
أحكمت إيران قبضتها على سورية، سيأتي دور الجزيرة العربية بكافة كياناتها، ثم مصر ثم
بقية شمال افريقيا وبمباركة ومشاركة إسرائيلية، فهل من علاج لهذا السرطان الصهيوصفوي؟
***
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
الاثنين 1 شعبان 1434، 10 حزيران
2013
هيوستن / تكساس
http://sites.google.com/site/tarifspoetry
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق