الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-06-26

شـــجـــرة الســـنـــديـــانــــ الـــعـــتـــيـــقـــة – د. عبد الغني حمدو

هي شجرة جميلة قوية تصارع الظروف البيئية مهما كانت، تثبت أمام العواصف والرياح العاتية تعشق الثلج والبرد تعشق المرتفعات، فكلما سقطت منها ورقة استبدلتها بأوراق خضراء فهي الأبهى والأجمل  خضارها قائم دائم، فدفؤها فاكهة الشتاء وظلها ملطف لحرارة شهر آب،  وحتى دخانها  لفحة بيضاء جميلة أخاذة في منظرها تخلو من كل سواد (فاسأل عنها أصحاب الأركيلة وأصحاب الشواء)

يزورني اليوم ابن عمي القادم من الوطن ليلتحق بالمشردين من أبنائه
لقد كنت قريباً منها شاهدت الكثير من المواقف والجميع يعرف تحديها وقوتها لم تخضع ولم تلين وبقيت تقاوم كل معتد أثيم .

استفاقت في يومها على خبر  استشهاد ابنتها في عام 1981، (غانية حمدو) وفقدت معها زوجها وأربعة من  أبنائها،وكانت تعيش في قرية صغيرة نصفها معاد لها لأن عائلتها كانت ضد حافظ أسد المجرم، وربعها كان شامت فيها والربع الأخير لايقدمون لها... لاخيراً ولا شرا، وبين هذه العقارب والأفاعي عاشت، لتتحدى الجميع بكبريائها وقوتها وثباتها على الحق دائماً
حافظت على البيت والأرض وربّت مابقي من أولادها ونار الشوق للمشردين من فلذات أكبادها
كان في حارتنا شجرتان من السنديان عمرهما مئات السنين، عندما عدت لقريتي ولأول مرة بعد مايزيد عن الثلاث عقود، ونفسي كانت تزداد شوقاً لرؤيتهما، ولكن لم أجد إلا واحدة، فسألت عن الثانية فقيل لي إن إعصاراً مر من هنا فأخذ واحدة وترك الأخرى
فقلت في نفسي هي أمي
والتي ذهبت كان أبي
فالشجرتان كانتا مترافقتان
ولا يبعدان عن بعضهما إلا متراً واحداً
 شريكان جميلان صبوران،ماؤهما هو الحرية الكامنة في كل العروق
ويشتبكان بعروق خضراء من دالية .....من العنب، تتوزع على شكل خيوط حريرية مزينة بحبات من ماس
وتغير الزمان وتغير الوقت وانقلب الشر بكل قوته على ذلك المكان
فكانت العواصف والصواعق والأعاصير
 فاقتلعت شجرة السنديان ومعها شجرة العنب وعناقيدها إلى المجهول
وحتى الآن !
لم تستطع كل أنواع الشرور اقتلاع الشجرة الثانية 
  فقلبها وعزيمتها لم يتغيرا مع أنها شارفت على التسعين كحال تلك الشجرة
(هي كشجرة السنديان العتيقة )
شبهها بذلك ضابط مجرم في المخابرات السورية
 صابرة متفائلة تنتظر الانتقام
ولن يطول الوقت كثيراً ياشجرة السنديان العتيقة
فالنصر سيعوضك عن الحرمان وسترينه بعينيك ياشجرتي الغالية
قلت لها تعالي معي ياأمي
فقالت إلى أين؟
 وأردفت قائلة:
لا يمكنني العيش خارج هذا المكان ولن أغادره فهي الأرض التي نبتت عليها عروقي وثمراتي كلها
ولكن ياأمي الماء عندك قليل، والقوة ضاعت وليس لك من معين
فقالت :هي حياتي أعيشها :
(ولدت هنا ونشأت هنا ولن أغادر قيد شعرة عن هذه الأرض)

د.عبدالغني حمدو


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق