يوم أمس اجتمع علماء الأمة الإسلامية
في القاهرة و خرجوا ببيان ختامي أعلنوا فيه بأنّ الجهاد فرض عين على كل مسلم , الجهاد
بالنفس و المال و بكل أمر يستطيع الإنسان بذله لنصرة الشعب السوري , و بعيد ذلك الإعلان
مباشرة, أحسست بأنّ شيئاً ما كإبرة مثلاً وخزتني بما جعلني أرى ضعف موقفي و أنا السوري
المغترب البعيد عن أرض سوريا فبدأت رحلتي الخاصة تلك الرحلة التي سأتمكن في نهايتها
من قمع ذلك الشعور الذي تسلل إلى داخلي.
دارت عديد التساؤلات في رأسي فقلت
أخاطب نفسي: بما أن الجهاد هو بالنفس أو المال أو بكليهما فهل يكفي إن قررت الجهاد
بالمال أن أدفع ما هو أقل من عشرة أو خمسة بالمئة من راتبي الشهري؟ فأُعتبر من المجاهدين
بأموالهم.
فكان جواب نفسي عليّ سريعا مقتضباً
و حاسماً : بالطبع يكفي حتى أنّك بارك الله بك تعاني كثيراً جرّاء ذلك,و مع ذلك مستمر
في جهادك و أنت أفضل من غيرك بكثير أولئك الذين لا يدفعون حتى هذه الخمسة بالمئة التي
تدفعها أنت.
بدأ شيء من الرضى يتسلل إلى نفسي على
حساب ذلك الشعور الذي سبق و أن تسلل لحظة إعلان الجهاد على أنّه فرض عين, و مع ذلك
استمر الوخز مما اضطرني إلى مخاطبة نفسي مجدداً فقلت لها: حتى أنني إضافة إلى ذلك الواحد
بالمئة الذي أدفعه من راتبي فإنني أجاهد كل يوم بالكلمات التي تهزّ العالم بأسره, و
إنني أرغب في الجهاد بنفسي و لكن لمن أترك ذلك الفراغ فالثورة بحاجة إلى من يكتبها
كما أفعل أنا؟
بعد أن أخفت ضحكتها و حولتها لتظهر
على أنّها سعلة مفاجئة أجابتني : بالطبع فأنت تبذل الغالي و النفيس من مالك و جهدك
و صحتك و لذلك ابق حيث أنت فإن ذهبت للجهاد بنفسك فمن سيستطيع توجيه كتائب الجيش الحر
و إعطائهم الخطط العسكرية و من سيشير إلى أخطائهم
و يعطيهم الأوامر بالتحرك هنا و التوقف هناك, و من سيبقى لينادي كلما وقعت مجزرة (أين
أنتم يا عرب, أين أنتم يا مسلمين, أين أنتم يا دول العالم, ماتت الإنسانية) و حتى أنني
أشعر بالرأفة تجاهك و الشفقة عليك أحاول أحياناً دفعك لأخذ راحة و لكنك شديد البأس
لم تجعل لي مدخلاً أستطيع منه التسلل إليك لأتحكم بك فآمرك بالتوقف قليلا لأخذ استراحة
محارب.
ازداد شعور الرضى داخلي و أخذ بالتمدد
أكثر فأكثر و مع ذلك و على أنّه قد خفّ تأثيره فما زال ذلك الوخز مستمراً, لذلك تابعت
مخاطبة نفسي فقلت لها: أحيانا أقول بأنّه يجب الذهاب إلى أرض المعركة و هناك أستطيع
الكتابة قدر ما أشاء على أنني حينها سأمتلك رأيا قد يكون سديداً أكثر و ذلك لملامسة
الوقع حسيّاً و ليس تخيلاً أو عبر مقاطع مصوّرة, كما أنّ الجهاد بالنفس ليس معناه حمل
السلاح و القتال بالضرورة فقد يكون مجرد وجود يدٍ إضافية هناك تحمل جريحاً تقدّم الطعام
للمقاتلين على الصفوف الأولى و حتى أنّ مساعدة رجل عجوز في قريته المحررة هو جهاد بالنفس
, بل و يمكنني أن أعلّم الأطفال الرسم و الرياضيات و أن ألعب معهم فكلّ هذا قد يندرج
تحت الجهاد بالنفس ؟
نظرت إليَّ نفسي بشيء من الريبة ثم
قالت: و لكن هنالك من يقوم بهذه المهمة و وجودك معهم لن يكون سوى مجرد عبء إضافي عليهم
إضافة إلى أنّهم سيخسرون تلك الخمسة بالمئة التي تتكرّم بها شهرياً, و لذلك يجب عليك
البقاء هنا, أولم تسمع أغنية فضل شاكر (سوف نبقى هنا..كي يزول الألم), ثمّ ما ذنبك إن اشتعلت الثورة و أنت خارج سوريا, فبالتأكيد
لو كنت هناك لفعلت الكثير مما يفعله الأبطال الأن فأنت مثلهم مع فارق بسيط بأنّهم هناك
و أنت هنا.
مع ازدياد شعور الرضى في نفسي باغتتني
هجمة مفاجئة من شعور الوخز ذاك الذي حدث في البداية فخاطبت نفسي و قد بدا وجهي متجهماً
بالقول: هل يعقل أنني و خلال سنتين من عمر الثورة لم يخطر لي الجهاد بالنفس على أرض
سوريا إلّا حينما تم إعلان الجهاد, أشعر بأنّه يتوجب عليّ القيام بأمر ما يجعلني أستحق
حريةً كلفتها دماء مئة ألف شهيد مئات ألوف المعتقلين و ملايين النازجين المهجرين حتى
الأن.
ما أن أنهيت كلامي حتى أحسست بصفعة
قوية على وجهي, كانت نفسي قد احتدّت من هذا اللامنطق الذي أنتهجه في نقاشي معها و قالت
لي و هي تصرخ: قلت لك ألف مرّة و أعيد بأنّهم هناك ليسوا بحاجتك الأن و أنت عملك هنا,
و عليك التأكد بأنّهم ما إن يشعروا بحاجتهم إليك على أرض الواقع فسيخبرونك بذلك و أنت
ستلبيهم مباشرة لأنّك على قدر عالٍ من المسؤولية, أوا ليس صديقك المتواجد هناك قد أخبرك
منذ يومين بأنّ أوضاعهم جيدة و الامور بخير و لا يحتاجون سوى الدعاء, ثم أنك لست معنياً
بإعلان الجهاد الذي تم بالأمس و أنت تجاهد أصلاً منذ سنتين بمالك و قلمك و صحتك و أعصابك,
و مع ذلك ألم تسأل لماذا تأخروا سنتين حتى أعلنوا الجهاد؟ و أودّ أن أخبرك بأنّ أميركا
كذلك قد قررت تسليح الثوّار و لذلك لن يكون لك دور هناك ,و أضف إلى ذلك يا عزيزي بأنّك
رجل مؤمن جداً , أوا لم تسمع قوله تعالى (لا يُكلِّف الله نفساً إلا وسعها).
مع تضخّم شعور الرضى داخلي أحسست بأنّه
لم يبقى من أثر الوخز سوى وخزة واحدة, و هذه المرة لم تنتظر نفسي أن أخاطبها لتجيب
علي بالمنطق و إنّما تدخلت مباشرة لتقول لي مضيفة بشكل نهائي و حاسم : الجهاد يمكن
أن يكون بأمور كثيرة و منها الجهاد بالنفس و أنت أراك تميل لهذا أكثر من غيره, و مع
ذلك أودّ إعلامك بأنّ الجيش الحر يتكون من ألاف الكتائب و فيها المتخصصين إعلامياً
و ماليا و إغاثياً و طبياً و هم حقاً بحاجة إلى العنصر الأخير الذي يتواجد في أي تنظيم
و هذا العنصر هو الخلايا النائمة, بإمكانك و من هذه اللحظة أن تكون خليّة نائمة و أنت
بذلك ستصبح مباشرة أحد مكونات الجيش الحر, و مجاهداً بنفسك كما تحب أن تجاهد.
لم أستطع و أنا الذي يعتمد التشكيك
طريقاً لليقين بواسطة المنطق سوى الشعور بالرضى الناتج عن اقتناعي بالمنطق و الحجج
التي حدّثتني نفسي بها و استطاعت بذلك إزاحة شعور الوخز المزعج الذي حدث في البداية
و اختفى نهائياً و ربما للأبد, و هنا بدأ شيء من الشعور بالنعاس يدبّ في جسدي و لأنّ
السرير بجانبي قررت أن أبدأ عملي الأن و أصبح خلية نائمة, و تصبحون على ألف ألف خير
و وطن.
Eyad M.Zreik Farhat
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق