الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-06-04

من يقاتل "حزب الله" في سوريا؟ وهل ينتقل القتال إلى لبنان؟ - بقلم: فادي شامية

المستقبل - الاثنين 3 حزيران 2013 - العدد 4706 - شؤون لبنانية - صفحة 5
http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=573627
كما لو أن بيتين يسكن أهلهما في مبنى واحد؛ يذهبون يومياً إلى القتال في أرض مجاورة، ثم يعودون؛ هل يمكن ألا يتقاتلان حيث يسكنان؟ أكثر من ذلك؛ لو أنهما يشجعان فريق كرة قدم في مباراة حامية، ألا يمكن أن يحصل احتكاك بينهما بعد حضور المباراة؟ في العادة فإن السلطات المحلية تفصل بين الفريقين لئلا يحتكان، لكن السيد حسن نصر الله يطرح معادلة تخالف نواميس الطبيعة: "أنتم تقاتلون في سوريا، ونحن نقاتل في سوريا، فلنتقاتل إذاً هناك. لبنان جنبوه، لماذا علينا أن نتقاتل في لبنان؟".


ومع التحفظ حول وجود فريق يناظر "حزب الله" في سوريا؛ كماً ونوعاً وتنظيماً وإدارة، فإن هذا الاقتتال في سوريا لا يمكن إلا أن ينتقل إلى لبنان، ولا سبيل لتفاديه إلا أن يعلن "حزب الله"؛ الحزب الوحيد الذي يحتل أراضٍ سورية، انسحابه من دعم النظام عسكرياً. وبما أن هذا الأمر غير ممكن، لاعتبارات خاصة بالحزب، فالنتيجة –بكل أسف- أن الحزب أدخل لبنان في صراع أهلي مسلح؛ لا يعلم إلا الله حدود توسعه.

خطورة مشاركة لبنانيين في القتال في سوريا؟
في واقع الحال؛ يوجد لبنانيون يقاتلون إلى جانب الثوار في القصير. ينتمي معظم هؤلاء إلى جماعات سلفية. يوجد فلسطينيون أيضاً من الجماعات الفكرية نفسها. وما بين أولئك وهؤلاء من يُقتَل في سوريا، ويشيّعه أهله وأصدقاؤه في لبنان، وبمقارنة أعداد القتلى يظهر الفارق بين مشاركة جيش منظم في القتال إلى جانب النظام وبين أفراد أو مجموعات إلى جانب الثوار.
 
كلا المشاركتين –على خلاف حجمهما وطبيعتهما- تزيد من الاحتقان الأهلي ومن إمكانية أن ينتقل الصراع المسلح إلى لبنان، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك:
أولاً: يلجأ "حزب الله" إلى تسعير التعبئة خلف خياره؛ القتال في سوريا، مستعملاً في ذلك الدعاية المذهبية التي يسمعها ويراها كل من يتنقّل في مناطق نفوذه، ومن الطبيعي أن يستنفر الشارع الآخر مذهبياً، الأمر الذي يوصل الأمور في لبنان إلى مدى خطر للغاية، يزيده حدةً نكسات الجبهات، وتشييع القتلى، وقوافل الجرحى، والانتقامات الأهلية، وحوادث متفرقة يصلح أي منها لإشعال الوضع برمته. 

ثانياً: توجب المشاركة الميدانية في القتال في سوريا تبعات ميدانية فوق الأرض اللبنانية؛ قصف مواقع "العدو" (يقصف الحزب المناطق السورية من مرتفعات الهرمل منذ ما قبل إقرار أمينه العام بالقتال في سوريا)، وإدخال السلاح، وتبديل المقاتلين، ومعالجة الجرحى، ومسيرات التشييع- سيما أن بعضها يجري في مناطق مختلطة- وهذا كله مدعاة للاحتكاك، وقد حصل هذا الاحتكاك فعلياً غير مرة. فضلاً عن أن المجموعات السورية المقاتلة باتت ترد على مصادر النيران وغير مصادر النيران، وبعضها قد يقوم بأعمال انتقامية مجنونة قد تجر البلد كله إلى أتون فتنة كبيرة.

ثالثاً: تفرض المشاركة القتالية العلنية لطرف لبناني داخلي في سوريا حالة عجز اختيارية على أجهزة الدولة كافة؛ إزاء انفلات السلاح أو تهريبه إلى سوريا أو إظهاره أو استعماله في لبنان من قبل أي كان؛ إذ يصبح من قبيل الهزل والظلم معاً أن يصادر أو يلاحق جهاز أمني أي مسلح في لبنان أو أي لبناني يسعى لإدخال السلاح إلى سوريا، في الوقت الذي تقف الدولة كلها عاجزة أمام ميليشيا مسلحة تنقل السلاح والمقاتلين بالآلاف –بإقرار كل من فيها- إلى سوريا. إحراج الدولة بهذا الشكل سوف يزيد من مساحة شريعة الغاب على حساب مساحة الدولة الحاكمة، كما هو الواقع اليوم.   

رابعاً: يتسبب الاقتتال في سوريا بمعارك صغيرة -حتى الآن- في لبنان؛ حيث يقر الجميع أن ما يجري في طرابلس –مثلاً- مرتبط بما يجري في سوريا، وكذلك الحال فيما يتعلق بالأحداث المتنقلة والمتكاثرة في صيدا، وقس على ذلك، ولا شيء يضمن أن تبقى هذه المعارك صغيرة، أو أن لا ينفلت الشارع نحو معارك أكبر حجماً، أو أن لا يدخل العامل الفلسطيني إلى الصراع، خصوصاً عندما يأخذ الصراع الشكل المذهبي العام.   

خامساً: يوجد في لبنان نحو مليون لاجئ سوري؛ فروا من جور نظام الأسد. على المدى المتوسط لن يبقى هؤلاء صامتين، وقد نكون أمام مشكلة إضافية ترتبط بهم؛ غير الحاجات الإنسانية، فلهؤلاء أهل وأصدقاء وممتلكات في سوريا، وهم يدركون ما يجري هناك، وتصلهم أخبار أصدق مما يرد في الإعلام حول حجم تورط "حزب الله" في دمهم وأعراضهم. يضاف إلى ذلك أن هؤلاء يتعرضون راهناً لمعاملة قاسية وانتقام عشوائي كلما سقط قتيل للحزب الذي يقتلهم في سوريا. وإذا أضفنا التعاطف الأهلي معهم من قبل غالبية لبنانية من لون مذهبي واحد؛ فإننا نصبح أمام حالة متشابكة وخطيرة فيما لو انهار السلم الأهلي في لبنان.

سادساً: أخطر مما سبق كله؛ أن "حزب الله" يقاتل في سوريا، إلى جانب أهل القصير، تيارات فكرية لها امتداداتها في المنطقة كلها، وهي موجودة في لبنان، والحزب يعرف أنها موجودة، ما يعني أن الحزب يقاتل فعلياً جماعات محلية بعينها، وهو يدرك هذا الأمر جيداً عندما يعميّ عن ذلك بدعاية قتال التكفيريين، مع أنه كان للأمس القريب يتواصل مع هذه التيارات ويجتمع ويتفاهم ويتحالف أحياناً!

من يقاتل "حزب الله" في سوريا؟
يقاتل الحزب في سوريا أهل القصير بدايةً، وهؤلاء ليس لهم انتماء فكري واحد يجمعهم سوى أنهم "يدافعون عن بيوتهم وأعراضهم ضد ميليشيا تغزوهم". غير أن شدة القتال؛ دفعت الكتائب الأشد بأساً للانضمام إلى الكتائب الموجودة في القصير دفاعاً عنها: الفاروق- التوحيد- الأحرار- الحق- البراء- ثوار بابا عمرو- بشائر النصر- رجال الله... وهؤلاء ينقسمون راهناً إلى تيارين كبيرين:

الأول: تيار "الأخوان المسلمين" الذي يضم كتائب عدة ممن يضمه إطار "دروع الثورة" أو ممن هو قريب من "الأخوان"، ومنضوٍ في إطار كتائب "جبهة تحرير سوريا الإسلامية". وتأتي كتائب "الفاروق" المقاتلة في حمص في طليعة هذه الكتائب، إضافة إلى كتائب أخرى غير منتشرة في ريف حمص أساساً، ولكنها وصلت لنجدة أهالي المدينة، وأبرز هذه الكتائب لواء "التوحيد" – منتشر أساساً في حلب ولكن رتلاً كبيراً منه وصل إلى القصير قبل أيام-.

الثاني: التيار السلفي الذي يضم كتائب عدة بعضها منضوٍ في إطار "الجبهة السورية الإسلامية" وبعضها غير منضوٍ. ويأتي في طليعة الكتائب المحسوبة على هذا التيار؛ كتائب "أحرار الشام" التي تقاتل في غير مكان من سوريا.         

وبالمقارنة مع حضور هذين التيارين، إضافة إلى أهالي القصير، لا أوزان أخرى يمكن أن تُذكر في خارطة توزع القوى على محاور القتال الضاري.

وما يؤكد ذلك أن التيارين المذكورين أعلاه كانت لهم مواقف حادة وغير معهودة – لا سيما "الأخوان"- من "حزب الله"، إذ لم يسبق لجماعة "الأخوان المسلمين" الأم في مصر (يتواصل الحزب معها منذ عقود) أن أصدرت بياناً تحدثت فيه عن "حزب الله (الذي) كشف عن وجهه الطائفي البغيض بتحريك مُسلَّحِيه، لمساندة النظام الطائفي الظالم ضد الشعب السوري الأعزل، وباشتراكه الأثيم في قتل أبناء الشعب السوري في القصير وغيرها" (25/5/2013). كما لم يسبق للجماعة في الأردن أن تحدثت عن "حزب الله" سلباً. أما "الأخوان السوريون" فقد وصل سقفهم إلى حد إعلان الحرب على الحزب "الطائفي"، في مقابل تحميلهم الدولة اللبنانية المسؤولية عن تدخل الحزب في مقابل توجيه تحية للمواقف الشيعية التي رفضت "المنطق الطائفي لحسن نصر الله" (29/5/2013). في حين نقل العلامة القرضاوي خصومته للحزب إلى درجة العداء، ودعوة العرب والمسلمين التوجه إلى القصير لقتال الحزب  متمنياً لو أنه يذهب بنفسه لو كان به قوة (31/5/2013).

أما أبرز رد فعل من التيار السلفي على التدخل الواسع  لـ "حزب الله" في القصير، فقد جاء من مصر، حيث وقّع عدد من أبرز القيادات السلفية بياناً شديد اللهجة اعتبروا فيه "كل من شارك في الهجوم على القصير وغيرها من بلاد المسلمين يجب قتالهم لأنهم من العدو الصائل الذي لا يندفع إلا بالقتل... ومن هذا المنطلق ندعو إلى نقل المعركة إلى داخل بلادهم (المناطق الشيعية) ليعلموا أن فعلهم هذا عقابه أليم، وإلى دعوة أهل السنة في كل مكان، أن ينفروا خفافاً وثقالاً لدعم ومساندة أهلنا في الشام" (28/5/2013).  

وباء التكفير!
لا جديد في القول إن هذه التيارات لها امتداداتها المعروفة في لبنان. التوتر الذي يُظهره السلفيون اليوم في لبنان تجاه من بات عندهم حزباً للشيطان- إلى حد إحراق علمه في مظاهرات جماعية- يندرج في إطار تصعيد قتاله إياهم في سوريا. أما "الأخوان" الذين يمثلهم في لبنان "الجماعة الإسلامية" فقد وصلت علاقتهم بالحزب إلى الحضيض، ويجري بين الحين والآخر احتكاكات بينهم وبين الحزب (قطع شبان في صيدا طريق المقبرة لمنع دفن أحد قتلى الحزب في سوريا- الاعتداء على سيارة القيادي في الجماعة الشيخ أحمد العمري)، بل لعلها المرة الأولى منذ تأسيس "حماس" (الأخوان الفلسطينيون) التي يصل فيها التوتر مع "حزب الله" إلى الحد الذي يشتم فيها رموز للحركة في الداخل والخارج "حزب الله" بهذه القسوة، أو يطلق فيها "حزب الله" نعوتاً على الحركة الفلسطينية "الحليفة سابقاً" بهذا السوء (خيانة-غدر- نكران جميل)، علماً أن قيادات الحركة لطالما كانت تقيم في الضاحية الجنوبية وفي حماية "حزب الله" نفسه.

صحيح أن الخيارات السياسية والدماء تصنع هذه الفرقة، لكن الأصح أن "حزب الله" أقدم على ما هو أخطر من ذلك كله؛ وصفه خصومه بالتكفيريين، وهو وصف كبير –في الإسلام- لدرجة أنه لا يجوز أن يطلقُه أحد على أحد إلا باء بصفة الكفر أحدهما؛ فإما أن يكون الموصوف كافراً وإما أن يكون الواصف كذلك، بما أن التكفيري كافر حكماً وفقاً لهذه المعادلة الشرعية، التي تعني إهدار حياته وماله وكل شيء أيضاً، فيكون الحزب فتح على لبنان والعالم حرباً دينية لا يعلم مداها إلا الله.

وما يزيد هذا الواقع خطورةً؛ تفاخر الأمين العام للحزب أن بمقدوره "توجيه عشرات الآلاف من المجاهدين بكلمتين فقط" (25/5/2013)، لكأن تحويل الحرب إلى هذه الصورة المذهبية الواسعة ستكون لمصلحته في ميزان العدد، أو لكأن "أعداءه" لن يتدفقوا بالمقابل بمئات الآلاف إلى "بلاد الشام" حيث المقتلة الكبرى؛ التي لن تُبقي بشراً ولا حجراً، ولا معابد أو مقامات (بدلاً من الحفاظ على المقامات أدى قتال "حزب الله" حولها إلى تهدم أجزاء واسعة منها لا سيما في داريا).

مذهل فعلاً؛ أن تصل الرعونة والخطأ الآثم إلى حد يظن فيه من ضل السبيل وجر الخراب على؛ نفسه وحزبه وشيعته وبلده وأمته، أنه يُحسن صنعاً!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق