يرتبط تشكيل هذه الطليعة قيادة
وتوجيهاً وتنظيراً بمروان حديد المهندس الزراعي والحائز على ليسانس بالفلسفة. وقد
تشكل هذا التنظيم في أوائل عام 1975م، وتعارف كوادره فيما بينهم على التسمي باسم
(الطليعة المقاتلة لحزب الله). وقد ولدت فكرة تشكيل هذا التنظيم الطليعي من خلال
أحداث الدستور عام 1973م، والتي حركها مركز حماة بقيادة مروان حديد والشيخ سعيد حوى، ومثّل هذا التحرك أخطر اختبار لقوة مجموعة
حديد المسيطرة على مركز حماة وعناصره في المحافظات الأخرى، إذ تمكنت من القيام
بإضراب عام في حماة، شارك فيه الاشتراكيون (جماعة أكرم الحوراني) والناصريون
(جماعة محمد الجراح)، وتحول الإضراب إلى أحداث شغب ضد مراكز حزب البعث الحاكم
والمنظمات الشعبية التابعة له، وبعض المقاهي وأماكن بيع الخمور.
طوق الرئيس حافظ الأسد هذا
الانفلات الأمني بإرضائه للإسلاميين بأن طلب من مجلس الشعب المؤقت أن ينص مشروع
الدستور على أن يكون دين رئيس الدولة هو الإسلام، وأدى هذا إلى فتح الباب أمام
إمكانية مشاركة بعض الشخصيات الإخوانية التقليدية في انتخابات مجلس الشعب التي تمت
في أيار عام 1973م، والتي قابلها أنصار المدرسة الراديكالية بالنقد الشديد. في حين
قامت السلطات باعتقال عدد من الإخوان المسلمين والناصريين والاشتراكيين الذين
شاركوا بالإضراب العام في حماة، إلا أنه تم الإفراج عن معظمهم بعد عشرة أشهر باستثناء
مجموعة محدودة على رأسها الشيخ سعيد حوى، أحد أبرز الناشطين في ذلك الإضراب، ولم
يطلق سراحه إلا عام 1978م بعد حبس دام خمس سنوات في سجن المزة. أما مروان حديد
نفسه فقد توارى عن الأنظار إلى حين اعتقاله في 30 حزيران عام 1975م بعد اشتباك مع
رجال الأمن في دمشق.
خلال تواري مروان حديد عن الأنظار
وجه رسالة مطولة إلى العلماء والشخصيات والجماعات الإسلامية يطلب فيها منهم إعلان
الجهاد المسلح ضد السلطة، واعتباره فرض عين على كل مسلم ومسلمة. وأعلن تحديه
للقيادة الإخوانية التقليدية التي حولت الجماعة – كما جاء في رسالته – إلى أشبه
بجماعات التبليغ والدعوة.
حاولت قيادة الجماعة تطويق مجموعة
حديد ففصلته كما فصلت عدداً من المرتبطين معه مثل: (عبد الستار الزعيم، وحسني
عابو، وعدنان عقلة، وزهير زقلوطة) وغيرهم، وهددت بفصل كل عضو يثبت استمرار صلته
بمروان حديد.
وعلى إثر وفاة مروان حديد في
مستشفى سجن المزة عام 1976م انتقلت قيادة هذه المجموعة إلى عبد الستار الزعيم،
وقامت هذه المجموعة بأول عملياتها ضد أجهزة الأمن في 8 شباط عام 1976م فاغتالت
الرائد (محمد غرة) رئيس فرع المخابرات العسكرية في حماة.
ومن هنا تم لاحقاً اعتبار هذه
العملية فاتحة أعمال العنف والعنف المضاد في سورية، وراحت مجموعة مروان حديد تنفذ
عملياتها ضد أجهزة الأمن السورية دون الإعلان عن اسمها إلا بعد ثلاث سنوات ونيف،
عندما نفذت عملية (مدرسة المدفعية) في 16 حزيران عام 1979م في مدينة حلب، مفصحة عن
تبنيها للعملية تحت اسم (الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين).
جماعة الإخوان
المسلمين ترفض الانجرار إلى العمل المسلح
لقد كانت مرامي جماعة مروان حديد
من تغيير اسمها من (الطليعة المقاتلة لحزب الله) إلى (الطليعة المقاتلة للإخوان
المسلمين) جر الجماعة إلى الانخراط في العمل المسلح الذي ترفضه بشدة، وتنأى بنفسها
عنه، ويؤثر عن مروان حديد قوله: (لئن أخرجني الإخوان من الباب فسأدخل من الشباك
وسأجرهم إلى الجهاد جرا).
لم تتصور قيادة التنظيم العام أن
نشاط الطليعة لن يكون أكثر من ردود أفعال يمكن أن يوصف بنزق الشباب، يمكن احتواؤه
والسيطرة عليه وتوجهه بما ينسجم مع السياسة الإخوانية التي تنبذ العنف وترفض أي
مواجهة مع السلطة، وهو خط سيرها العام الذي اعتمدته في كل صراع بينها وبين خصومها
منذ نشأتها.
ومن هذه المنطلقات أيدت حافظ
الأسد في الاستفتاء المقرر إجراؤه في 8 شباط 1978م مقابل الإفراج عن معتقليها
الذين كانوا دائماً ضحية حماقة أبناء المدرسة الراديكالية المروانية.
وبالفعل أفرج عن الشيخ سعيد حوى
عضو مجلس شورى الجماعة في أواخر كانون الثاني عام 1978م، وفتحت السلطة حواراً مع
المعتقلين الإخوانيين، بهدف الوصول إلى مصالحة مع السلطة.
وعندما شعرت الطليعة بحدوث هذه
المصالحة أقدمت على اغتيال الدكتور (إبراهيم نعامة) نقيب أطباء الأسنان في 18 آذار
عام 1977م، واعتبرت السلطة أن هذا الاغتيال بمثابة فسخ لاتفاق المصالحة، وهذه نقطة
تسجل على السلطة كونها استجابت لأهداف الطليعة بنزق ودون تفكير، فأوقفت السلطة كل
حوار مع الجماعة، وأقدمت على اعتقالات واسعة وعشوائية في صفوف الإسلاميين.
ويبدو أن رئيس الأمن القومي
السوري الذي تولى إدارة ملف التسوية بين جماعة الإخوان والسلطة، لم يكن يدرك طبيعة
تنظيم الطليعة الذي كان يخطط لاستجرار الجماعة إلى العمل المسلح الذي ترفضه جملة
وتفصيلا.
من جهة أخرى فتح المراقب العام
عدنان سعد الدين حواراً مع عبد الستار الزعيم بهدف احتوائه، ولكن الزعيم كان
ماضياً بمشروعه إلى النهاية، والذي يتلخص في احتواء الجماعة وتحييد القيادة
التقليدية وزج كوادرها في العمليات المسلحة، وقد نجح في جر البعض من الشباب إلى
صفوف طليعته.
لقد سبق لقيادة الطليعة أن تلقت
تدريباً عسكرياً في قاعدة طليعية تحت راية حركة فتح، متحدية قرار القيادة القطرية
الإخوانية بعدم المشاركة في هذه القاعدة، ونسجت علاقات وثيقة ومباشرة مع الأجهزة
الأمنية لمنظمة فتح، التي استفحل العداء بينها وبين النظام السوري جراء تدخل سورية
في لبنان عام 1976م، مع اعتقاد الطليعة بأن منظمة فتح ليست سوى الجناح العسكري
للإخوان المسلمين الفلسطينيين، بحكم انحدار معظم قادتها من الإخوان. وقد رسخت
أجهزة الأمن في فتح هذا الاعتقاد في أذهان شباب الطليعة.
وخلاصة القول فإن قيادة الجماعة
والأجهزة الأمنية السورية لم تدرك طبيعة التنظيم الجديد وإستراتيجيته النظرية
والصدامية.
ولم تكن ظاهرة المدرسة
الراديكالية مقصورة على الجماعة في سورية، فقد ظهرت في التنظيم الأم في مصر قبل
ذلك، وكان كتاب سيد قطب (معالم في الطريق) الذي صدر عام 1965م يعبر بشكل واضح عن نفس
النهج. وقد لعب هذا الكتاب دوراً خطيراً في تشويش عقول الشباب ودفعهم للتمرد على
القيادة التقليدية للجماعة، مما دفع المرشد العام الثاني (حسن الهضيبي) إلى تدوين
كتابه (دعاة لا قضاة) في معتقله عام 1969م، للرد على كتاب سيد قطب وخطورة طرح فكره
الجديد. الذي كانت تنظر إليه الطليعة على أنه كتاب إصلاحي يفرغ الجماعة من مضمونها
الجهادي ويحولها أشبه ما تكون بجماعات التبليغ والدعوة.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق