بالأمس سمعت تصريح الجنرال
السوري عبد الباسط طويلة قائد الجيش الحر في المنطقة الشمالية عندما قال: "بأنه
قدم كل البراهين للدول المعنية بأن العصابة الأسدية قد استخدمت السلاح الكيماوي ضد
الشعب السوري" ، وقبلها طبعا فرنسا أعلنت أنها تأكدت بأن النظام السوري قد استخدم
السلاح الكيماوي وأن لديها ما يثبت ذلك، بهذا يكون أخر خط أحمر قد قطع أمام
المجتمع الدولي.
لكن مع تدفق السلاح الروسي
والايراني بشكل غير مسبوق و دخول العناصر المتطرفة المتمثلة في حزب الله و لواء
أبو الفضل العباس و الحرس الثوري الايراني ساحة المعركة وتحقيق التفوق النوعي في
العدة والعتاد وتحقيقها خلل كبير في توازن المعركة خاصة في حمص.
و فقدان جبهة النصرة زخمها بسبب عودة الكثير من مقاتليها إلى دولة
العراق الاسلامية بعد فك الارتباط بين الدولتين واعتراض أبو محمد الجولاني على
قرار التوحيد بين الجبهتين ولجوء الظواهري الى التحكيم للفصل بينما .
إضافة إلى ظهور بداية
انشقاق لفئات من المعارضة السياسية وعودتها الى حضن العصابة الأسدية من الفئة
الهلامية التي كانت عبئا على الثورة منذ بدايتها، بعد أن فشلت في الفوز بكعكة الثورة
من باب أنها عامل توازن بين مكونات المجتمع السوري والمجتمع الغربي ، والتي كانت
وما زالت عرضة للاختراق من قبل أزلام العصابة الأسدية بالأمس واليوم، وعرضة
للتجاذبات و تضارب المصالح مع الفئات الخارجية التي تدعي صداقتها للشعب السوري .
كل ذلك جعل المجتمع الدولي
يقف حائرا أمام خيارات ضيقة ، فهو من جهة يريد أن يتعامل مع المعارضة الهلامية على
أنها ممثلة لمكونات الشعب السوري ، ولكنه يدرك من جهة أخرى أنه ليس لديها أي سند شعبي،
و أنها عبارة عن طحالب تعتاش على مصائب
ابناء جلدتها ليس إلا.
أما الولايات المتحدة فقد تخلت
منذ البداية عن خيار التدخل المباشر، وهي تدرك اليوم أن خيار السلم أيضا قد فلت
عقاله من يدها ، وباتت أمام خيارات أصعب من ذي قبل .
وبالتالي فكل خيار تتفحصه
يصطدم بتدخل عسكري أو بتسليح المعارضة، وكلا الخياران مواجهان من قبل الفيتو
الصهيوني سواء من داخل الولايات المتحدة أو اسرائيل .
لذلك فأوباما اليوم يجد نفسه محرجا أمام جميع
الخيارات التي يتم دراستها والتي يريدها أن تتصف بقابلية التنفيذ على ارض الواقع .
فهو قد خسر زمام المبادرة مع روسيا وايران، وبات
يمني نفسه بالخيار الدبلوماسي الوحيد المعروض عليه حاليا والمتمثل بمؤتمر جنيف – 2
و الذي توافق مع الروس على عقده.
لكن الجميع يدرك أن نجاح عقد المؤتمر ما زال مشكوكا فيه، كون موعده لم
يتحدد بعد، ولم يُتّفَق على المشاركين فيه، ولا على جدول أعماله، ولا على من يمثل النظام
و المعارضة فيه.
أيضا خلل التوازن بين
القوى المتقاتلة على الارض السورية وتحقيق العصابات الأسدية وحلفائها نقاط قوة في
الأيام القليلة الماضية قد تعود بالفائدة عليها في حال انعقد المؤتمر قبل ايجاد أي
مدخل لإعادة التوازن من قبل دول ما يسمى اصدقاء الشعب السوري.
وإدراك اوباما أنه فشل في تطبيق
استراتيجيته في \"القيادة من الخلف\" في سورية، من خلال تحكمه بنوع
المساعدات المقدمة للمعارضة ومن خلال منع تسليحها بالأسلحة النوعية اللازمة، وتسويق
الحل السلمي مع بقاء الاسد.
استجابة لقرار سيده
الصهيوني القابع في اسرائيل ومراكز القرار الأمريكي والعالمي ، و الذي يطالب ببقاء
الأسد ، لكنه بذات الوقت لا يستطيع الاستسلام للاستعمار الصفوي لبلاد الشام .
ولا يمكنه قيادة المجتمع
الدولي لاتخاذ اي قرار ملزم لإيجاد حل للقضية السورية، خاصة في ظل وجود حائط الصد
الروسي الصيني .
وبالتالي نجد تصريحاته
اليوم مربكة وتغيب عنها أي نوع من أنواع الحل العسكري سواء من خلال فرض مناطق حظر
طيران أو ممرات إنسانية آمنة أو تدخل عسكري مباشر.
على الرغم من تعالى
الأصوات المطالبة بإعادة التوازن بداية من وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي
قال بالأمس لشبكة التلفزة الفرنسية الثانية إن تقدم قوات النظام السوري المدعومة
من إيران وحزب الله اللبناني نحو حلب تمهيداً لهجوم كبير على هذه المدينة الواقعة
في شمال البلاد يجب أن يتوقف.
و «يجب تحقيق إعادة توازن
(بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة) لأنه في الأسابيع الأخيرة حققت قوات (بشار
الأسد) ، وخصوصا حزب الله والإيرانيين، تقدما هائلا بواسطة الأسلحة الروسية». وعاد
ليقول أن «بشار (الأسد) استخدم الأسلحة الكيميائية بشكل مشين».
وأضاف: «يجب أن نوقفه
لأنّه إن لم تحصل إعادة توازن للقوى على الأرض، لن يكون هناك مؤتمر سلام في جنيف،
لأن المعارضة لن توافق على الحضور، في حين ينبغي تحقيق حل سياسي».
أما الوزير الاميركي فيقول
«نحن مصممون على القيام بكل ما في وسعنا من أجل مساعدة المعارضة كي تكون قادرة على
إنقاذ سوريا». وأضاف إن «أميركا وبريطانيا تركزان على عمل كل ما يمكنهما لدعم
المعارضة السورية في تغيير التوازن على الأرض»، لكنه يتابع بقوله «الناس يتحدثون
عن الخيارات الأخرى التي يمكن أن نلجأ إليها هنا، لكن لا شيء لدينا نعلنه في هذه
اللحظة».
ومع ذلك فإن بعض المحللين
ما زالوا يمنون النفس بأن تتخذ الولايات المتحدة من فشل مؤتمر جنيف – 2 مسوغا
لتدخل عسكري مباشر وهذا ما لا يرغب به أوباما أبدا ولا يريد مناقشته ضمن الخيارات
المتاحة.
والترجمة العملية الوحيدة
لهذا كله هو عجز كل هذه الأطراف مجتمعة عن اتخاذ قرار اعادة التوازن سواء من خلال التدخل
العلني أو من خلال دعم المعارضة بالسلاح المطلوب.
وبات علينا أن نقتنع أن
واشنطن والغرب في النهاية ليسوا معنيين حقا بتحقيق مطالب الشعب السوري وانهاء
مأساته، سواء استفحلت الأزمة الإنسانية بسبب الأسلحة الكيماوية أو تفوق القوى
الموالية للعصابة الأسدية على الأرض أو لأي سبب آخر.
فالخيار الوحيد اليوم هو السيناريو
الأسوأ والمتمثل في دخول سورية وربما المنطقة في حرب طائفية طويلة الأمد.
لذلك علينا أن نعد لهذه
الحرب عدتها فنحن الأعلون وان تكالبت علينا الأمم }وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم
مُّؤْمِنِينَ { ((آل عمران:139)).
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق