بعد أربعين عاماً من الاستئثار بالحكم ونهب الوطن
وقهر الشعب وحماية إسرائيل، يجد علويو سورية أنفسهم اليوم وقد وصلوا إلى مفترق طرق،
كل واحد منها يؤدي بهم إلى الهاوية. مشكلتهم أنهم كأفراد طائفة صغيرة نسبياً، ومتخلفون
حتى العظم لدرجة أنهم مازالوا يؤمنون بعبادة الفرد، وضعوا أنفسهم كأداة في يد اللاعبين
الدوليين الكبار. فعادة مايتخلص هؤلاء اللاعبين من أدواتهم حين تنتهي المهمة، وخاصة
إذا كانت تلك المهمة قذرة كخيانة وطن أو شعب.
إما أن (الأسد الأب) كان غبياً لدرجة اعتقد معها
بأنه قادر على الاستمرار هو وطائفته في حكم سورية وقهر شعبها إلى (ولد الولد). وإما
أنه هو نفسه كان متآمراً على الطائفة والشعب لحرق الاثنين ببعضهما، وهذه النظرية تؤيدها
الأحداث على الأرض وكذلك انقطاع نسب الأسرة إلى جد (الأسد الأب) الموقع على الوثيقة
الفرنسية الشهيرة، وبالتالي فيمكن أن تكون أسرتة إيرانية شيعية هاجرت إلى سورية في
القرن التاسع عشر واندست في الطائفة العلوية والشعب السوري لغاية في نفس يعقوب.
لست هنا في هذا المقال بوارد البحث في نظرية
المؤامرة تلك أو غيرها، إنما لتسليط الضوء على مفترق الطرق الذي وصلت إليه الطائفة
على يد عائلة الأسد. فقد قطعت تلك العائلة كافة الجسور بين طائفتها وبين غالبية الشعب
السوري عند ارتكابها لمجزرة حماة عام 1982. وقد وجه (الأسد الأب) من خلال هذه المجزرة
رسالة لطائفته وللشعب السوري في نفس الوقت، مفادها أن الصراع بين الطرفين قد أصبح
(حتى الموت). وبالنسبة لي، فلا أرى في الثلاثين عاماً التي تبعت تلك المجزرة وسبقت
الثورة سوى فترة نقاهة احتاجها الشعب لاسترجاع قواه والتحضير للانتقام من النظام وطائفته
معاً. ومن يعتقد أن مجزرة بهذا الحجم وتلك البشاعة يمكن أن تمر دون عقاب فهو لابد ساذج.
أما النظام وطائفته فقد استغلا هذه السنوات للتحضير لنفس اليوم الذي لاشك كانوا يعرفون
أنه قادم. وكما نرى فالقتال اليوم بين الطرفين يتم على طريقة (ياقاتل يامقتول)، علماً
أنه لم تلحق بالعلويين عبر تاريخهم خسائر بالأراوح كتلك التي لحقت بهم خلال العامين
الماضيين. وهناك قناعة باتت شبه مؤكدة أنه مع انتصار الثورة فان معظم أفراد الطائفة
في سورية سيسقطون في (هاوية) سحيقة بين قتيل ومعطوب ومهجر.
وبسبب هذا الرعب الذي حل بهم، نرى (الأسد الابن)
قد استقدم الحليف الايراني الشيعي وأدواته في المنطقة كحزب الله اللبناني وجيش المهدي
العراقي، ناسياً أن الشيعة هم الأعداء التاريخيين اللدودين للمذهب العلوي. وبالتأكيد
فلن تدع إيران الخمينية فرصة ذهبية كهذه تمر دون أن تحاول إحكام قبضتها على سورية وضمها
للمحور الشيعي الصفوي الذي تحلم بتوسيعه. وقد أثبتت معركة القصير الأخيرة أن جيش (أبو
شحاطة) قد نفذ (كازه) بالكامل وبدأ (بالتشحير)، مما استلزم تدخل وكيل إيران في لبنان
(حسن نصر الله) مع شبيحة حزبه لحفظ ماء وجه جيش (المتة) واسترجاع المبادرة.
عملياً، فقد امتطت إيران ظهر (الأسد الابن) ونظامه
منذ بداية عهده، ولاأدل على ذلك أكثر من انتشار الحسينيات وتوسع الاستثمارات الايرانية
في سورية بشكل لم يسبق له مثيل. وطبعاً فحين تكون لهم اليد الطولى، فلن يكتف الايرانيون
بالعمل على تشييع السنة وترك العلويين وشأنهم، بل سيكون على العلويين أن يتشيعوا قبل
أي فئة اخرى ليكونوا عوناً لأسيادهم وإلا.. وهنا نرى كيف أن (الطائفة الكريمة) ولتنقذ
نفسها من (الهاوية) التي تنظرها بانتصار الثورة، وجدت نفسها أمام (هاوية) من غير نوع،
وهي إجبارها على التشيع والانضمام لقائمة منتظري (مهدي السرداب)، وإلا فلن تجد سوى
السيف في انتظار رقابها، وإذا كانت تعتقد غير ذلك، فما عليها سوى العودة إلى تاريخ
الدولة الصفوية وكيف شيعت الشعب الايراني في القرنين السادس والسابع عشر.
قد يظن البعض من (الطائفة الكريمة) في لحظة جهل
أن (أصدقائهم) الروس سيهبون لانقاذهم من (هاوية) نار الثورة أو من (هاوية) نار الشيعة،
ولكن على هؤلاء البعض أن يفكروا أكثر. فالروس أنفسهم وإذا أحكموا قبضتهم على سورية
وأخمدوا الثورة وطردوا الايرانيين منها، فهم سيعاملون العلويين كما عامل المغول الوزير
العلقمي الشيعي الذي سهل دخولهم إلى بغداد في القرن الثالث عشر الميلادي. وهنا سيجدون
أنفسهم أمام (هاوية) العبودية والذل، وربما اضطهدهم الروس إرضاء للأغلبية وخطبة لودهم.
وحتى لو انحسروا إلى الساحل وتمكنوا
من إقامة دويلتهم، فهم سيكونون تحت رحمة حليفهم الشيعي أو الروسي وستبقى تتقاذفهم الأقدام
حسب اتجاه رياح السياسات الدولية. ولكن يؤكد التاريخ أن كيانات شاذة كهذه لايكتب لها
الحياة طويلاً وسرعان ماتنهار في أول مناسبة.
إذاً يقف علويو سورية اليوم أمام مفترق طرق لايصل
أي منها بهم إلى بر الأمان، وأنا أرى أن (مغامرتهم) في سورية على مدى أكثر من اثني
عشر قرناً ستنتهي قريباً بأن يصبحوا عبرة لغيرهم في المستقبل. وسيؤلف عليهم مثلٌ يحمل
معنى المثل القائل: (جنت على نفسها براقش) أو ذلك القائل: (يللي بدو ياكل هالأكلات،
بدو يموت هالموتات).
***
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
الاثنين 1 شعبان 1434، 10 حزيران
2013
هيوستن / تكساس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق