الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-06-10

سورية تناديكم (4).. أدب السجون وثراؤه في سورية - بقلم: الدكتور عامر أبو سلامة


أدب السجون واحد من إفرازات مرحلة مدهشة في عالمنا الحديث، مرحلة تؤكد على قصص دروب الويل على أيدي طغاة، لم يرقبوا في مؤمن إلا ولا ذمة، أدب السجون بات واحداً من مفردات الثقافة، وعنواناً فاتحاً لملفات الشر، في العصر الحاضر، ذلك أن الفردية والطغيان، والدكتاتورية المقيتة، التي ابتليت بها الأمة، في هذا الزمان، ورثت اضطراراً هذا النوع من الأدب، الذي ربما أضفى على الأدب نكهة جديدة، في عالم الإحساس، ومجال الذوق، ورب ضارة نافعة، حتى يأخذ هذا اللون من الأدب المرير الحزين الجارح مداه، ويتألق شارحاً ومبيناً بلسان الحال قبل المقال، عالم الرذيلة، في ثوب من ثيابها، ودنيا الفجور السياسي، والطغيان الشمولي، والاستبداد الظلامي، الذي خيم أصحابه ردحاً من الزمن، في بعض بلداننا العربية والإسلامية، على هذه الأمة، فكان ما كان، وحدث ما حدث.


ومن نماذج ذلك ما سطر في ( البوابة السوداء) وما كتب في ( أيام من حياتي)، وبعض ذكريات ومذكرات، وأشعار وألحان، شدا بها في عالم الغربة داخل أقبية السجون،من شدا، وكانت صفات تاريخ، مسطرة بالدمع والدم والألم، بما وقع عليهم من ظلم لا يوصف، وجريمة ليس لها حدود، ليكون ( نحنا بتوع الاوتوبيس) نزهة من نزهاتها، في عالم ما يقشعر منه البدن، ويشيب لهوله الولدان، في عالم يتماوج بالقهر، وانتهاك حقوق الإنسان بشكل فج ووقح.

وصار هذا اللون من الأدب محل اهتمام الباحثين، والمثقفين والدارسين والساسة، ومتابعي مسائل حقوق الإنسان، لما له من أثر واضح في الحياة العامة، وفي الشأن السياسي خاصة، كل هذا مع ما ترك ويترك، من ندبات ولكمات، وآهات وأنات، وفواجع ومصاعب في حياة الناس، فرداً وجماعة وأسرة ومجتمعاً ودولة، من هان كانت دراسات واسعة في هذا المضار، وسجلت حلقات لمتابعة مثل هذا الأمر، ونشر تقارير إعلامية توضيحاً لهذه الحقيقة المرة، ومثلت أفلام، وكتبت روايات.

ويا لها من فترة، امتلئت بهذه المعاني، ليكون انعكاس ذلك تحدياً وثباتاً وصوداً.
      يا ظلام السجن خيم                  إننا نهوى الظلاما
           ********************************************
وفي سورية إثر استلام نظام العصابة الأسدية مقاليد الحكم، بدأت صفحة جديدة، لا مثيل لها، في عالم أدب السجون، من خلال معاناة نادرة، وتجارب مؤلمة، وتاريخ يحكي مآس فظيعة، فيما وقع للإنسان السوري، على يد هذه العصابة المجرمة، من زوار فجر، واعتقال همجي، وحملات عشوائية، وتنكيل تتري، وتحقير بشري، ومجازر جماعية، ومذابح كارثية، مع انتهاك صارخ لكل قيم الأرض، وتعاليم السماء، دون مراعاة لحرمة، أو معرفة لمسكة من حق، فدون من دون أطرافاً من هذه الملاحم، وصوراً من هذه المشاهد، ولقطات من مشهد كبير، لا تتسع لاقطة الكامرا حجمه من خلال، مصور واحد، أو كاميرا واحدة، ونحن بحاجة للمزيد، حتى تنجلي الصورة كاملة، ويتضح المشهد بكل تفاصيله، وتتكون الرسمة بسائر أبعادها.

فكتب أحد الأدباء (تدمر شاهد ومشهود) ليقول من يحسن الظن، أو لم يدرك وعيه الخطر، هذا ضرب من الخيال، أن يوجد في الدنيا بشر، بهذه الوحشية والغلظة والجفاء والإجرام، وتكتب أخت كريمة، تجربة تسع سنوات في سجون الطغاة، ليقول قارئه: في أي عالم نحن، ومن هؤلاء الذين يحكمون سورية؟ أي دين يدينون؟ أي فكر يحملون؟ أي تربية نشأوا عليها؟ وأي قلب في أجوافهم؟ وتأتي تجربة مسيحي، يدخل سجن المجرمين، فيكتب ( القوقعة)، بأسلوب شائق، وعبارات معبرة، ولغة تلقائية عفوية، رغم متانة حبكتها، وروعة صياغتها، وكأنها فيلم سينمائي يعرض على متفرج، لكن متعتها تستمر مع قارئها، رغم وقوع القلب في القدم، وارتفاع ضغط الدم، من هول ما يقلب الكلمات، وما حملت في طياتها، من معالم الأسى والحزن الكبير، في هذه الرواية، تنعكس المرآة السياسية على واقع سورية، ليدلك مؤشرها، على كارثة وقعت، وما زالت مستمرة، في بلدنا الحبيب سورية، من قتل للأطفال، وذبح للنساء، وفتح رؤوس الشيوخ بالفؤوس، وحرق الجثث، بل حرق الأحياء، بل حرق الأخضر واليابس.


وأخونا الداعية الأديب الأستاذ سليم زنجير- رحمه الله تعالى- واحد من  ركب من كتبوا، وهو الغيور، صاحب المعاناة، وذائق المحنة، الذي بقي صامداً، وعلى طريق الدعوة ثابتاً، ما لان ولاهان، ولا تراجع ولا استكان، ومما كتب، قصة ( مالا ترونه) وهي قصة معبرة، عن مرحلة، سطر فيها الخبر على هيئة قصصية، نسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق