يا ايها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا ، وقولوا انظرنا ،
واسمعوا ، وللكافرين عذاب أليم
نهى
الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم وذلك أن اليهود
كانوا يجتهدون في إيذاء الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم فقالوا : كنا تسُبُّ
محمداً سراً ، فالآن نسبه جهراً لأنهم أرادوا بقولهم " راعنا" الرعونة ليّاً بألسنتهم وطعناً في الدين ، ويُهيّأ لمن
يسمعهم أنهم إنما يريدون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يراعيهم ويسمع لهم. وهؤلاء
قال فيهم الله تعالى " من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا
وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليّاً بألسنتهم وطعناً في الدين ولو أنهم قالوا
سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم، ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا
يؤمنون إلا قليلا "
وهم
الذين يقولون " السام عليكم " يوحون بالسلام ويقصدون الموت ، فالسام
الموت.فأمرنا أن نرد عليهم بـ " وعليكم" وإنما يستجاب لنا فيهم ولا
يستجاب لهم فينا – كما جاء في الحديث الشريف الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله
عنها.
وفي
الآية نجد نهيَ المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا ، وذيّلها بالعذاب الأليم
لمن خالف. فمن تشبه بقوم فهو منهم ، ومن جميل ما رواه ابن مسعود أن رجلاً قال له: إذا
سمعت الله يقول " يا أيها الذين آمنوا" فأرعها سمعك ، فإنه خيرٌ يأمر به
أو شرٌّ ينهى عنه .
وقال
الحسن : " لا تقولوا راعنا" إنّ الراعن سخرية من قول محمد صلى الله عليه
وسلم وما يدعوهم إليه من الإسلام . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أدبر
ناداه من كانت له حاجة من المؤمنين فيقول أرعنا سمعك فأعظم الله رسوله صلى الله
عليه وسلم أن يقال ذلك له ،وكان رجل من يهود بني قينقاع يأتي النبي صلى الله عليه
وسلم فيكلمه قائلاً : أرعني سمعك واسمع غير مسمع وكان المسلمون يحسبون أن الأنبياء
كانت تفخَّم بهذا ، فكان الناس يقلدونهم . فنبههم القرآن إلى حُسن مخاطبة النبي
والتأدب في الحديث معه ، ولعلنا نذكر في سورة الحجرات وجوبَ توقير النبي صلى الله
عليه وسلم في النداء الرائع " يا أيها الذين آمنوا ، لا ترفعوا أصواتكم فوق
صوت النبي ، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالُكم وأنتم لا
تشعرون" ليحذروا المنزلق الذي قد يقعون فيه دون أن يشعروا فيهلكوا، وقد كاد الخيّرانِ
أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يهلكان حين ارتفعت أصواتهما أمام رسول الله في تأمير
ركب من بني تميم ،فاختلفا فيمن يُؤمّر ، فنزل النهي في رفع الصوت أمام القائد
العظيم ، فكان الصديق بعد هذا يقول : والله لا أكلمك إلا كأخي السرار - أي الهمس –
وكان الفاروق يخفض صوته حتى يكاد لا يُسمع ، رضي الله عنهما ، ما أرْوَعَهما
وأعظَمهما.
وما
أشد شفافية قيس بن الشماس – وكان جهير الصوت – حين سمع آية الحجرات هذه ظنّ نفسه
المقصودَ بها فلزم بيته يبكي خوفاً وحزناً أن يحبط عمله، فلما افتقده رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأعلم سبب احتجابه عنه طيّب خاطره وقال له: أنت من أهل الجنّة
.
واقرأ معي قول سيد قطب رحمه الله تعالى في
تعليقه على هذه الآية : لقد وعى المسلمون هذا الأدب الرفيع ، وتجاوزوا به شخص رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى كل أستاذ وعالم لا يزعجونه حتى يخرج إليهم ، ولا
يقتحمون عليه حتى يدعوهم .
يُحكى
عن أبي عبيد – العالم الزاهد- أنه قال : ما دقـَقـْتُ على عالم باباً قطّ حتى يخرج
في وقت خروجه.
نحن
بحاجة إلى أن يحترم المسلمون علماءهم وأن
يُجل أحدنا الآخر ، فنضرب مثلاً في الأخلاق الإسلامية الحضارية التي جعلتنا سادة
العالم ومربيه ، فننتشله من وهدة الجهل وعِمايته إلى ذروة السموّ والأدب الرفيع ..
إنه
ينادينا .... فهل سمعنا النداء ووعيناه؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق