أعلنها فتيان من درعا صرخة حرية فتبعهم شبابها و
رجالها, فكان الردّ عليهم رصاصاً سقط على إثره أوّل شهداء الثورة السورية و منذ
ذلك الحين لم تتوانى عصابة الأسد عن ارتكاب أبشع أنواع المجازر تلو المجازر, و قد
انتهجت عصابة الأسد في ذلك أنماط متعددة , أستطيع تمييز نمطين منها بشكل واضح:
النمط الأول: مجارز يومية يُقتَل على إثرها عدد محدود و
لكن في أماكن كثيرة مختلفة في اليوم ذاته و هي تقوم بذلك بواسطة (القناصين, القصف
المدفعي, قصف الطيران الحربي, الاختطاف على الحواجز المنتشرة الذي يتبعه قتل بعد
التعذيب, قتل المعتقليين في السجون) و بشكل عام فهذا النمط يقوم على قتل عدد محدود
في كلّ مرّة و لكن في أماكن كثيرة, و يتميز هذا النمط بالنسبة لعصابة الأسد
بإمكانية اتّباعه يومياً دون أي تخوّف من الأثار الناتجة عنه, و من أمثلة
المجازر التي تمت وفقاً لهذا النمط:
1. مجزرة آل عريب في مدينة
حماة بتاريخ 24/5/2012م بعد اختطاف أمٍّ و اطفالها الخمسة أكبرهم بسنّ التاسعة و
تم ذبحهم
2. مجزرة السحر و هي قرية
شرق دير الزور بتاريخ 29/5/2012م أدت لقتل ثلاثة عشرة شاباً كانت أيديهم مقيدة خلف
ظهورهم و قد بدت عليهم علامات التعذيب.
3. مجزرة البويضة الشرقية
و هي قرية تابعة لمدينة بتاريخ 31/5/2012م اختطف باص عمال معمل الإسمنت و فيه
ثلاثة عشر شاباً تم قتلهم بعد تعذيبهم.
4. مجزرة حمورية في ريف
دمشق بتاريخ 29/6/2012م حيث استشهد سبعة سوريين جرّاء القصف المدفعي.
5. الحصن (حمص) بتاريخ
29/6/2012م حيث اشتهد سبعة سوريين جراء قصف سيارتهم أثناء نزوحهم.
6. درعا بتاريخ 8/6/2012م
حيث استشهد ثمانية عشر سورياً جرّاء القصف على المدينة
7. لو أردت تعداد الأمثلة
عن المجازر المرتكبة وفقاً لهذا النمط لاحتجت من أجل حصرها مجلدات و ليس بضعة أسطر
فهي حدثت و ما تزال تحدث يومياً طوال سنتين و ثلاثة أشهر.
النمط الثاني: ارتكاب مجرزة في بقعة جغرافية محددة و
بشكل واسع و ذلك بواسطة التمهيد عن طريق القصف المدفعي المُكثّف يتبعه اقتحام
للمنطقة و استباحة كل ما يمكن استباحته من أرواح و أعراض و أموال, و يعتبر هذا
النمط بالنسبة لعصابة الأسد نمطاً مكرراً في فترات زمنية متباعدة نوعاً و هو ما
كان يُحدِث ردّات فعل عالمية غاضبة ما يلبث أن يتم احتواؤها و تشتيت أثرها و من
ثمّ ارتكاب مجزرة أخرى وفقاً لهذا النمط, و من أمثلة المجازر التي تمت
وفقاً لهذا النمط:
1. مجزرة دوما في ريف دمشق
بتاريخ 30/6/2012م فبعد حصارها و قصفها مدفعيا بشكل مكثف تم الاقتحام و تنفيذ
لإعدامات ميدانية فاستشهد (49) سورياً بينهم ثمانية نساء.
2. مجزرة الحولة بتاريخ
25/5/2012م: تم اقتحامها بعد قصف مدفعي مُكثّف و نُفذت إعدامات ميدانية فاستشهد
(116) سورياً, بينهم خمسين طفلاً تمّ ذبح معظمهم بالسكاكين.
3. مجزرة القبير (35 كم
غرب حماة) بتاريخ 6/6/2012م: تم اقتحامها و تنفيذ إعدامات ميدانية أدت لاستشهاد
(78) سورياً من بينهم أطفال و قد تم حرق اثني عشر منهم على الأقل.
4. من الصعب حصر جميع
المجازر التي حدثت لكثرتها و سأعدد منها مجزرة باباعمرو في حمص و داريا في ريف
دمشق و الرمل الجنوبي في مدينة اللاذقية و مجزرة أول رمضان في مدينة حماة و كرم
الزيتون في حمص و مجازر المخابز في حلب و ريفها و في ريف دمشق.
أعتقد بأنّه لا يوجد أيّ رادع لعصابة الأسد
يمنعها عن الاستمرار في ارتكاب المجازر تلو الأخرى, و ما نظنّه أحيانا قد شكّل
رادعاً إثر مجازر دموية بعينها كمجزرة بابا عمرو و الحولة و داريا نتيجة ردود
الفعل العالمية فهذا لم يكن بالنسبة لعصابة الأسد رادعاً بقدر ما كان
إنذاراً يتلقفه ليقوم على إثره بتغيير النمط المُتّبع في ارتكاب المجازر.
و بكلام أخر, فإنّ الطريقة التي تعامل فيها
العالم مع ارتكاب الأسد للمجازر لم تتعدى ردود فعلٍ آنية يخفّ صداها بمرور الأيام,
فأصبحت المجازر الدموية التي يرتكبها بشار الأسد بحق الشعب تسير في دائرةٍ مغلقة و
قد حاولت بطريقة تقريبية تبيان الطريق الذي تنتهجه ردود الأفعال بعد كلّ مجزرة في
تلك الدائرة فكانت الخطوات على الشكل التالي:
دائرة ردود الفعل المغلقة
على أنّ ردود الفعل العالمية على أي مجزرة ليس
ناتجاً عن مطالبة السوريين بالضرورة, وإنّما قد يعود لضخامة المجزرة و خاصة أنّ
منها كمجزرة الحولة و مجزرة القبير قد تمت أثناء تواجد فريق المراقبين الامميين و
كانوا شهوداً عليها مما تتطلب إظهار ردّة فعل عالمية, و عملياً فإنّ أي ردّة فعل
إن لم تساهم في منع الفعل الأساسي فإنّها ستصبح بطريقة غير مباشرة تشجيعاً لمزيد
من هذا الفعل, هذا عدا عن نجاح عصابة الأسد إعلامياً في تشتيت الرأي العام العالمي
لاحقاً أو على الأقل توزيعه بين جرائمها و بين الجيش السوري الحرْ, فأضحت ردّة فعل
خاطئة من قبِل الجيش الحر في كفّة ميزان ترجح عن كلّ جرائم عصابة الأسد في الكفة
الثانية, و بالمحصلة هذا نجاح محسوب لهم يُدلِّل على فشلنا في هذه الجزئية الهامة.
هذه الدائرة تعلّمتها جيداً عصابة الأسد فأصبح
الحرص منصباً على استمراريتها وفقاً لهذه الخطوات اللاحقة لكلّ مجزرة فهي حقيقة في
كلّها لا تقوم سوى على ردّات فعل سواء من قبِل السوريين المغتربيين المعنيين
بثورتهم أو من قبل رؤساء دول العالم, و هي حتى لا ترقى لأن نسميها ردّة فعل, فنحن
نعلم أنّ ردّة الفعل من المفترض أن يكون لها قوة في الاتجاه المعاكس للفعل بما
يؤثر عليه و يُخفّف منه, إلّا ان المجازر اللاحقة لم تتوقف إطلاقاً بل استمرت و
توسعت و أصبحت أكثر دموية.
فإن كان العالم بساهم بشكل غير مباشر في تشجيع
الأسد على ارتكاب المزيد من المجازر و ذلك بسبب ردّات الفعل المخجلة, فإننا نحن
السوريين المغتربين في أنحاء العالم نقوم بهذا الدور أيضاً, هذا عدا عن أنّ
الاكتفاء بإظهار ردات الفعل بشكل متشابه و مكرّر يجعل عدونا مستوعباً لها,
بالطريقة التي لا تعود ذات تأثير سلبي عليه.
فكما ذكرت آنفاً أنّ أي ردّة فعل لا تساهم في
تخفيف الفعل تتحول لأداة مساعدة و مشجعة على ارتكاب المزيد من الفعل.
عملياً يمكنني القول أن عصابة الأسد استطاعت
تحقيق التناقض الأعظم و ذلك جرّاء قدرتها على تحقيق مكاسب إثر قيامها بارتكاب
المجازر, في الوقت الذي لم نستطع نحن من تُرتَكبْ فينا هذه المجازر تحقيق التوصل
لألية عمل تقوم على أساس الفعل و الاستمرارية و ليس على أساس ردّ الفعل العفوي
الذي يتآكل بمرور الأيام.
فلا يمكن مواجهة الأنماط المتعددة التي تعمل
عصابة الأسد وفقاً لها بنمطٍ وحيدٍ قائم على مجرد ردّة فعل عفوية.
نهاية فإنّه من غير المهم مجرد الاكتفاء
بالإشارة إلى ضرورة تواجد أليات عمل فعالة فهذا أمر يعرفه الجميع و ربّما قد تكون
المشكلة في أنّ بعض الامور التي نقوم بها على أنّها آلية توليد أفعال قادرة على
تحقيق المكاسب على مستوى الرأي العام العالمي, لا تعدو عن كونها مجرد ردّات فعل
تأكل نفسها بمرور الأيام.
كسب الرأي العام الشعبي
العالمي
هي رسالة موجهة لكلّ سوري مغترب بأنّ تبنّي ثورة
الشعب السوري يعني القيام بأفعال حقيقية مستمرة تلتقي مع أفعال الأخرين المستمرة
كذلك و خاصة في مجال كسب الرأي العام الشعبي العالمي في كل المدن و البلدان التي
نتواجد بها فهذه إحدى أهم المسؤوليات الملقاة على عاتقنا و خاصة إذا ما علمنا أنّ
المسؤولين في دول العالم المتقدم غالباً ما يرضخون لمطالب شعوبهم و يتأثرون بالرأي
العام الشعبي, فدماء شهدائنا لا يتم حفظها عن طريق الاكتفاء بإصدار ردّات فعل تعقب
كلّ مجزرة, فهي دماء مذ روتْ تراب وطننا لم تعد دماءً مهدورة, و لكن عملنا القائم
على الأفعال هو من أجل حفظ دماء لم تُرقْ بعدْ.
إياد زريق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق