إذا جاءك
الواشي بنبأ، وسمَّاه القرآن «فاسقا»، والـ«نبأ» في
أصلها لا تستخدم إلا بشرّ، أما الخير فيسمى «الخبر»، وأراد الواشي
تزييف الكلمات، وإساءة العلاقات، ونبذ الصداقات، وتجريح المعتقدات، وتشويه الأفكار
والروايات، فكن له سائلا بواحد لا أكثر؛ لأنه إن زاد صار من نفْل الكلام وفضلته،
ودخلت معه في علم الجدال والمناوشات، وسوء الأدب والمقارصات.
اسأله بكلمات،
خفيفات ثقيلات، بابهن ركنان، متناقضان متفقان، هما أصل الحوار، واضحان وضوح الليل
والنهار، متعاقبان بلا انفصام، : هل ثبت عندك صدقُ ما سمعته أم كذبه؟ وأنتما في
ذلك على ثلاث إجابات:
الأولى:
أن يثبت عنده الأولى، وهو صدْق ما سمع، وهو حينها مطالب بالدّليل والبرهان، عملا
بقوله تعالى: «قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين»، والصدق يعوزه
البرهان، كما قالت العرب: «البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير»،
فلا يُعرف البعير إلا بالبعرة، ولا المسير إلا بالأثر.
الثانية:
أن يثبت عنده الثّانية، وهو كذب ما سمع، فأنت حينها مخيّر بين اثنتين:
الأولى: تركه
وما قال، عملا بقوله تعالى: «وإن يك كاذبا فعليه كذبه».
الثانية: أن
تجعل نفسك مكان الأولى، وهو عكس ما قال، أي أنك الصادق، وما جاءك كذب، فهما
مطالبان بالدليل والبرهان اعتمادًا على نسق الأولى.
الثالثة:
لم يثبت أيّ منهما، فتكون في دَرَجِ «لايهمني»، فعندها تصل إلى
منزلة ما قبل السماع، وكأنه لم يقل، وكأنك لم تسمع، فتابع العمل، وتدارك الأمل،
فهو زاد الحياة، ولا ترَ إلا أنّ عمرك ساعات، ولا تُدرك والأوقات، ولا يُعوَّضُ ما
فات.
د. محمد عناد
سليمان
2 / 11 /
2012م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق