منذ إنطلاق الثورة السورية ولا يزال حتى الآن، البحث عن جواب لسؤال طالما سأله الكثيرون ممن يتابع ثورة الحرية والكرامة ،الكل يسأل عن القائد والرجل صاحب الكاريزما القوية، لقيادة المعارضة في الخارج والداخل، يجتمع حوله كل الناس من جيع الأطياف والأعراق والأديان، ليمثل الثورة السورية، وتجتمع كلمة الفصائل كلها عنده، ويكون المتحدث بقوة بأسم الثورة والشعب والثوار.مرات عديدة سؤلت هذا السؤال في القنوات الفضائية والمقابلات الصحفية واللقاءات الخاصة والعامة ،في تركيا يقولون هل لديكم أردوغان؟، وفي ليبيا يقولون أنتم بحاجة للشيخ مصطفى عبدالجليل حتى يمكن للثورة السورية الخروج من عنق الزجاجة.
بعد مرور أكثر من عشرين
شهرا، من البحث والتجاذب والتدافع ،لشعب ظل قرون عديدة، منطويا على نفسه منكفئاً
على ذاته محروما من التفكير بصوت عالي، ووجد نفسه يهدم حاجز الخوف فجأة ،وينطلق
للتعبير عن الذات، ويريد أثبات وجوده وإنتمائه، مما دفع لسلبية التزاحم على
الواجهة والمقدمة، والانحراف لل-أنا- المرضية، كل هذه العوامل في شعب عرف على مدى
تاريخه نجاحه بالعمل الفردي وعدم قدرته
على نقل هذا النجاح للعمل الجماعي ،جعل بروز قيادة تفرض وجودها وقبولها على هذه
المكونات السورية ليس بالأمر السهل اليسير.
سيطرة العقلية الديكتاتوية
والتشبث بكرسي الرئاسة التي لم تكن محصورة
على الزعامات العربية ،بل إنتقال عدوى هذا
المرض لأغلب-إن لم نقل لكل- الأحزاب المعارضة اليسارية منها واليمينية،ولم تسلم من
ذلك حتى الجماعات الأسلامية والنقابات والجمعيات والهيئات ، وعدم افساح المجال
لبروز كفاءات وطاقات جديدة، جعلت من ظهور قيادات شابة قوية أمراً شبه مستحيلاً، وهذا ما تعانيه الثورة
السورية منه اليوم وتفتقد لهذه القيادات بسبب قصر النظر والخوف على المقعد في
العقود الماضية.
تبعثر الصف الإسلامي، رغم قوته وإمتلاكه لكفاءات
وقدرات علمية ومادية وتأييد كبير من الشعب والثوار، وعدم التواصل والاتفاق على
خارطة للطريق من التنسيق والعمل الجماعي،حالة التنافس على جذب الولاءات والعمل على
توطيد المكاسب الحزبية الجماعية الفئوية على حساب المصلحة العامة، وإحجام بعض
الجماعات الإسلامية من تصدر القيادة والأكتفاء بالمواقع المتأخرة ،وعزوف بعضها عن
العمل السياسي والحزبي مواضيع يطول الكلام فيها، لكن هذه الحالة جعلت الثورة السورية
محرومة من القيادة الحقة المنبثقة من أبناء هذه الثورة التي يغلب عليها الطابع
الاسلامي رغم شعبيتها ومشاركة كافة الأطراف والأديان والأعراق بها.
بروز الشيخ مصطفى
عبدالجليل وقيادته للثورة الليبية بكل جدارة ونجاح، وأستطاعته جمع الكلمة حوله رغم
القرارات الصعبة التي تحتاج لمواقف قوية وجريئة،جعل كل السوريين وكل العالم يطالب
الثورة السورية بشخصية مثيلة بعبدالجليل،لكي يقود المعارضة السورية في مراحلها
الحرجة هذه.
ظهور اسم الشيخ معاذ الخطيب فجأة وبدون مقدمات ليكون على رأس الهرم للمعارضة
السورية في أصعب مراحلها، جعل كثير من المتابعين والمراقبين يترددون في حكمهم
وتأييدهم أو أحتجاجهم على هذا الاسم الجديد.
فهل يتاح للشيخ معاذ أم
ينحو مثل الشيخ عبدالجليل ؟وهل يستطيع أن يقود المرحلة الراهنة ويوصل السفينة لبر
الأمان كما فعل أخاه الشيخ مصطفى من قبله؟
السمعة الجيدة والتاريخ
النظيف والسمة الاسلامية الغير محسوبة على أي جماعة أو فئة أو توجه والقرب من كل
المكونات الاسلامية منها و الوطنية ، والشخصية الشعبية التي تمتاز بالتواضع
والبساطة والتحدث بلغة الشعب بدون تكلف ومجاملة،والتأكيد على الثوابت والمنطلقات
الدينية التي تبعث الأمل والعزة في نفوس كل السامعين،والجرأة بقول مايجول بالنفس
بدون أي مواربة وبصريح العبارة، التحكم بلغة الخطابة مع الشهادة العلمية بجانب الثقافة الشرعية الدينية كلها صفات مشتركة بين
الشيخين القائدين. وكلها صفات مطلوبة ومرغوبة ويجب أن يتحلى بها كل من يريد أن يتصدر
الموقف في هذا الزمن.
الخبرة في العمل السياسي
والعمل الحكومي أكثر ما يفتقره الشيخ معاذ وهو يقود اليوم معارضة سورية ليست كباقي
المعارضات في دولة تتنازع عليها القوى العالمية وتتصارع عليها كل قوى الغرب
والشرق.كل هذه السلبيات تجعل طريق الشيخ معاذ مليئأ بالمطبات والمنعطفات الخطيرة
والتي قد تكون مؤلمة وقاصمة للثورة السورية.
التجاذبات الحزبية التي
تحيط بالشيخ معاذ، والتزاحم للصدارة، وكثرة من يريد تسلق الثورة وكسب موطئ
قدم من الآن، واستعداد هذه الشخصيات من
التلون السريع مع صاحب القوة، والعمل لكسب الولاءات وعسكرة الثورة، التعصب الجماعي
والشيخي والمناطقي،الأقليات وأستعجالها ومطالباتها بامتيازات خاصة في هذه المرحلة
الحرجة من مقارعة النظام ، كلها مخاطر على الثورة السورية وعقبات وعوائق تنتظر
من الشيخ المهندس أن يقوم بهندستها
ومداراتها بحكمة ودراية وصبر وشجاعة وجرأة.
مصطفى عبدالجليل كسب
الجولة و حقق الأنتصار الذي يحلم به السوريون اليوم، واستطاع تسليم الأمانة كما وعد ،ويذكره كل الليبيون
اليوم بالشكر والعرفان.فهل يستطيع شيخنا أن يحقق هذا النجاح وهل نستطيع نحن
السوريون أيضا أن نكون مساندين داعمين لا معرقلين معاندين؟
هذا ما سنراه في الأيام القليلة
القادمة.....
د.مصطفى الحاج حامد
طبيب وكاتب
drmh2009@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق