ليس وهما ولا افتراضا، لكنه واقع بدأ يختمر؛ فيبدو
أن الوضع السوري المتعلّق المعارضة السورية بدأ يدخل، منطقيا وواقعيا وتاريخيا، في
مرحلة جديدة, فهناك إرهاصات التجمع والتآزر واضحة، على الرغم مما يقال من صراع
وقتال، وعلى الرغم من احتدام خلافات هنا
وهناك، ولدى هذا التيار أو ذاك، وفوق كل ما يتراكم من فوضى المؤتمرات واللقاءات ومطالب الجهات
الداعمة؛ فالمعقول في النهاية، أقوى من العبث، وسيصبّ نقيق الضجيج في مجرى، يقوى على التشظّي والميوعة والثرثرة.
أما الذين يصرون على الخلاف والانتفاع لأهداف لا تخدم الوطن وقضاياه، وتعرقل مسير
الثورة نحو إسقاط النظام؛ فسوف يتعداهم قطار التغيير الذي يدوس بقوة على مساره.
بالطبع
لن تكتمل صورة عمل المعارضة وائتلافها بهذه السرعة، بل نحتاج إلى أشهر قليلة؛ لكي يتحقق
مشروع توحّدها ويكتمل عملها الشكلي،
استعدادا لكي تنجز في الربيع مهمتها السياسية في تمثيل الثورة ودعمها، وذلك متعلق
بتطور الحراك الثوري داخل سوريا، وتطورات
المواقف الغربية، وبالتحديد أمريكا، في وجهتها نحو الحسم والحزم.
وعلى غير مما يتوقع كثيرون؛ فإن المعارضة ستتوافق
قريبا على خطة عمل مشتركة متبلورة وتحت مظلة سياسية واحدة، وسيدعم "أصدقاء سوريا" مجبورين ومضطرين كيان
المعارضة الجديدة، وعلى رأسهم أمريكا
الديمقراطية أو الجمهوريّة. فلا مفر أمام أمريكا بعد تطورات ثورة الشعب السوري
ومفاعيلها محليا وعربيا، من أن تساعد وتدعم المعارضة، لكي تكسب اللحظة؛ فتمسح بما
ستدّعيه من إنسانية وعون، في ذهن المنطقة العربية صورة الأوساخ اللاصقة بها، وتكسب
ود الشعوب خصوصا بعد مواقفها في العراق ثم مع الشعب السوري الذي أعلن حقده عليها بسبب
تواطئها مع إرهاب نظام الأسد الإجرامي .
أمريكا بعد أن أيقنت أن سوريا احترقت
وتدمرت، ستتحرك، كعادتها في التضليل
والاستغلال في عملية استيعاب للشعب السوري من خلال تأمين إنقاذه وإغاثته وكسب وده، ودعم تسليح الثورة. ليس حبا بالشعب السوري الذي سيخط وقتها
تأريخ اندلاع ثورته بتاريخ سنتين من
الدمار والحرب أمام صمت أمريكا والعالم وتواطئهما؛ لكن، تأمينا لمصالحها ومكاسبها
ودرءا للمخاطر والمخاوف المحتملة، ولكي لا تتسع مساحة الفوضى؛ فتخلق بؤر صراع تهدد أمن قاعدتها
العسكرية الاستعمارية إسرائيل، خصوصا أن النظام الذي ينهار مستعد، لكي يحمي نفسه
من الاتهيار أن يستعمل كل الأسلحة بما فيها توجيه مقاتلين للأطراف المجاورة لسوريا،
وعلى رأسها الكيان الإسرائيلي في حرب الممانعة والمقاومة.
أمريكا، تحاول أن تلعب في المنطقة سياسيا،
قدر المستطاع، ولذلك خرجت من العراق تحت
ضغط المقاومة وحسابات خسائرها، وهي لا تريد أن تخوض حروبا في المنطقة إلا إذا أصبحت
مضطرة، لا خيار آخر أمامها، ولذلك فلعلّ الأصلح
لها في سوريا أن تلجأ إلى العمل السياسي بدعم المعارضة المسلحة وتقوية نفوذها لإسقاط نظام
الأسد وإشراكها في المعارضة الساسية، بخاصّة أن تطور الأحداث في سوريا، أصبح مربكا
لها، يهدد أمن مصالحها في المنطقة. ولم
يعد أمامها من خيار بعد أن منحت النظام وحلفاءه الوقت الطويل لإعادة الحسابات
وترتيب الأوراق، إلا أن تتخلص من النظام السوري، وتواجه حلفاءه وأن تكسب الشعب
السوري والشعوب العربية دفاعا عن مصالحها الأوسع من سوريا.
إته خطر كبير ما قد تؤدي إليه التطورات التي في سوريا من خللخة
الوضع في تركيا ولبنان والأردن والعراق وفي
الكيان الصهيوني، مما يضع أمريكا في إرباك استراتيجي وفي تهديد حقيقي. وقد تتحول
سوريا إلى أرض جهاديةـ ليس فقط لإسقاط
نظام الأسد بل لمحاربة إسرائيل. وبالطبع ليس هذا من مصلحة امريكا، وليس من صلحتها،
أيضا، أن تترك الشعب السوري ينتصر وحده، لأنه سيكون شعبا ثوريا يملي على الأرض
مواقفه وقرراته. لذلك ستدعم المعارضة بشقيها العسكري والسياسي، لتكسب سياسيا في
المنطقة وتطوق نظام الأسد، فلا تتسع الفوضى بما يؤذيها ويؤذي حلفاءها؛ فالمهم لها ألا
تخرج الثورة بمنطق جهادي يهدد بمستقبل مصالحها وهيمنتها.
الغرب السياسي لابد أن يرى أن التغيير قادم
على كل الدول العربية؛ وبهذه الخطوة الاستباقية، وإن تاخرت كثيرا، سيعمل على تجميل
مواقفه وصورته، لكي يحظى بشيء من الاحترام ويخفّض مستوى العداء، بالإضافة إلى انّ هناك الصين وروسيا، وموقف امريكا من سوريا
هو جزء من موقفها الاستراتيجي من روسيا والصين...
المعارضة
ستتجذر، وعليها أن تتجذر بشكل سليم
وأصيل، وغير بعيد. ولا بد لها من رؤية متماسكة لتراوح بين الوطني والدولي.
بين المختلف والمتشابه، ولتكتسب ثقة الثورة، واعتراف العالم في توافق حقيقي. ليس هناك حتى الآن إطار جامع للثورة والمعارضة.
لا المبادرة ولا المجلس ولا ولا....لكنّ مطالب الثورة الملحة، وكفاحها البطولي،
توازيها ضرورات دوليّة وسط الخوف من اتساع مخاطر إجرام النظام ستصعّد الوضع تجاه
إيجاد شيء موحّد ليس ببعيد يحظى بالشرعية والقبول.
د. سماح هدايا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق