بسم
الله الرحمن الرحيم
منذ ستة أشهر، قامت وزيرة
الخارجية الأميركية (هيلاري كلينتون)، بنشاطٍ محموم، لتأليب الدول التي أعلنت عن
دعمها للثورة السورية وعن نيّتها تسليح الجيش السوريّ الحرّ، ونجحت -كلينتون- في
هذه المهمة غير الأخلاقية إلى حدٍ بعيد، لتفتح صفحةً من صفحات النفاق الأميركيّ
والغربيّ، الذي لا يختلف في حصيلته ونتائجه عن حصيلة الدعم الإيرانيّ والروسيّ
والصينيّ لعصابات بشار أسد وشبّيحته. وهو الأمر الذي برهن على أنّ حدود التعامل
الأميركيّ والغربيّ مع الثورة السورية، لا يتعدّى الهرطقةَ الإعلامية، ومعسولَ
الكلام، من غير أي انعكاسٍ عمليٍّ على الأرض، ينسجم مع المعايير الأخلاقية
الإنسانية الحضارية وشرعة حقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين، وذلك كله،
لإطالة أمد عمليات الإبادة التي يتعرّض لها شعبنا السوريّ الثائر على الظلم
والطغيان.
لم نُفاجَأ كثيراً، عندما شاهدنا -منذ يومين- هيلاري كلينتون، وهي تطرق
مسامع العالَم، بالموقف الأميركيّ الحقيقيّ من: الثورة السورية، والشعب السوريّ
بقواه السياسية والثورية، وهو موقف أقرب إلى الهلوسة، منه إلى المنطق أو المروءة
التي تفتقدها أميركة المثقلة بسجلّها الإجراميّ بحق الشعوب المضطهَدَة، لاسيما
شعوبنا العربية والإسلامية.
عندما دخلت الثورة السورية في طور الحسم مؤخّراً.. بدأت تظهر القفازات
الأميركية المنتفخة بالأصابع الصهيونية، للتدخّل السافر السلبيّ في شؤون السوريين
وثورتهم، ولترتيب الأوضاع السورية بما يحقق المصالح الصهيونية والغربية، بأدواتٍ
بعيدةٍ عن تطلّعات الشعب السوريّ للانعتاق من الطغيان والاستبداد.
إنّ الموقف الأميركيّ -الصادم- من المجلس الوطنيّ السوريّ، الذي أعلنته
مؤخراً كلينتون، يختصر كثيراً من الوقت، لفهم النفاق الأميركيّ، الذي كانت تزعم به
أميركةُ دعمَهَا لهذا المجلس الوطنيّ، الذي يضم تحت خيمته معظمَ شرائح المعارضة
السورية والمجتمع السوريّ والحراك الثوريّ.
لقد فاجأتنا وزيرة الخارجية الأميركية باكتشافاتها (العظيمة)، بأنّ بعض
أعضاء المجلس الوطني يقيمون خارج سورية منذ عشرين أو ثلاثين أو أربعين سنة!..
فعندما كانت أميركة (تبصم) مع ما تسمى بدول أصدقاء الشعب السوريّ، على أنّ المجلس
الوطنيّ السوريّ هو الممثل الشرعيّ للثورة السورية.. لم تكن أميركة -بكل جواسيسها
ومجسّاتها المتقدّمة- تعلم ذلك!..
كما فاجأتنا كلينتون، باكتشافاتها المذهلة، وما أكثر اكتشافات كلينتون، بأنّ
الثورة السورية ستُختَطَف من قِبَلِ المتطرّفين!.. والتطرّف -في الرؤية الأميركية-
له معانٍ.. ومعانٍ، لا توجد إلا في ثنايا ثقافتها وحقيقة متانة علاقتها بالعدوّ
الصهيونيّ!.. مع أنّ كلينتون هذه، لم تكتشف -حتى الآن- وجودَ الحرس الثوريّ
الإيرانيّ على الأرض السورية، ولا عصابات حزب خامنئي اللبنانيّ، ولا شبّيحة بشار
أسد الطائفيّين، الذين يذبحون الأطفال بالسكاكين، وينتهكون كل الحقوق الإنسانية،
ويعتدون على أبسط القِيَم البشرية وحقوق المرأة السورية.. تقرّباً إلى مَهديّهم الخرافيّ
المنتَظَر، القابع في سرداب سامرّاء العراقية منذ مئات السنين!.. فالمشكلة -بالرؤية
الأميركية العوجاء- هي في الثوار الذين يدافعون بأكفِّهم وأجسادهم وصدورهم، عن
أعراضهم ودمائم وأرزاقهم، وليس في عصابات خامنئي وحسن نصر الفرس وبوتين وبشار
أسد!.. المشكلة -بالمنطق الأميركيّ- هي في صرخات المعذَّبين واستجاراتهم، وليس في
التواطؤ الأميركيّ والدوليّ لمنح بشار أسد المهلة تلو المهلة، للإمعان في ارتكاب
كل مُحرَّمٍ بحق السوريين ووطنهم وزَرعهم وضَرعهم!..
لعلّ أخطر ما في هلوسات هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، هي
إشارتها الواضحة، بلا ديكوراتٍ ولا رتوش، بأنّ أميركة أوصت بحضور أشخاصٍ سوريين بعينهم،
مؤتمر هيئة المبادرة الوطنية السورية القادم!.. إذ لعلّنا -هذه المرة- نحن الذين سنكتشف، بالأسماء
والصوت والصورة، مَن هم الذين ستوكِل إليهم أميركة، مهام تنفيذ مخططاتها على الأرض
السورية، ولعل أبرز هذه المخططات هي: الالتفاف على المجلس الوطنيّ السوريّ وتهميشه،
هذا المجلس الذي أحبط حتى الآن، كلَّ المؤامرات السياسية الأميركية والغربية
والإيرانية والروسية والبشارية.. ثم الانقضاض على الثورة السورية، لاختطافها
والعبث ببوصلتها وأهدافها في تحقيق الحرية والكرامة للسوريين!..
لقد علّمت الثورةُ السوريةُ البشريةَ كلها، بأنها -على الرغم من التحالف
المجوسيّ الصفويّ الروسيّ الصينيّ، والتواطؤ الغربيّ الأميركيّ، والتآمر
الإسرائيليّ الصهيونيّ-.. ماضية إلى تحقيق كل أهدافها وغاياتها في الحرية والكرامة
للإنسان السوريّ، لأنها لا تعتمد في صمودها وصبرها ومصابرتها وسَيرها، إلا على الله
الواحد القهّار الناصر الجبّار، الذي يملك الأمر كله من قبل ومن بعد: (أَمْ
حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ
خَلَوْا مِنْ قبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا
حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا
إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214).
أيها السوريون:
احذروا الأبالسة، حتى لو تدثّروا بحكايات الملائكة.
2 من تشرين
الثاني 2012م
*
* *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق