بعد فشل روسيا وايران والصين في القضاء على الثورة بقوة
السلاح يأتي دور كلينتون لتمارس الوصاية على
الثورة ومكوناتها. وهي بذات الوقت تمنع بلادها من تسليح الثوار بالأسلحة النوعية.
فبعد كلام لافروف امس ان الازمة في سوريا لن تحل اذا استمر
الغرب في المطالبة برحيل الأسد، محاولا في تصريحه ايهامنا.. وكأن العالم هو من يطالب
برحيله!... والناس المنتفضة في شوارع سوريا فعلا تحتفل بالمطر!.
يأتي كلام كلينتون والغرب مؤخرا ليفصح عن وجود عناصر متطرفة
- بعد يأسهم من قدرة كلب حراستهم على قمع المنتفضين في وجهه!- .
ولتعلن عن نيتها
تشكيل مجلس جديد يتم من خلاله تجميع وتأطير المعارضة السورية في الخارج بغية تشكيل
حكومة انتقالية لكن هذه المرة بجهود أمريكية.
وربما نسيت في
هذه اللحظة أن أمريكا هي أحد أكبر المشاركين في الدماء السورية، وهي أول من وهب
الشرعية للنظام السابق وتحاول أن تضع النظام القادم وتضفي عليه شرعيتها.
وربما تكون هذه المبادرة هي الفرصة الأخيرة الممنوحة
للمعارضة العلمانية كي تستطيع استلاب شرعية ما؛ تمثل فيها المعارضة بغية تمرير
المبادرة الجديدة التي تسوقها روسيا عبر اتفاق جنيف ، حتى يستسلم الشعب السوري ويقبل بما يفرض عليه من حكومات وسياسات وحلول .
ومن الوارد والمحتمل أن تنجح أمريكا في فرض هيئة سياسية بديلة
للمجلس الوطني؛ لكن دون ضمانات لاحقة ، أي بمعنى آخر مراوغة تقتصر على الإيحاء فقط ..
و من الوارد أيضا أن تعمل أمريكا _ كعادتها _ على التلميع
الإعلامي للمجلس الجديد والحكومة المنبثقة عنه وتحجب الدعم الحقيقي لها لإفشالها؛ و
تتذرع بعد ذلك بأن المعارضة السورية غير ناضجة لقيادة الثورة ، والعمل في الوقت ذاته على خنق الثورة ، ومحاولة إضعاف
مقومات صمودها .
ومن ثم تعمل وبالتناغم مع المجتمعين العربي والدولي على
فرض حلول وسطية جاهزة تحافظ من خلالها على تركيبة النظام ، وتضمن بذلك مصلحتها ومصلحة
حلفائها وخاصة مصلحة اسرائيل، و ترضي ولو شكليا روسيا والصين وايران.
وتبني امريكا استراتيجيتها الجديدة على نجاحها في افشال
المجلس الوطني الحالي في تحقيق ابسط مطالب الثورة بعد أن تكالبت عليه عوامل الفشل
، فالجميع يعلم بحظر التسليح النوعي المفروض على الثوار الذي يعتبر فشلا يسجل على
المجلس خاصة في اقناع الغرب و امريكا بذلك .
أيضا الفشل في تأمين
توحيد و تنظيم الجهد الاغاثي و منع السرقات ، و الفشل في انجاز اعادة هيكلة المجلس
واستيعاب الطاقات السورية المنشقة حديثا وذات التأثير السياسي على الداخل والخارج
.
والأهم فشله في استصدار قرار دولي ملزم ومنع الصين
وروسيا من استخدام الفيتو .
و فشله أخيرا في استيعاب الطاقات العسكرية المنشقة
وتسخيرها في دعم كتائب الجيش الحر ، والعمل على توحيد صفوفه واستيعاب قياداته ، وفشله
في استيعاب الوجوه ذات القبول العام عند العامة والتي تحظى بالمصداقية والجماهيرية
والدعم الحقيقي عند المسلمين .
مجموع مظاهر الفشل
هذه سواء أكانت بفعل القوى الداعمة ، أم بسبب ضعف الأداء العام للمجلس خلال السنة
الماضية ، أم بسبب وجود عناصر مخترقة من عصابات الاسد والتي عملت جاهدة على تعطيل
أي مظهر ايجابي له ، كل ذلك أدى الى ظهور فوضى عسكرية و اغاثية على الأرض و بالتالي
تسريب بعض العناصر المتطرفة و تضخيم دورها لجعلها سببا في خنق الثورة سياسيا.
هذه الطبخة الأمريكية التي تطبخ على النار السورية ، هي من
جهة إثبات فشل اللحظة الأخيرة قبل الذهاب الى مجلس الأمن والاصطدام بالفيتو
المزدوج، و من جهة أخرى إثبات للعجز
الدولي عن مساعدة المجتمع السوري في تحقيق طموحه في الحرية.
هذا الفشل دفع ببعض أطراف المعارضة للانضواء تحت تشكيل
المجلس الجديد من الذين قبلوا بقانون لعبة الإدارة الأمريكية.
والذي سوف تشكل له "هيئة قيادية جديدة تحلّ محلّ المجلس
الوطني السوري، الذي يُعدّ على نطاق واسع إطارًا غير فاعل، تستهلكه الصراعات الداخلية
من غير تأييد يُذكر على الأرض".
هذه القيادة المؤلفة من دبلوماسيين وسياسيين منشقين عن
الدولة وعن المجلس الوطني و قادة ميدانيين وممثلين عن المجالس التي شكلتها المعارضة
المسلحة لإدارة المناطق الواقعة تحت سيطرتها والتي التقى بعضها مؤخرا بوزيرة الخارجية
هيلاري كلينتون في نيويورك بعيدا عن وسائل الإعلام.
الغاية الحقيقية من هذه الخطوة هي احتواء انتقادات رومني
للرئيس باراك اوباما تجاه سوريا خلال المناظرة الثالثة والأخيرة، "قائلا انها
أخفقت في تصدر العمل على تمهيد الأرض لمرحلة ما بعد الأسد، ودعا الى بديل يقود هذا
التحرك".
بعد أن بلغ الاحباط المتبادل مبلغه من قبل كل من المجلس الوطني تجاه ادارة اوباما
التي يتهمونها "بمحاولة إضعاف المجلس
بصورة منهجية. وهذا أمر مؤسف جدا". ومن قبل المسؤولين الاميركيين الذين يقولون "انه
أخفق في نيل تأييد واسع، وخاصة بين الأقلية العلوية والأقلية الكردية".
أيضا الدافع الأقوى لهذه الطبخة ورد على لسان المسؤول الاميركي
أن "هناك وجود متزايد للمتطرفين الاسلاميين،
لذا علينا ان نساعد قادة المجالس العسكرية الذين غالبيتهم علمانيون ومعتدلون نسبيًا،
ولا ينفذون اجندة تتسم بالغلو".
ولكن ادارة اوباما ما زالت تمتنع عن تسليح الجيش السوري الحر
بصورة مباشرة، وتستبعد زجّ القوات الاميركية رغم رهان العديد من رموز المعارضة على
تغير هذا الموقف بعد الانتخابات.
و كما قالت كلنتون. "لا أعتقد ان تغييرًا كبيرًا سيحدث
بعد الانتخابات".
و بالنتيجة نحن نقول أن لا أحد من الخارج يستطيع أن يقرّر
للشعب السوري من يشكل له مجلسه و حكومته إلاّ الشعب السوري نفسه، لأن الله عز وجل
قال : (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الجاثية:18[.
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق