إن الثورة
ليست مجرد ثورة أو فورة ، تفور كما يفور
الماء المغلي ثم يبرد .. بل هي حياة .. حياة أفراد ، وحياة مجتمع ، وحياة
الإنسانية .. فما بالك بالثورة السورية والتي هي ثورة العالم الحر كله ضد الظلم
والطغيان والاستبداد ، إنها حياة شعب بأكمله ، وحياة أمة إسلامية بأكملها .. ولهذا
حاجتها إلى فقه الحركة والواقع مهما جدا .. وخاصة في ظل هذه التحديات الداخلية
والخارجية .. فالعالم أجمع يحاول هزيمة الثورة بشق صفوفها والنفاذ إلى داخلها ،
واستثمار حالات الخلاف والقلق المنهجي بين الثوار في الداخل والخارج ..
إن فقه الحركة
هو أساس النظام السياسي في الإسلام ، المنطلق من قلب الحدث لضبط كافة المواقف
والحالات والتحركات للدعوة ولبناء المجتمع ومراعاة أحوال المدعوين ، وكيفية
التعامل مع القوى المعادية للإسلام والمسلمين ..
وفقه
الحركة هو الذي ينطلق من الإسلام إلى البناء ، وليس من البناء إلى الإسلام ..
والثورة ـ بقدر من الله ـ أصَّلت لهذا
المبدأ فانطلقت رافعة شعار الله اكبر ، من المساجد لتبني الإنسان الحر الكريم
الصالح .. انتفضت فطرة الشعب فانطلق من الإسلام بتصوراته الشمولية والتكاملية
والايجابية لتنفخ في الإنسان روحا جديدة .. ولم تنطلق من أي مكان لتبني الإنسان
كيفما شاء ثم تأتي لتحليه بنكهة إسلامية .. وجوهر الإنسان وأساسه بعيد كل البعد عن
الإسلام !!!
لقد
أخذ الائتلاف الوطني مشروعية وجوده من الثورة التي انطلقت من المساجد لا البارات ،
وانطلقت ترفع السبابة للسماء صادحة " يا الله مالنا غيرك يا الله " ، ولم تنطلق لترتمي في أحضان الغرب أو الشرق
الذي يكفر بالله ، وعلى هذا فالائتلاف ملتزم بالإطار الذي صاغته وضبطته الثورة ،
ضمن خصائص ومقومات التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة .
وقد يعترض البعض
على جملة " خصائص ومقومات التصور الإسلامي " حيث أن مسمى الائتلاف (
الائتلاف الوطني ) وليس ( الائتلاف الإسلامي) !!
وهذا اعتراض
ناتج عن قصر النظر وضيق الأفق والعيش في ذهنية الانغلاق الفكري، إذ ليس هناك
اختلاف بين الوطنية والتصور الإسلامي ، فالوطنية الحقيقية لا توجد ولا تترعرع ولا
تنمو إلا في ظل الإسلام .. فالإسلام هو الذي يحفظ للوطنية حقوقها ومبادئها ولا
يوجد دين أو مذهب حفظ الوطنية وحماها من غدر الداخل وعداوة الخارج على مدار التاريخ مثل الإسلام ..
ومن سمات الإطار الذي صاغته
وضبطته الثورة :
= الثورة السورية ثورة شمولية لا تعرف المساومة أو
التجزئة ولا تفهم لغة التسويات ، لأنها تحمل في طياتها البديل الصحيح للإنسان
والحياة والكون والأفكار والتصورات ..
= الثورة السورية ثورة تغييريه : ولذا لا تعرف لغة
التصالح أو أنصاف الحلول مع النظام الوحشي أو التعايش مع مؤسساته المدمرة لكل
لبنات المجتمع .
= الثورة السورية ثورة عقائدية : خرجت من المساجد ومن
الخنادق ولم تخرج من البارات أو الفنادق تحمل إلى الناس الحرية والعدالة والنور
والحق .
= الثورة السورية ثورة متميزة : وقف العالم كله ضدها
فليس هناك فرق بين روسيا وأمريكا ، وبين إيران وأوربا ، فالجميع وقف مع النظام
الوحشي الهمجي ومع هذا لم تعرف الثورة لغة التذلل أو التوسل أو التهجين مع أي فكر
غربي أو شرقي .
= الثورة السورية ثورة ايجابية : لكافة أفراد الشعب
فلا مجال للانتقام أو العشوائية في القتل بل القصاص العادل ، ولا مجال للانغلاق في
ذهنية الأبيض والأسود أو ذهنية التهوين والانفلات أو ذهنية التعصب والغلو .
والمطلوب من
الائتلاف الوطني عدم الخروج عن هذا الإطار ، وأي اختلاف
بين أعضائه لا بد أن يكون ضمن هذا الإطار فقط .
إن قوة موقف
الائتلاف الوطني ليست اقل من قوة الولايات المتحدة ، وإن رسالته ليست أقل من رسالة
الأمم المتحدة الوضعية ، { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ
إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ( آل عمران : 139) ، فالرؤوس التي رفعها الإسلام تأبى أن تخضع لغير الإسلام
.. وأن الأرواح التي دب الإسلام فيها الحياة من جديد ترفض أي ضغوطات للتنازل عن الإسلام
، وعن قيم الإسلام ، وعن أخلاق الإسلام ، وعن تصورات الإسلام ، وعن منهجية الإسلام
.. مهما كانت الدوافع والإغراءات والضغوطات والمبررات .
إن موقف
الائتلاف الوطني قوي جدا بحيث يجعل دول العالم تأتي إليه ليرضخ لشروطه ومطالبه
ويتعرف من جديد على هذه الثورة المباركة التي استطاعت بعون من الله وحده وهي عزلاء
من أي سند مادي أرضي ، وهي عزلاء من أي دعم عسكري ، وهي عزلاء من أي عون إنساني ، أن
ترغم انف النظام الوحشي وهو آيل للسقوط قريبا والنصر أقرب مما نتصوره .
وهذا
الاستعلاء الحضاري والفكري والقيمي هو الذي يبني سوريا من جديد
بعد سقوط النظام الوحشي بعون من الله وحده دون أن تتوسل سندا من هنا أو دعما من
هناك ..
إن ضبط هذا
الفقه الحركي والحسم السريع في هذا الموقف الاستعلائي لا يجعل هناك مجال لتمييع
الثورة ، وتفتيت إرادتها ، وأي تمييع أو تنازل
أو تهجين لمبادئ الثورة خارج إطار التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة
هو وأد للثورة .. والقضاء عليها .. وانتصار للطغيان الداخلي ( النظام الوحشي )
والطغيان الخارجي ( الدول الغربية) وقضاء على إنسانية الإنسان .
والله أكبر
والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق