من أكبر
مصائب الناس، أن بعضهم لا يجيد ترتيب أوراقه حسب الأولويات، خصوصاً في أيام
الأزمات، وفي هذا دلالة على خطر لابد أن يتلافى، ومن تراكم المصاب أن يهمل.
فمن
اشتغل بترتيب نفسه، وبرمج خططه على قواعد الرشد، ومنها ما ذكرنا آنفاً، سوف
يختصر المسافات، ويحقق الأمنيات، ويسير على درب الهدى في الملمات، ومن فعل غير ذلك
تعثر في الطريق، ومشى في غير سكة الوصول، وانقلب على نفسه بالإرجاع إبطالاً، وهذا
خلل فالعاقل، لا ينحر نفسه، ولا يطول مساره، ولا يدخل في اللف والدوران، فهذا
مذموم في السياسة والاجتماع، ووصفه في البرامج والخطط أنكى وأعظم.
في حالات
الحروب، وفي بعض صور حالات الطواريء- غير المسيسة بالاستبداد-
تحكم
قوانين بعض الدول، على من شغل الناس بالمهم على حساب الأهم، بالخيانة العظمى،
لأنهم يعتبرونه شريكاً في الجريمة التي وقعت على البلد من العدو، لأن فعله كان يصب
في صالح العدو، تصرفه هذا صرف الناس عن العدو، فصار قرة عينه، بل لو بذل العدو
مالاً كثيراً ليصل إلى الذي أوصله له من فعل ما فعل، من شغل الناس عن الأهم ، لم
يكن بعيداً عن الصواب.
ذلك أن
الغفلة عن العدو، خصوصاً في سوح الوغى، وجبهات القتال، لها صور متعددة، وأشكال
متنوعة، وحالات متفرقة، وهذا يذكرنا بحال الخوارج، الذين كانوا يتركون ساحة العمل
في بعض الأحيان، إلى مساحة الجدل، ومنازلات المناظرة، ولو كانت السكين على الرقبة،
لأنهم قوم أوتوا الجدل( وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً). وهنا يكمن الخلل، من خلال
البرمجة الذهنية، في تشكيل العقل، لدى هذا الصنف من الناس، الذين سرقت عقولهم، من
نافذة الفهوم، ومن باب الوعي والإدراك.( يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم).
كم من
مقالات تكتب، ويكون فيها الأخذ والرد، وصرف الجهد، وبذل الوقت؟؟ وهي في قضية، لا
أقول ليست ذات بال، لأنها في كثير منها، ينطبق وصف الجد عليها، ولكن ليس وقتها
الآن، ولو استفرغنا هذا الجهد، في قضية من قضايا الساعة، لكان التكامل، ولوقعت
ايجابيات كثيرة، بينما ذلك الجهد، ذهب هباء، إن لم يكن صب في خانة الضر.
ووضع
الندى في موضع السيف بالعلا مضر
كوضع السيف في موضع الندى
الجدل
البيزنطي، يحتمل في حال السعة والفراغ، وخلط الأوراق في وضع طبيعي بكل مقاييس
الكلمة، يحمل فاعله على الخبث، وربما على وصف الغباء، أما في وضع الشدة- كالوضع في
سورية الشام الحبيبة- فلا التماس، ولا تلمس، فالأمر لا يحتمل، لأن الدماء تراق،
والعمل على إيقاف نزفها، فرض الوقت، ومعالجة الجريح، واجب الساعة، وسد الرمق راتب
اليوم، وتأمين السلاح، لدفع الضر، وحماية العرض، ورد الظالم، من لوازم فقه المرحلة،
فاعتبروا يا أولي الألباب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق