الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-07-02

اقرأ وربك الأكرم – بقلم: خالص جلبي.

إنه عنوان كتاب لجودت سعيد اتخذ من الاية القرآنية عنوانا لكتابه. وعلمنا التاريخ أن مكانة الأمم من القراءة. ولكن متى اختفت الأمة من مسرح التاريخ؟ يخبرنا ابن خلدون في مقدمته أنه اكتشف العديد من قوانين حركة المجتمع مثل تحديد عمر الدول بثلاث أجيال ومثل عرض حوادث المجتمع وفق ست قوانين من الإمكانيات مثل العادة وقوانين السياسة والحال في الاجتماع الإنساني ومقارنة النظائر..

وهكذا فلا يمكن فهم أي حادثة معلقة في الفراغ، بل من خلال علاقة جدلية بين السبب والنتيجة؛ فلا يمكن فهم ما حدث في البوسنة بدون الاجتياح العثماني للبلقان في القرن الرابع عشر الميلادي، ولايمكن فهم عقدة الصرب بدون معركة (أمسل فيلد - AMSELFELD) التي حدثت في عام 1389 م، بل وحتى من قبل وكيف تصدعت الكنيسة إلى شرخ تاريخي بين كنيسة شرقية وغربية عام 879 م على أرض البلقان فلم تلتئم شاهدا على قوانين الجيوبوليتيك..


ولدت الارثوذكسية المسيحية في عام 395 م عند حافة كوسوفا متسربلة بقناع ايديولوجي عن حقيقة الروح القدس ومصدر اشتقاقه من الآب أو الابن أو الاثنين معاً، في تمرد سياسي خفي على روما والكثلكة، وتبع هذا تشكيل القسطنطينية كقطب ثقافي موازي لروما، تدب في مفاصلها الحياة ألف سنة أخرى بعد زوال روما.

وفي عام 1402 م بعد معركة أمسلفيلد بثلاث عشرة سنة يتأهب السلطان العثماني بايزيد لاجتياح أوربا؛ لولا مفاجئة غير سارة جاءت من عمق السهب الاوراسي، يتولى كبرها مقاتل يخلد سيفه في التاريخ في منارات من جماجم تشاد للطاغية الأعظم (تيمورلنك).

معركة سهل أنقرة عام 1402 م جرت بين أعظم قوتين محمولتين على ظهر الخيول عرفها العصر الوسيط كلاهما تركي ومسلم نتج عنها خلاص جنين الحضارة الأوربية وتحطيم القوة العثمانية الصاعدة وفتح الطريق أمام حضارة جديدة، عندما كان (اسحق نيوتن) في ضباب لندن يكتب أعظم أعماله حول الأسس الرياضية لقوانين الطبيعة فيكتشف قوانين الجاذبية ويضع أسس فيزياء العصر ويحلل الضوء بموشور زجاجي.

وفي عام 1453 م سقطت أعظم درر الغرب وعاصمة عالمه الثقافي القسطنطينية بيد الاتراك بغير رجعة، ولكنها جرت على العالم الاسلامي مصيبتين: هرب الأدمغة العلمية الى ايطاليا لتشع منها أنوار عصر النهضة، واستنفار الغرب وظهره الى الاطلنطي لمواجهة الخطر التركي المحدق؛ فبقوم بثلاث محاولات لتطويق العالم الاسلامي:
ـ شمالي روسي بتدمير الحواضر الاسلامية قازان واستراخان والقرم على التوالي

في الأعوام 1552 و 1554 و 1774 م.
ـ وشرقي برتغالي باجتياح كل السواحل والممرات المائية الهامة حتى اليابان.
  ـ وثالثة الاثافي وهي أعظمها أثرا، يقودها رجل متعصب نصف مجنون، يخترق بحر الظلمات، اسمه كريستوبال كولون، مات ولم يدرك الانجاز الكوني الفذ الذي صنعه!.

 وفي عام 1989 م بعد مرور الف وستمائة عام على التصدع الكنسي وستة قرون على معركة قوص أوه (أمسلفيلد) يشعل الصرب الشموع على روح ملكهم (لازار) تشحنه الأساطير بوقود ماله من نفاد، في مخيلة هوس جماعية للصرب، بكل عنفوان المقدس ودمويته، على شكل ايقونات تعلق في بيت كل صربي، في شهادة صاعقة عما تفعله الأوهام في اغتيال العقول وتوقفها في مربعات الزمن، تزدرد الحقد، وتقتات ذكريات كريهة طوتها صفحة الأيام، تمارس سورات من جنون العنف المنظم والعنف المضاد الى يوم القيامة.

كما يفعل اليهود (النموذج الصهيوني) في ذكرى مذبحة الماسادا كل سنة فيحضرون الفتيات البريئات والشباب المسكين من كل المعمورة من اليهود ويحملونهم مكبرات الصوت وهم يزعقون في جنود الرومان الأشباح أن تعالوا إلينا لنقتلكم.. ومذبحة المسادا كانت في عام 72 م عندما انتحر ألف يهودي والرومان ينظرون!!

العقل المعتقل، والثقافة المغلقة، تتجلى في عصرنا بالبربرية الصربية والتوسعية الصهيونية؛ فيرى الصرب في كوسوفا مركز الحج الأكبر؛ فيجب افناء كل المخالفين لشروط الإقامة الصربية، والعبرانيون يصبون كل المال اليهودي لإعادة بناء دولة طواها الزمن قبل ثلاثة آلاف سنة، في محاولة قلب خرائط العالم بالدم والاجتياح المسلح، تؤكد معنى الأوهام في صناعة التاريخ.

يرى فيلسوف الحداثة (ميشيل فوكو) أن علم طبقات الأرض كشف أن القارات محمولة على صفائح جيولوجية، كذلك المعارف الانسانية محمولة على مسلمات في أذهان البشر، محشوة بقدر مرعب من الخرافة، يدشنها مجرم صربي اسمه (راكان = سيقتل لاحقا بيد جماعته بالذات) يرى ملء الأرض بجثث مخالفية قمة الوطنية.

ويرى الاسرائليون أنهم شعب الله المختار، عقد معهم اتفاقية ثنائية، أنهم الممثل الشرعي الوحيد له على ظهر البسيطة، يعيدهم بقدر منه الى جبل صهيون، يغير خرائط الأرض لهم، ويقلب محاور الزمن لصالحهم.
ألا إنهم من أفكهم ليقولون هذه إرادة الله!! 
ويرى المؤرخ البريطاني (توينبي) أن مصير الحضارات يمشي في ثلاث سيناريوهات: الموت والتعطل والتحنط.

الحضارة الفرعونية اندثرت وذابت كوجبة دسمة في معدة روما، والاسكيمو والبلوبينيز حضارات تعطلت. ويبقى اليهود والصرب كنماذج لحضارات محنطة توقفت عن بث أي إشعاع حضاري تخاف من الذوبان والاحتواء وانقلاب الزمن عليهم، تشن حروب اقتلاع الأمم وتطهير الأرض من المخالف، في قبضة حزمة من الأمراض الثقافية من العنصرية والتفوق العرقي، ودعوة التميز ببصمة واسمة من اله لايعرفه البشر، ترسم فيها الخرائط بيد رجال قساة، يخطون الحدود بلون أحمر فاقع لايسر الناظرين.


 بدون فهم الخلفيات التاريخية للصراع تصبح التدخلات العسكرية وامتداد اذرع القوى العظمى، مثل جراح يمارس عملية جراحية بدون إلمام بالتشريح والفيزيولوجيا، يقود صراعاً يحسمه ليس بالضرورة لصالح أحد الطرفين ودوماً لصالحه، مذكراً بقصة القرد الناسك والقطين؛ فعندما تنازعا على قطعة الجبن احتكما الى قرد متظاهر بالورع، أنه يوفي الكيل بالقسط ولايطفف الموازين، يوزع قطع الجبن بدون تساوي، في حرص عجيب لميل كفة دون أخرى، يعدلها بشراهة بقضمه الأثقل وزنا؛ حتى إذا لم يبق في كفة الميزان سوى آخر قطعة التهمها مطالباً بجزاء أتعابه التي أنقضت ظهره، والقطان المسكينان يحدقان بذهول بعيون حولاء، في حركات القرد الناسك، لعدالة تذوب تدريجياً بين شدقيه. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق