بريطانيا والضحك على الذقون – د. حسان الحموي

بعد أن أكد مكتب رئيس الوزراء البريطاني أن ديفيد كاميرون استبعد تسليح المعارضة، بناء على توصية من الجيش البريطاني.

ها هو رئيس هيئة الأركان في الجيش البريطاني الجنرال ديفيد ريتشاردز، يلوح الخميس، بـ"الحرب" ضد بشار الأسد، قائلا إن بلاده "ستكون مضطرة لخوض الحرب، إذا أرادت كبح جماح النظام السوري" عن طريق فرض منطقة حظر جوي وتسليح الحركات المعارضة.

وطبعا تصريحات الجنرال ريتشاردز، الذي ينهي مهامه الخميس من قيادة الجيش، لصحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية، الهدف منها فقط احداث توازن في الرأي العام البريطاني حيث قال : أنه "لتحقيق تأثير حقيقي على حسابات الرئيس الأسد كما يرغب الكثيرون، فإن من الضروري ضرب أهداف على الأرض".

لكنه طالب الحكومة قبل ذلك  " أن تحدد أهدافها السياسية في سوريا قبل صياغة خطة عسكرية متماسكة للتعامل مع الأسد".

خاصة في ظل غياب للاتفاق الدولي بشأن كيفية التعامل مع الوضع في سوريا.

 وصعوبة تجميع المعارضة السورية على أهداف واحدة بسبب تعدد أبعادها وجوانبها".

وشدد على أن فرض منطقة حظر جوي لن يكون فعالا، ولا بد من اتخاذ إجراءات عسكرية أخرى، موضحا أنه "من الضروري ضرب أهداف عسكرية على الأرض لتعطيل دفاعات سوريا الجوية".

وأشار ريتشاردز إلى أن ذلك -كما حدث في ليبيا- يستدعي أيضا "حرمان القوات النظامية السورية من القدرة على المناورة، ما يعني تدمير دباباتها وسياراتها المدرعة التي تتسبب في أي درجة من التدمير".

وطبعا كل هذا الكلام المنطقي والمعقول والرائع عسكريا لم ينطق به هذا الجنرال إلا بعد أن خلع بدلته العسكرية وبات كمحللي الجزيرة مجرد أداة للتنظير فقط لا غير.

بالأمس أدرك رئيس هيئة أركان الجيش السوري اللواء سليم ادريس أن الغرب يضحك على الذقون من خلال الوعود والتصريحات الكلامية التي تصدر هنا وهناك لا يلبس مطلقوها أن يتراجعوا عنها.

وبالتالي كان لا بد من تحذير الغرب من العواقب الوخيمة على قوات المعارضة الوطنية والثورة السورية بسبب تراجع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن قراره تسليح المعارضة.

 لأنه وحسب ادريس: "إن القرار يتركنا وحيدين ليقتلنا رئيس النظام السوري بشار الأسد، وهو يمهد الطريق لهيمنة تنظيم القاعدة على صفوف المعارضة".

وكانت حكومة كاميرون اشارت في وقت سابق إلى أنها تفكر جديًا في تسليح المعارضة، ونجحت قبل شهرين في الضغط على الاتحاد الاوروبي لرفع الحظر على ارسال السلاح إلى سوريا.

لكنّ القادة العسكريين في مجلس الأمن القومي البريطاني حذروا رئيس الوزراء من أن النزاع السوري بلغ مرحلة متقدمة من التفاقم، بحيث أن إرسال إمدادات من الأسلحة الخفيفة لن يُحدث فارقًا كبيرًا. وبدلًا من تسليح المعارضة، ستعد بريطانيا خططًا لتدريب فصائل معتدلة من المعارضة السورية والاستمرار في تقديم مساعدات غير فتاكة، مثل الدروع الجسدية ومعدات الاتصالات. 

تحذيرات مجلس الأمن البريطاني هذه تأتي في الوقت الذي يشكو فيه مقاتلو المعارضة الذين انسحبوا من بعض البلدات التي كانوا يسيطرون عليها في المرحلة السابقة بسبب نقص امدادات السلاح من الخارج ؛ والتي تكاد تكون نضبت وتوقفت في هذه الفترة .

 والجنرال ادريس لم يكن أول وآخر ضحايا الضحك على الذقون من قبل الغرب وخاصة بريطانيا، لكن صدمته هذه ربما أتت لأنه لم يقرأ التاريخ جيدا أو لأنه لا يعلم بخفايا استراتيجية المنطقة و القوى المتحكمة بصناع القرار، حيث قال : "ماذا ينتظر اصدقاؤنا (( ادريس طبعا (( في الغرب؟ أن تقتل ايران وحزب الله الشعب السوري كله؟"، محذرًا من أن رفض الغرب تسليح الفصائل المعتدلة في المعارضة السورية سيسلم الثورة السورية على طبق من فضة إلى الجماعات المتطرفة التي لديها مصادر تسليح أفضل من الفصائل المعتدلة. وقال بنبرة متشائمة: "عمّا قريب، لن يكون هناك جيش سوري حر لتسليحه، وستسيطر الجماعات الاسلامية على كل شيء، وهذا ليس في مصلحة بريطانيا"

فالمعادلة اليوم على الأرض يتم صياغتها من جديد وهناك محاولات مستميتة لزرع بذور الفتنة بين الجيش الحر والجماعات الاسلامية من جهة ولترويض الجيش الحر بحيث يكون أداة طيعة بيد الغرب تديره كيفما تشاء وتخرجه متى شاءت عن مساره الوطني .

نعم الغرب يتخوف من صعود الجماعات الاسلامية المتطرفة وسيطرتها على قوات المعارضة، لكنهم قلقون ايضًا من تشكيل جيش وطني حر". اليوم بات الجميع سواء في المعارضة السورية السياسية أو المسلحة ينظر إلى رفض بريطانيا تسليحهم على أنه غدر بعد كل الاشارات التي ارسلتها لندن في الآونة الأخيرة.

لكنهم لم يدركوا أن الغرب يتلاعب في الألفاظ فقط لتحقيق أهداف سياسية فتارة يأتي تصريح على لسان وزير الخارجية وليام هيغ الشهر الماضي أن بريطانيا لا تستبعد أي خيار، واصفًا المخاوف من وقوع اسلحة مخصصة للفصائل الوطنية العلمانية بأيدي جهاديين بأنها مخاوف مبالغ فيها.

وطبعا الهدف من هذه التصريحات هو دفع النظام السوري إلى حضور مؤتمر جنيف2.

أما اليوم و بعد أن اتهمت موسكو المعارضة السورية بعرقلة مؤتمر جنيف2، بسبب تصريحات رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد الجربا :"بأن المعارضة لن تحضره إلا إذا تحسن موقفها العسكري الميداني.

وتصريحات لافروف: بأنه إذا كانت المعارضة "تفكر بأنها تريد تحقيق انتصار عسكري والسيطرة على المزيد من الأراضي السورية قبل التفاوض، فمع هذا المنطق لن نستطيع تنظيم أي جزء من هذا المؤتمر، وبالتالي فإننا سنكون أمام حقيقة أن شركاءنا الغربيين قدموا أسلحة إلى المعارضة السورية دون أي شروط أو ضمانات تؤكد استعدادها للحضور إلى المؤتمر".

وبالتالي يمكن تفسير انسحاب بريطانيا من لعبة تزويد السلاح للمعارضة ضمن هذا السياق بأنه للضغط على المعارضة لحضور مؤتمر جنيف2.

إذا المسألة ببساطة رسالة للأسد: بأنه "إذا لم تأتِ إلى الطاولة فإننا نستطيع أن نسلح مقاتلي المعارضة".  وللمعارضة بأننا سوف نسحب تعهداتنا بتسليحكم إذا لم تأتوا إلى الطاولة " وفي النهاية كل هذا ضحك على الذقون فقط لا غير.

( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) الأنفال]30[

الدكتور حسان الحموي