ثورة يناير قادها الشباب
المظلوم وبنوا هرم طموحاتهم على أنقاض نظام بائد ولكن نسوا أن هذه الأهرامات لكي
تبقى يجب أن تبنى على حقائق راسخة، فالطموحات يصنعها العاقلون ويهدمها الغوغاء.
بالأمس هدم غوغاء مصر معبد
حريتهم على رؤوسهم، ونقضوا غزلهم وعاد أهل الرأي إلى محابسهم، وانطلق أهل البغي
يسعون في الأرض فسادا.
فكانت حِكمت الله تَعالى
في أن يجعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم ؛ ولم
يبقى لرئيس مسلم مؤمن مكان، لأن الله ولاه عليهم عندما كانت الخيرية في ثورة يناير
ولما انقلبوا وكفروا بالحرية والعدالة الاجتماعية و جارُوا جارَت وُلاَتُهم، و لما
ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ وُلاَهم الله كذَلكَ.
فالحِكمةِ الإلهيَّةِ أن
يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ ؛ وتأبى حِكمةُ الله أن يُوَلَّي علَينا في مِثل
هَذهِ الأَزمانِ مِثلُ مُعاويةَ وعُمرَ بنِ عَبدِ العَزيز ؛ فَضلاً عن
مِثل أبي بَكرٍ وعُمرَ رضي الله عنهم أجمعين.
وكما قال شيخ الإسلام ابن
تيمية -رحمه الله:
"أَنَّ مَصِيرَ الأَمْرِ اليوم لَيْسَ لِنَقْصٍ فِي ثوار الميادين فَقَطْ، بَلْ لِنَقْصٍ فِي الرَّاعِي
والرَّعِيَّةِ جَمِيعاً؛ فَإِنَّهُ : ﴿كَمَا تَكُونُونَ يُوَلَّى عَلَيْكُم﴾
وقَدْ قَالَ اللهُ
تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا﴾.
نعم لقد فشل المسلمون في
قيادة المجتمع نحو تحقيق مطالبهم لأنهم ساسوهم بحكم عثمان ؛ ولم يحكموهم بحكم عمر
بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، لذلك يجب ان تفهم الشعوب العربية بأنها عندما
تقوم بثورة يجب أن ترسخ قواعد الحكم قبل أن ترسخ قواعد العدل، وأن تعتمد على نفسها
قبل أن تعتمد على المساعدات الخارجية، اليوم فازت الغوغاء من خلال امبراطوريات
المال والاعلام، ولم يدركوا أن الامبراطورية الاقتصادية والاعلامية الصهيونية هي
التي تحتكر الحقيقة وهي التي تقود العالم من خلف الستار.
الجميع يدرك اليوم أن التجربة
الحقيقية لتداول السلطة والشرعية في مصر هي الخطر الحقيقي للحكومات التي اغتصبت
السلطة في بلدانها فكانت وقودا للثورة المضادة للشرعية الوليدة، وسخرت لها اموال
طائله واعلاما موجها لإفشال التجربة التي اقلقت مضاجعهم كونهم اعتلوا سدة الحكم من
خلال سياسة القمع والتجويع.
ولتعود مصر إلى الاعتقالات
التعسفيّة وإغلاق وسائل الإعلام وكم الأفواه من قبل العسكر فور إسقاط الرئيس
المنتخب، ودونما أي مبرر قانوني أو شرعي، مخالفة في ذلك أبسط مبادئ الثورة.
ولترمي بثوب الارهاب على
رؤوس عبّاد المساجد وتدفعهم دفعا نحو التطرف والعسكرة والمواجهة المفتوحة.
وظهرت الحقيقة المغيبة على
الشعب العربي أن الجهاد خط أحمر، فحكام العرب المأجورون كانوا يكذبون على شعوبهم
بأن الإخوان المسلمين من صنيعة أمريكا وبأنهم عملاء لأمريكا والغرب وإسرائيل ,
ابتداءً من الزعيم الملهم جمال عبدالناصر بطل هزيمة حزيران ومروراً بالقائد الخالد
حافظ الأسد الذي دمر حماة وقتل أكثر من خمسين ألف بريء بحجة عمالتهم لأمريكا
وإسرائيل وانتهاءاً ببشار الذي حرق سوريا من أقصاها إلى أقصاها، والأحداث تثبت
يوماً بعد يوم كذب ودجل هؤلاء الحكام وضحكهم على شعوبهم , إذ لوكان الإخوان فعلاً
عملاء لأمريكا والغرب وإسرائيل لدعمت هذه الدول حكم محمد مرسي وثبتته وأبقت عليه
رغم أنف المصريين والعرب جميعاً، ولكن كلمة السر كانت بإعلان الجهاد في مصر ؛ هنا
توقفت عجلة الزمان والتفت الغرب ليرفع الكرت الأحمر لمرسي، وليرحل بأقل من شهر، ان
ما يحصل اليوم هو رسالة من العالم لنا بأن الإســــلام خــــط أحمــــر فإما
الفاشية أو الاقتتال والفوضى.
اليوم بات لزاما على طالبي
الحرية والثورة أن يفوتوا الفرصة على الآخرين، وأن لا ينجرّوا للوقوع في الفخ و الولوغ
بدماء المسلمين لأنها أعز عند الله من كل شيء.
وأن يعكفوا علي دراسة
أخطائهم وتجربتهم، وأن يبدؤوا ببناء هرم طموحاتهم من خلال ثورة سلمية تمتلك قرارها
بكل صلابة بعيدا عن الاعلام الزائف و المال الحرام، فمصر تستحق أن تبهر العالم
بثورتها لا أن تبهرهم بهدم معبدها.
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق