كثيرة هي التغيرات التي تحدثها
الزلازل الاجتماعية ولا تنجح في تحقيقها النظريات والكتب. وتكون التغييرات عميقة؛
لأنّها وليدة ضرورة واقعيّة لا مجرد
مطالب. وربما تتأخر الإنجازات، وتسير النتائج ببطء؛ لأنّ التغيير الشامل لا يحدث
دفعة واحدة، بل على مراحل وبحسب الضرورات. وهذا ينطبق على واقع المرأة في خضم الثورة
السوريّة بحراكها السياسي، وبقضايا المشاركة في القرارات السياسيّة والتشريعيّة والفكريّة
والمجتمعيّة وبتنفيذ القرارات. هناك مسافة كبيرة بين حضورها الواقعي الفاعل على
الأرض وتمثيلها السياسي وحراكها فيه.
المعارضة السياسية رغم وجود أعداد كبيرة من المثقفين والنخبويين
والعلمانيين واليساريين والمتكلمين في الحقوق والحريات، لم تقدم أكثر مما قدّم نظام البعث الأسدي في
موضوع المرأة على مر العقود الفاسدة الطاغية. فالعقليّة واحدة...وهي لم تخرج من
عباءة نظام الطغيان ومن شرنفة الفساد في الرؤية وفي الممارسة. وكان من غير المفاجىء
أن تنظر المعارضة، التي تشربت الصورة الرمزية للسيدات الوزيرات والنائبات السوريات
في مجلس الشعب، إلى دور المرأة في الفعل السياسي وتمثيله، على انه شكلي وشأن ثانوي غير ضروري، يجري التعامل معه
على نحو أقرب لجوائز الترضية، والمحاصصة الفئوية وواجهات العرض؛ فالسياسة كما
يعتقد العقل التقليدي للمعارضة، رغم كل ادعائه بالتنوير وتزييفه لضمير الحرية، هو عمل
لا تفقهه المرأة ولا تفقه دورها فيه. بل وشخصيات
كثيرة من المعارضة السياسية في المجلس
الوطني وفي الائتلاف وفي الحراك على الأرض الذي يقول بتمثيل الثورة، وفي كثير المجالس
المختلفة، ومن يتصدرون الشاشات ووسائل
الإعلام ، مازال ينظر إلى قضية المرأة وإلى دورها السياسي والفكري والقيادي
باستخفاف وامتهان؛ لأنها برأيهم، قاصرة عن تمثل الواقع السياسي بفهم ونضج، وإيجاد بدائل
واعية .ومن ثمّ تمثيله بمسؤولية(وقد حذثني بهذا كثيرون من الذين يتصدون لتمثيل
الثورة والمعارضة من رجال محسوبين على اليسار والليبرالية والعلمانية والسلفية.. واعتبروا
الموضوع شبيه بزفة عرس أو حفل استقبال لا اكثر..). وأما انتصارهم لبعض الأسماء
النسائية فإما لأسباب شخصيّة، أو محاصصات حزبية، أو تقاسمات اثنيّة، أو كواجهات
نسائيّة، إرضاء للمطالبين من الدول الغربية ومنظماتها الحقوقيّة بمشاركة نسائية سورية في التمثيل السياسي
للمعارضة.
والأمر لا يقتصر على الرجال؛ بل يمتد بنيويا
إلى بعض الخطاب النسائي السياسي التقليدي الذي طفى على الإعلام وعلى الواجهة
السياسية للمرأة، فأعاد بشكل فظ وفج وغريب، تكرار المفردات القديمة ومصطلحاتها
الجافة، خصوصا، الجندريّة والجنسوية والذاتية، مرتبطا بمقولات العولمة التي تجعل
من الاصطفاف النسائي النخبوي شريط دمى في
يد المشاريع المختلفة التي يجري تمويلها ودعمها ومدها عبرهنّ، لكي تكون في خدمة خطط
تفتيتيّة، تستغل قصور الوضع الاجتماعي
والسياسي للمرأة، بهدف تزوير الوعي وإعادة
تركيب الهوية لتسهيل الهيمنة واختراق المجتمع واحتكار السلطة باسم عقلية تدعي التقدمية
والانفتاح وحماية الحقوق؛ لكنّها تمارس التمييز العقيدي والإقصاء ونفي الآخروالنخبوية
المنفصلة عن النسيج المجتمعي الفاعل والفوضى والغوغائيّة. وتضع المرأة في تجاذبات سياسية معنونة بإطار التحاصص والشللية الربحيّة.لا ضمن مفهوم العدالة
والحقوق والحريات.وهو أمر يبتعد جدا عن الواقع الحقيقي للمرأة في لب الكيان الشعبي
وفي جوهر الحراك، ويبتعد عن مطالبها ودورها على الأرض الذي تفرضه يوميات الحرب
والاحتياجات وتطورات المعركة اليومية واستحقاقات البقاء اليومي المعيشي ومواجهة الغد وتحدياته الوجوديّة. ومع ان
المجتمع تطوّر بفعل الثورة كثيرا فيما يخص مشاركة المرأة والشباب على الأرض وفي
الواقع الداخلي والخارجي، وفي الفعل المتعلق بالمصير الفردي والحراك الاجتماعي والإسهام
في احتضان الثورة وحماية مشروعها..؛ فما زلت المعارضة او من تصدّى للواجهات السياسية والسلطوية
باسم الثورة في الداخل والخارج تأبى الاعتراف بهذا الأمر أو تهرب منه، خوفا من
مواجهة مستحقات اجتماعية جريئة قادمة تسحب بساط المكتسبات من هيمنة ثالوثية لأبويّة
المجتمع الاستبدادي الطاغي(الدين. الاقتصاد. السياسة والتشريع)، وتطلق طاقات
المرأة في عملية قيادة مشروع الحرية والنهضة وتحريرها من التبعيّة والانقياد
والعزل السياسي.
إن تحضين المجتمع ومشروع التحرر مهم جدا. ومن
شأن المرأة أن تسهم بشكل كبير وفاعل في
موضوع التحصين. ولا يكون التحصين بحجب المرأة عن المشاركة والنفوذ والمشاركة في القرار
والقيادة...حضورها على الأرض عميق...ولن تجدي الممارسات الإقصائية أو استغلال اسمها وقضيتها في طموحات فئوية أو غير وطنيّة بحجة
الديمقراطية والحرية. وخارطة الطريق أمام المراة هو الانخراط الأعمق والأشمل في
الثورة، بكل مستوياتها ومتطلباتها وتحدياتها. وليس مهما الفشل الكبير في التمثيل
السياسي الحالي للمرأة؛ لأنّه لا يمثّل الثورة بشكل حقيقي، ولا الإرادة الشعبيّة، ولا
يعكس نضالها وعملها وطموحها الإنساني المرجو. المطلوب هيكلة العمل النسوي بشكل
حيوي مع المجتمع الجديد ومع متطلباته وقيادته بشكل قيمي واقتصادي وفكري وتربوي
ووجداني وحقوقي. والمحصلة السياسية تنطلق من مواقع الارتباط بالثورة والأرض
والمجتمع. ولا تأتي من الكراسي الثابتة على المسارح.
د. سماح هدايا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق