روت السيدة (ويسل مان) في يوم17 يوليو عام 1945م في مدينة (الباسو) لجريدة (الهيرالد بوست) مشاهدتها
لظاهرة عجيبة رأتها في الليلة السابقة:
(كان الليل مازال مخيماً بسواده عندما ارتفع فجأة عند منتصف الساعة السادسة
وهج من السماء أضاء رؤوس الجبال التي كنا نمشي
بحذائها بلون أحمر برتقالي في حين تألقت المنطقة المحيطة بنا لعدة ثواني، لكأننا
في ضوء النهار، ثم حل الظلام مرة أخرى ، لقد
روعتني المشاهدة، حتى خيل إلي أن الشمس بزغت فجأة ثم اختفت).
وفي نفس صباح (16) تموز وفي ضباب البحر
الذي يغلف ميناء سان فرانسيسكو تحركت البارجة (إنديانا بوليس) باتجاه جزيرة (تينيان)
على بعد (9000) تسعة آلاف كيلومتر. وعلى ظهر البارجة المذكورة ثُبِّت جهاز على شكل
اسطوانة كُلف بحراسته اثنان من الضباط اسمها (البرونكس) وأُعطيت لهم الأوامر أن لا
تفارق عيونهم هذه الاسطوانة العجيبة. وفي حال
تعرض البارجة للخطر أو الغرق فيجب إنقاذ هذه الاسطوانة العجيبة ولو بحياة كل البحارة!.
في نفس هذا الصباح وعلى الشاطئ الآخر
من الأطلنطي كان الرئيس الأمريكي (ترومان) يجتمع مع (ستالين) على مائدة المفاوضات بين
أنقاض المدينة الألمانية (بوتسدام) في صدد تقسيم النفوذ في مرحلة ما بعد الحرب وقد
علت البهجة وجه الرئيس الأمريكي بعد أن وضعت
بين يديه البرقية :
(العملية تمت صباحاً . التشخيص لم
يكتمل بعد . يبدو أن النتائج مطمئنة . وفاقت كل التوقعات).
وفي يوم ( 6 ) أغسطس وعند الساعة الثامنة
صباحاً تحركت مجموعة من الطائرات من طراز ( ب ـ 29 ) سميت بالمجموعة (509) الخاصة وأخبر
الطيارون بإلقاء الحمولة ثم الاندفاع إلى أكبر علو ممكن.
وعندما سطعت الشمس النووية وحلَّق
(الفطر النووي) فوق مدينة (هيروشيما) وطوى تحت جناحيه أرواح عشرات الآلاف من البشر
عندها أدركت عائلة (ويسل مان) أنهم كانوا الشهود الأوائل على سطوع الشمس النووية الجديدة
وولادة عصر جديد، وعرفوا تفسيرا لبزوغ الشمس مرتين في ذلك الصباح؟
أصرت أمريكا وبتوقيع واحد من الرئيس
الأمريكي على ضرب مدينتين هما (هيروشيما) و(ناغازاكي) وحرق مئات الآلاف من الناس بالنار
النووية الجديدة. ونجت مدينة ( كيوتو ) الجميلة الأثرية من براثن الموت التي اقترحت باعتبارها المدينة الدينية لليابانيين
وعدد سكانها يصل إلى المليون وفيها ثلاثة آلاف من المعابد.
سطعت الشمس النووية فوق هيروشيما معلنة
امتلاك الإنسان وقود النجوم ، وإمكانية إفناء
جنسه العاقل بنفس الوقت. وأما في الأسفل فكانت هيروشيما وناغازاكي في 6 و9 أوجست على
التوالي في عاصفة من النيران. وحل على الأبدية في صدمة لم يعهدها سكان العالم السفلي
رقم مذهل من الناس وهم يتدافعون على بوابة الموت جاء وصفهم على لسان كاتب ياباني و
(يوكو اوتا):
(لم أتوصل بسهولة إلى فهم كيف استطاعت
بيئتنا أن تتحول إلى هذا الشكل خلال لحظة وظننت
أنه من المفروض أن يكون قد حدث شيء ما لا علاقة له مطلقاً بالحرب إنها لاشك نهاية العالم ، كما كنت اقرأها في الكتب
عندما كنت طفلاً).
ما حصل لم يكن ( تقنية) جديدة برزت في الحرب أو (سلاحاً سرياً) تم تطويره. إنه في الواقع (إعلان كوني) عن دخول الإنسان عصراً
جديداً نسخ فيه عهد القوة.
وهذا التطوير الجديد أدى إلى ثورة
جديدة في فهم العلاقات الإنسانية. كما أدى
إلى إعادة النظر في مفهوم القوة، أن القوة لم تعد قوة. وأن (القوة) ألغت (القوة). وأن الحرب اليوم لم تعد حرباً.
هل نستطيع تصور رجلاً يمشي في المدينة
بطول 200 مترا ووزن (500) طن؟ ويبقى كائناً
بشرياً؟ فهذه هي الحرب الجديدة.
وكما يقول (كارل ساجان) (كتاب الكون
ص 277) فإن ما ألقي في الحرب العالمية الثانية كان مائة ألف قنبلة ما يعادل 2 ميجا
طن من مادة ت . ن . ت . والأسلحة النووية الموجودة في العالم تعادل عشرة آلاف ميجا
طن وهي لن تستخدم في ست سنوات كما كان في الحرب الكونية بل في ست ساعات؟ وإذا حسبنا
الطاقة النارية الإجمالية فمحصلتها شن حرب عالمية في كل ثانية على كل عائلة على وجه
الأرض؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق