استطاع «النّظام السّوريّ»
من خلال العمليّة الأمنيّة والعسكريّة التي تعتمد على منهجيّة الإبادة، والتّدمير
الكامل للبنيّة التّحتيّة لـ«سوريا»، مع حنكة ودهاء السّياسة الخارجيّة لـ«لولايات
المتّحدة الأمريكيّة» و«الاتّحاد الأوروبي» أن تتحوَّل «الثّورة السّوريّة» في
مرحلتها الأولى إلى «أزمة» غاية في التّعقيد.
وفي تواطؤ وتباطؤ في
التّعامل مع هذه «الأزمة» من خلال إرسال بعثات أمميّة، ولجان تحقيق ومراقبة، لم
تستطع أن تضع حدًا لاستمرار آلة القمع «الأسديّة» في القضاء على من يقف في وجه «النّظام
الأسديّ»، الذي أصبح «نظامًا إرهابيًا» قلَّ نظيره في منطقة «الشّرق الأوسط».
نظامٌ طالما تعلّل
بضرورة عدم المساس بالسّيادة «السّوريّة»، وعدم التّدخّل في شؤونه الدّاخليّة، في
حجج واهية، لا تسمن ولا تغني من جوع، إذ إنّه كان أوَّل من خان السّيادة، وحرص
جاهدًا على تدخّل الأطراف الدّاعمة والموالية له في الشّأن الدّاخليّ، من استدراج
لـ«لحرس الثّوريّ الإيرانيّ»، وقوّات «حزب الله»، و«ميلشيات» حكومة «المالكي» في «العراق»،
مما أدّى بشكل أو بآخر إلى تحويل «الثّورة» من «أزمة سوريّة» إلى «قضية دوليّة»،
ألزمت الأطراف الفاعلة والمؤثّرة فيها أن تؤسِّس لعقد مؤتمرات سلام في نيّة غير
جديّة من أجل إيجاد حلٍّ سياسيّ يرضي جميع أطرف الصّراع في الدّاخل السّوريّ.
وفي ظلِّ تفاقم الوضع
الإنسانيّ، والتّقدّم العسكري الواضح لقوّات «النّظام» جغرافيًا، والتي لم تحدث
لولا الدّعم العسكريّ الواضح من قبل «إيران» و«حزب الله» و«ميليشيّات العراق»، يُضاف
إليه تردِّي الوضع الدَّاخلي لـ«لمعارضة السّوريّة» الممثّلة بـ«الائتلاف الوطنيّ
السّوريّ»، والضَّعف الواضح للمحاكاة السّياسيّة والإستراتيجية من قبله، نسجت الدّول
العظمى على منوال القضيّة «الفلسطينيّة» في ضرورة الدّعوة لعقد مؤتمر «جنيف 2» في
محاولة يائسة لإيجاد اخترق سياسيّ لـ«لأزمة السّوريّة»، وفي ظلِّ انعدام أيّ توافق
سياسيّ حتى الآن.
وفي بداية واضحة لـ«لولايات
المتّحدة الأمريكيّة» من أجل تلميع صورة «الائتلاف الوطني السّوريّ»، مهّدت لحضوره
جلسة لمجلس «الأمن الدّوليّ»، وعلى الرَّغم من أنَّها جلسة غير رسميَّة، إلا أنَّها
أظهرت «الائتلاف» على أنَّه قيادة سياسيَّة قادرة على أن تكون ندًّا لـ«لنّظام» في
طاولة مفاوضات «جنيف 2».
ولا شكَّ أنَّ مثل هذه الجلسة غير الرَّسميّة
كانت بمنزلة الفرصة الذهبيّة؛ لأنَّها تكاد تكون المرَّة الأولى التي تقوم بها
المؤسّسة السّياسيّة الممثّلة لـ«لثّورة السّوريّة» بإيصال حقيقة صوتها إلى
العالم، دون وكلاء، وبشكل مباشر، خاصّة في ظلِّ حضور مندوب «روسيا» و«الصّين» في
هذه الجلسة.
لكن
وفي الوقت نفسه لم يستطع «الائتلاف» تحت وطأة العجز السّياسيّ الذي يعاني منه أن
يستثمر مثل هذه الجلسة وغيرها في صالح «الثّورة»، وأن يؤكِّد ضرورة التَّدخّل
الفوري والسّريع لوضع حدٍّ للتَّدخّل «الإيرانيّ» في «الشّؤون السّوريّة»، على أنّه
«جيش محتلّ» لدولة ذات شأن كبير في منطقة «الشّرق الأوسط»، وعدم قدرته على استخدام
«الملف النّوويّ الإيرانيّ» كورقة ضغط من الممكن أن تغيّر من الوضع السّياسيّ للدّول
العظمى وفي مقدّمتها «روسيا».
وفي
حقيقة الواقع فإنّ «الائتلاف» اقتنع بضرورة حضوره مؤتمر «جنيف 2»، على الرّغم من
عدم وضوح الرّؤية في كيفية انعقاده في ظلّ وجود عوائق وأحجار عثرة كبيرة، تتمثّل
في التّقاطعات والخلافات الواضحة بين معظم الأطراف السّياسيّة السّوريّة ممثّلة بـ«النّظام»
و«المعارضة»، وعدم رسم أيّ خارطة اتّفاق بينهما.
وكذلك
عدم وجود أيّ توافق إقليميّ حول مشاركة بعض الدّول الفاعلة والمؤثّرة والمدبّرة
والمشاركة في استباحة «الدّم السّوريّ»، واحتلال أراضيه وفي مقدّمتها «إيران»،
وعدم تحديد حجم مشاركتها، أو ماهيّة دورها الإقليميّ في المرحلة القادمة، والتي
أظنُّ أنها لن تقف عند الحدود الجغرافيّة «السّوريّة»؛ بل سيكون «الخليج العربيّ»
مرادها الأخير.
وأهمّ
من ذلك كلّه غموض التّفاهم الدّولي بين «الولايات المتّحدة الأمريكيّة» و«روسيا»
حول «القضيّة السّوريّة»، ومحاولة كلّ منهما تحقيق مكاسب سياسيّة وعسكريّة وإستراتيجية
في منطقة «الشّرق الأوسط» على حساب إبادة شعوب المنطقة، وما «سوريا» إلا كبش
الفداء في ذلك.
وأكاد
أجزم أنّ «روسيا» استطاعت أن تفوز بالمعركة السّياسيّة حتى الآن، ظهر ذلك من خلال
عدد من الأمور:
أوّلها:
إقناع «الولايات المتّحدة الأمريكيّة» في العودة إلى مرجعيّة «جنيف 1»، والبناء
عليه في حلِّ «القضيَّة السّوريّة» في «جنيف 2».
ثانيها:
وضع أجندة مؤتمر «جنيف 2» وفق رؤية «الحليف السّوريّ»، الذي يحقّق انتصارات
متتالية بمساعدة «إيرانيّة» و«لبنانيّة» و«عراقيّة»، وسلاح «روسيّ» لم يتوقّف تدفقُّه
عليه منذ بداية العمليّة العسكريّة.
ثالثها:
إقناع «الولايات المتّحدة الأمريكيّة» بالضّغط على «المعارضة السّوريّة» بضرورة
حضور المؤتمر دون أيّ شروط مسبقة، في محاولة لثنيها عن المطالبة بتنحّي «الأسد»،
والتوقّف عن العمل العسكريّ، والذي سيقود بالمحصِّلة إلى عدم طلب تسليح المعارضة.
ولا
شك أنّ عدم وجود أيّ ضمانات دوليّة تحقّق لـ«لثّورة السّوريّة»، ومؤسّستها السّياسيّة
مكتسباتها فإنَّها ستكون مجرّد بلِّ في التُّراب، الهدف منه إيصال «الأسد» إلى
نهاية فترة رئاسته عام 2014م، ويجعلنا نتشاءم من «جنيف 2»، والحكم عليه بالفشل،
وقد تكون «المعارضة السُّوريةَّ» ممثّلة بـ«الائتلاف» وحدها من يستحمَّل مسؤولية
فشله.
د. محمّد عناد سليمان
أكاديميّ ومعارض سياسيّ سوريّ
28 / 7 / 2013م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق