الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-07-01

ثورة السماء – بقلم: محمد حايك

 1 - تموز - 2013
لقد حفرت جبابرة هذا العصر قبرها بيديها بسبب طَمعها وجَشعها دون أن تدري.  
عندما كنت في البلاد، كنت أسمع من حين إلى آخر عن نقص في المواد الغذائية الرئيسية مثل الشاي والرز والسكر والطحين، مما أجبر المواطن المسكين لدفع أسعارٍ زائدة لاقتنائها.  كنا نظن أن سبب نقص تلك المواد هو مأزق عالمي.  ولكن منذ أن غادرت البلاد في أوائل الثمانينات متجهاً نحو الغرب لم أسمع بنقص في تلك المواد بل وجدتها على رفوف الأسواق، متعددة الأنواع والأشكال معروضة للبيع ليل نهار.  فعلمت أن سبب فقدان تلك المواد في بلدي الأول لم يكن بسبب نقص عالمي لها، بل هو الاحتكار من قبل عصابة الطغاة، فهي السبيل السريع لجمع الأموال الطائلة على حساب المساكين. 

تغيرت المعادلة عندما ظهرت الإنترنت وأساليب الاتصالات الحديثة، فوجد الدكتاتور وأعوانه كنزاً لا يفنى فيها، فاحتكرها لنفسه ولعصابته وتخلى عن السكر والرز والشاي حتى تشبع البطون وتفكر العقول بالجوال والكومبيوتر والإنترنت، فبذلك تمتلئ جعبة الدكتاتور وأعوانه أضعاف مضاعفة عما سبق.  وهنا كانت الطامة الكبرى لفراعنة هذا الزمان فلقد أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا. 

كان موسى سبباً للاتصال الخارجي عن طريق وحي السماء وسبباً للقضاء على فرعون زمانه.  والإنترنت والفضائيات والجوال هم سبب الاتصال الخارجي عن طريق ترددات موجات السماء، فهم السبب في القضاء على فراعنة هذا الزمان.  هناك سبب مشترك قضى على الفراعنة سواء كان بالسابق أو الحاضر هو الاتصال الخارجي.  فالسجين لا يستطيع أن يكسر قيوده ويهرب من سجنه بدون مساعدة من خارج جدار السجن إذا كان السجن محكم الإغلاق.

إن سبب دخول الاتصال الخارجي في بلاد فرعون هو الطمع والجشع.  لقد اتخذ فرعون وزوجته الطفل الرضيع موسى قرة عين لهم وهو صغير، عسى أن ينفعهم عندما يكبر، فكان موسى الطامة الكبرى على فرعون وأعوانه.  وبسبب الطمع الشخصي، اتخذت فراعنة هذا الزمان وسائل الاتصالات الخارجية والإنترنت من أجل الكنز المادي والنفع الشخصي، فكانت الطامة الكبرى عليهم.

موسى ترعرع ونما واتصل مع الفقراء والمساكين والمظلومين الذين استعبدهم فرعون، كما اتصلت الإنترنت والجوال والفضائيات بجميع أفراد المجتمع، فعلموا أنه هناك حياة أخرى تعيشها الناس في باقي الأقطار ليس فيها ذل ولا عبودية، والرئيس عندهم يأتي من الشعب، وينتخبه الشعب، ليخدم الشعب.  ومتى علم ذلك العوام من الناس وكان هناك من يساعدهم من خارج البلاد، فإما الإصلاح، وإما أن يشد الدكتاتور الرحال، وإما الدمار والقتل والخراب.  وبدون مشاركة عوام الناس لا يمكن أن تنجح ثورة.

لم يحدث في التاريخ أن ثورة انتصرت في مجتمع مغلق على نفسه، لا يوجد فيه اتصال أو احتكاك مع المجتمعات الخارجية، وفرعون بلدهم يحكمهم بالحديد والنار وعيون جواسيسه مسلطة في كل مكان.  لأن أفراد المجتمع المغلق لا يمكنها أن تتخيل وسطاً أفضل مما تعيشه.  وإن تخيلت، فلا معنى لمقارنة الواقع مع الخيال إن لم يحصل تطبيق مدروس للخيال أثبت فعاليته.  عندما كنت صغيرا كنت أنصت إلى الكبار وهي تأمل أن يحصل انقلاب من الجيش حتى يتخلصوا من فرعون بلدهم، كالمستجير من الرمضاء بالنار.  فالدخول في الجيش والانقلابات هو السبيل الوحيد لتغيير الحكم.  هذا ما يتعلمه كل إنسان نما وترعرع في تلك البيئة منذ نعومة أظفاره، حتى خرجت وسائل الاتصال الخارجي فعلموا أن الجيش هو لحماية البلاد وليس للتدخل في السياسة، والسلطة يجب أن تكون مدنية تأتي عن طريق الاقتراع النزيه. 

حكومة شمال كوريا تعلم خطر الاتصال الخارجي إذا ما تغلغل بين أفراد الشعب، لذلك مازالت تمنع الإنترنت حتى هذا الوقت.  ومتى سمحت بها، ستكون طامة عليها خلال سنين إن لم يحدث رئيسها تغيير جذري إيجابي في إدارة البلاد ينفع فيها العباد.

فالشعرة التي قصمت ظهر فراعنة هذا العصر هي الاتصال الخارجي عن طريق التكنولوجيا الحديثة التي كان سببها علوم الدنيا، بينما كان بعض علماء الدين ينادون بأنه لا يجوز الخروج على الحاكم الظالم الجائر حتى ولو ذلهم وقتلهم.

لقد استخدمت العلوم مسلك الوحي في معارج السماء لتنقل أخبار الشعوب المقهور إلى أنحاء المعمورة، لتستجدي العون منهم في القضاء على فرعون بلدهم.  فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم.  فبالعلم يتحرر الإنسان، وبالعلم نادت الشعوب المقهورة لن نسجد لفرعون هذا الزمان، ونقلته للفضائيات عن طريق تذبذبات موجات السماء.  

فهل علوم الطبيعة مدعاة لحقوق الإنسان، وعلوم الدين مدعاة لاستعباده؟ أم هي العقلية التي تحفظ وتردد نصوص الدين دون أن تفكر؟ تلك العقلية التي قد تنظر إلى منافعها الشخصية، فتبيع ضميرها وتجند نفسها وعلمها لتكون بوقاً من أبواق الفراعنة كما فعل هامان.

ألم يكن وحي السماء عن طريق النبي موسى سبباً في القضاء على فرعون وأعوانه ونصر المظلومين المقهورين، ألم تكن أجهزة الاتصالات والإنترنت عن طريق ترددات الإشارات اللاسلكية عبر السماء سبباً في القضاء على فراعنة عصرنا.  فما أشبه اليوم بالبارحة، أليس هناك شبهاً بين عمل وحي السماء في السابق، وبين علوم العصر من خلال السماء في وقتنا الحاضر؟  وهل سنن الكون هي نوع من الوحي الإلهي؟  أليست من صنع الإله؟

هناك ثورات للسماء تسلك معارجها بأشكال تختلف مع تقدم الزمان.
ففي السابق منذ آلاف السنين كانت تبنى الحضارات وتخرج الشعوب من الاستعباد من خلال وحي السماء عن طريق الأنبياء، كما هو في حالة ذي القرنين الذي أوتي من كل شيء سببا، فاتبع سببا.  وفي حالة موسى الذي حرر المستعبدين من حكم فرعون.  أما الآن وبعد وحي السماء الأخير الذي بدأ بكلمة اقرأ، فإن العلوم هي سبب بناء الحضارات والخروج من الاستعباد. 

فهل علوم الطبيعة مازالت مضيعة ووسواس الشياطين عند بعض رجال الدين؟
وهل استبدلت المعجزات عن طريق الأنبياء بالمعجزات عن طريق العلم؟ فسبحان من علم الإنسان مالم يعلم سواء عن طريق الوحي أو عن طريق البحث في سنن كونه.
لقد آن الأوان لأن تتعلم رجال الدين علوم دنياها، فلعلها تبصر بما لم يبصره أسلافهم من علوم دينهم.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق