أولاً: تلاحم الشعب بجميع مكوناته لتحقيق هدف واحد. فأنّى قلّبت بصرَك أو وجهت
سمعك في مختلف أرجاء سوريا ترى هدفًا واحدًا يُنشَد، تعلو به الأصوات، وتعزف عليه
أوتار الحناجر، وتزهو به اللافتات... وتتزين ببريقه الجدران...((الشعب يريدُ
إسقاط النظام))
ثانيًا: انتشار القيم التشاركية النبيلة بين جميع أفراد الثورة؛ مثل الحب والإيثار والوفاء والتكافل والتناصر والتآخي
وهي قيم تبادلية، وأيضًا انتشار القيم النبيلة الفردية كالشجاعة والشهامة والكرم
والمروءة والعفة والزهد والصبر
والأمانة و....وهي قيم متأصلة في نفوس أهل الشام، وبقيت سمة مميزة لهم، حتى جاءت
ريح عاصف، هيجها دخيل ببث الفرقة والضغينة محترف، فأتت بركام غطى تلك القيم، وأوهن
في النفوس الهمم.. فانكمشت في مكانها، إلى أن قيض الله هذه الثورة المباركة،
فاستمسكت النفوس بطبعها الأصيل الذي أريد تعريتها منه.. وكشفت الثورة عن كنوزها
المخبأة.. فأخذت تلك القيم تظهر وتطل من جديد حتى غدت عنوانًا ساطعًا للثوار
جميعًا.
ثالثًا: الاعتماد على الله وحده، دون سواه.. والثقة الكبيرة به، يتجلى ذلك في السلوك اليومي للثوار وفي الشعارات
التي يُطلقونها وفي أسماء الجمع.
رابعًا: الوعي والنّضج، إن درجة الوعي التي لدى الثائرين بلغت مستوٍى عاليًا من الفهم
والإدراك، فأصبحوا قادرين على تفكيك الرموز، وقراءة ما وراء السطور، وما بينها،
وفوتوا الفرصة على أساليب التضليل والخداع التي يستخدمها النظام في زعزعة ما وصلت
إليه قناعاتهم... فأصبحت رواية المقاومة والممانعة ممجوجة عند الكبير والصغير،
وتحولت دعايات الإصلاح المزعوم إلى محطات للسخرية والتهكم، وغدت اتهامات النظام
التي يُطلقها أبواقه على مختلف مواقعهم تجاه مختلف فصائل الثورة تُسمع وتؤخذ من
باب قول الشاعر:
وإذا أتتك مذمّتي من ناقصٍ**** فهي الشهادة لي بأني
كامل.
خامسًا: الصدق، إن أجمل ما تتميز بها الثورة السورية صدقها ومصداقيتها... فهي تتحرى ألا يصدر عنها إلا كلام موثق وواقعي، مبتعدة عن أساليب الإطناب والتضخيم، فقلما صدر عنها ما ثبت خلافه، وبذلك أصبح العالم كله يستقي أخبار الثورة عن تنسيقياتها أولاً بأول، وتصدرت مقامًا رفيعًا بسبب صدقها وواقعيتها.
سادسًا: اليقين، كان من
الأمور التي ثبتت الرسول صلى الله عليه وسلم في طريقه الطويل وهو يعمل على تغيير
شامل للمجتمع نحو الأسمى والأفضل.. تأكيد الله له أنه على الحق فما عليه إلا أن
يصبر ويصابر.. ((فاستمسك
بالذي أُوحي إليك إنك على صراط مستقيم)). وقد قذف الله في قلوب الثوار أنهم على يقين
بأنهم محقون في ثورتهم، لأنهم يطلبون العدل والكرامة والحرية، وهم على يقين بأن
النظام على باطل بفساد جلّ مؤسساته، وما رافق هذا الفساد من تدهور خلقي واجتماعي
واقتصادي وثقافي... وهذا اليقين الذي بلغوه جعلهم يتحملون بكل رغبة ما يلاقون من
شتى ألوان العذاب والاضطهاد...
سابعًا: شمولية النشاط: لقد أصبح كل فرد مؤمن بضرورة إسقاط النظام وتغييره إلى نظام
العدل والحرية والكرامة..أصبح جنديًا في جيش الثورة... كل حسب خبرته واستطاعته...
ولم يبق أحد خارج هذه المنظومة الفعالة... حتى الصغار والشيوخ، والأمي والمتعلم،
والنّساء والرجال، والمقيمون والمسافرون، والأغنياء والفقراء، والعجزة وذوو
الاحتياجات الخاصة.. على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم...كل هؤلاء لم يبق واحد منهم
إلا وقد قام برغبة صادقة في تقديم أي عمل لخدمة الثورة ونُصْرتها.
ثامنًا: النظرة إلى الآمال على أنها محققة لا محالة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحفر
الخندق، والأعداء يحيطون به وبمن معه من كل جانب، كان وهو يضرب بالفأس الصخرة يرى
شرر نار يومض.. فيقول على مسمع أصحابه: فُتحت فارس... فتحت الروم... بصيغ الأمر الواقع
المحقق، وهذا يولّدُ في النفوس رغبة جامحة في بذل المستحيل للوصول إلى ذلك وقد كان...
وفعلَ الأمر نفسه مع سراقة بن مالك الذي كان يجري في أثره يوم الهجرة للقبض عليه
وتسليمه لقادة مكة... فوعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بسواري كسرى... يقول ذلك
له بثقة، وأن المسألة مسألة وقت فقط... وهكذا الثوار السوريون اليوم... كل واحد
فيهم موقن بأنه لا يفصله عن دولة العدالة والكرامة والحرية إلا زمن فقط... وهي
قادمة لا ريب في ذلك... وبالتالي فهم يرفضون أي حلول ترقيعية يمكن أن تحول بينهم
وبين تحقيق آمالهم..
تاسعًا: كثرة الأنصار، حين قابل أبو سفيان هرقل سأله في جملة ما سأله عن محمد(صلى الله عليه وسلم) ؛ هل أصحابه ينقصون أم يزيدون؟ فكان جوابه: بل يزيدون.. فقال له: إن كان ما أجبت به حقًا فسيملك صاحبكم موضع قدميّ هاتين!! وها هي الثورة بدأت برجال لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين.. وفي مكان ما... والآن أصبحت بالملايين، وأصبح عدد أمكنة أنشطتها يقارب خمسمائة مكان... يُضافُ إلى ذلك ازدياد عدد المنشقين عن جيش السلطة والتحاقهم بصفوف الجيش السوري الحر...
عاشرًا: التأييد الواضح من خارج سوريا، فكثير من المنظمات الشعبية العربية والإسلامية
والدولية أعلنت تأييدها للثورة، وأخذت تساندها بما تستطيع ماديًا ومعنويًا... هذا
فضلاً عن وجود العديد من الدول الرسمية المؤيدة للثورة وأهدافها.
أخيرًا: تصرفات النظام نفسه؛ وهذه البشارة لا تقل أهمية عما سبقها، فكذبُ إعلام النظام، وغباؤه في معالجة المشكلات، وقمعه الوحشي للناس، من غير تمييز، ونوعية الجهات المؤيدة له، وتخبطه المكشوف لدى التعامل مع الأحداث المتلاحقة، ومحاولاته الفاضحة مع لجنة المراقبين العرب لكسب وقوفهم في صفه؛ كما صرح بذلك المراقب أنور مالك الذي انسحب من المهمة حين رأى ما يندى له الجبين... وأما قاصمة الظهر فهي تلك التي يقترفها أزلام النظام ليل نهار؛ الأمر الذي يُثير غضب الجماهير المؤمنة، ويزيد من حنقهم عليه ... تلك الألفاظ والأفعال التي تمس أهم ما لدى الشعب السوري وأشده حساسية .. ألا وهو دينه وعقيدته... وما أحسب أن أحدًا لا يعلم الأمثلة الكثيرة والمتنوعة على مثل هذه الانتهاكات..وأربأ بهذه السطور أن أضمنها بتلك البذاءات والسخافات.
تلك هي البشائر العشر التي يستحق الشعب السوري
البطل أن يُهنأ بها، لأنه بعد عون الله تعالى هو صانعها ومظهرها الواحدة تلو الأخرى...
إنها ثورة شعب صبر على وعورة الطريق إلى الحق،
وثورة شعب تاق إلى الحرية حتى إذا تذوقها عض عليها بالنواجذ، وثورة شعب عرّى
الباطل وفضحه ومن ثم أصر على إبعاده من مسيرة تقدُّمه الحضاري الكريم، وثورة شعب
رأى خيوط الفجر تلوح في الأفق فأبى إلا أن يحث الخطى إليها ليحولَها إلى نهار مشرق
ليس فيه سحابة كبت أو إذلال أو قهر ... وهو موقن بقدوم ذلك النهار..ويراه بعين
اليقين، ولو طُلب منه أن يصف دقائقه وتفاصيله لفعل...
محمد جميل جانودي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق