في الحياة هدم وبناء, وشتان بينهما, من حيث
الهدف والغاية, وكذلك من حيث الأسلوب والوسيلة.
وبون شاسع بين من يبني ومن يهدم؛فالهدام خبيث,
يفسد الحياة, أما البناء, فصانع للحياة, يحب الخير ويفعله, ويكره من تجارته الهدم ويقاومه.
من هنا نشأت- منذ فجر البشرية- قوتا الهدم
والبناء, واحتدم الصراع بين الخير والشر, والحق والباطل, والفضيلة والرذيلة, وكان لقوى
الهدم جند إبليس من الإنس والجن, ولهم مؤسساتهم, وبصمات فجورهم شاهدة على تخريبهم وفسادهم,
وما فرعون وقوم عاد, إلاّ نماذج من حالات لا تعد ولا تحصى في هذا
المضمار الفسيح الواسع.
فسجل التاريخ الذي لا يرحم, ذكرهم, لكن بالويل
والثبور, والقدح والمذمة, وإن مجرد ذكرهم مدعاة للقرف والاشمئزاز, ذلك لأن حافظة المخزون
الذهني, تحمل في طياتها, معالم نتوء لا يمكن إلا أن يستوقفك, بهذه الروح فيح المرور
على أخبارهم.
أما قوافل النور التي بنت وحضرت وأصلحت وأبدعت,
فشهودهم الحضاري, نتاج خير لجهدهم, وما صنعوا, وعنوان مجد لما رفعوا, وهيكل بر لما
وضعوا.
فبذكرهم تتنزل الرحمة, وباستذكارهم تفوح عطور
الخير, وعندما نقلب صفحات تاريخم, نجد أنفسنا أمام بناء, يدفعنا نحو الرقي, ويحملنا
على المضي بلغة القدوة, حتى نأخذ بما أخذوا, لنصل إلى ما وصلوا إليه دون أن ننس
حاضرنا,
ونلتفت لعصرنا وحاجاته.
أولائك
آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا
يا جرير المجامع
وهكذا يكون المرء بين التزكية والتدسية .(
ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).
ومما لاشك فيه ولا ريب, أن البناء له أساليبه
المتنوعة, وطرائقه المتشعبة, وأطيافه المتعددة, كل في مجاله, وما سخر له, وهذا التنوع
في الأداء, والتشعب في أساليب العطاء, يضفي على الأمر جمالاً, ويمنحه رونقاً أخاذاً,
لولاه لكلت النفس, فسر من أسرار استمرارها هذا الفقه آنف الذكر, وهذا من الواقعية,
والفهم الصحيح, للقضايا والمسائل الحياتية.
ولعل من وسائل البناء, استخدام الكلمة الشعرية,
التي تترك أثرها في أعماق النفس البشرية, وتحركها باتجاه الهدف الذي تريده, وهذا من
سحر البيان, لذا تجد نبينا- عليه الصلاة والسلام- عبر عن حكمة الشعر, وسحر البيان بقوله:
(إن من الشعر لحكمة, وإن من البيان لسحراً)، وقوله:( يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير)،
من هنا تجد أن لكل أمة شعراءها, الذين يتغنى الناس بشعرهم, ويرددونه ربما آلاف السنين,
وهذا بحد ذاته دليل صدق على ما ذكرنا.
فحاجتنا إلى الكلمة الشعرية الهادفة, التي
تتوافر فيها متطلبات الأداء الفني, لا تقل أهمية عن أي وسيلة من الوسائل الأخرى في
هذا الميدان.
وتزداد حاجتنا إليها, عندما تكون منشدة, لأنها
تفعل فعلها في تحريك الهمم, وبعث الأمل, وتهييج المشاعر نحو فعل الخير, والدفع باتجاه
العمل الصالح,
ألا ترى في الاتجاه المقابل, كيف أن بعض الشخصيات
الغنائية الماجنة؛ التي ظهرت في أمتنا, فعلت فعلتها الإفسادية في الأمة!!!!! فأحدثت
ذلك الوهن المرير الذي كان قرة أعين أعداء هذه الأمة.
وبفضل الله تعالى, عندنا شعراء كثر, وأصوات
جميلة, وذوقيات رفيعة, يمكن لها أن تسد الخلل, وتكون سبباً في صناعة مجد من هذا النوع
الذي لا يجوز إهماله.
وثورتنا حاجتها لهذا النوع من الأداء, يدفعنا
أكثر نحو الإسراع بمثل هذا الجهد. فرب أنشودة تلقاها الناس بالقبول تصنع لك أشياء ماكنت
تتوقع لها أن تكون, وما أناشيد القاشوش وما أحدثت من تغيير, عنّا ببعيد.
لذا فإني أدعوا أصحاب الأصوات الجميلة ومنهم
الأخ المبدع عبيدة السوطري؛ إلى عمل ( رابطة منشدي الثورة) على نمط ( رابطة كتاب الثورة)
تضم في عضويتها كل من أنشد للثورة, حتى ينشد لها أكثر, من خلال عمل مؤسسي جماعي متعاون,
يكون سبباً في نجاح أوسع ( ويد الله مع الجماعة) وأنا متأكد أن هذه الرابطة سيكون لها
شأن عظيم في قابل الأيام, وأتمنى أن أرى هذه الرابطة واقعاً ينبض بالحياة في القريب
العاجل بعون الله تعالى وتوفيقه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق