لقد استغرب متابعي الثورة السورية عبر التلفاز
، المشاهد المرعبة التي تأتي عبر الفيديوهات المسربة؛ من خلال مواقع التواصل الاجتماعي؛
حول هجوم الشبيحة على المتظاهرين، والتسابق في نيل شرف الضربة القاضية.
والحق أقول أنهم ذهلوا لغرابة هذا التصرف،
و كمية الحقد الدفين التي يتعامل بها هؤلاء مع شركائهم في الوطن .
وقفت
كثيرا ضمن طابور المندهشين والمستغربين ولم أجد تفسيرا واحدا يبرر لي هذا الجنون الهستيري
عند هذه الفئة.
فرجعت إلى كتب علم النفس ؛ و الارشاد النفسي؛
وعلم الاجتماع؛ وبدأت أغوص في الشعور؛ وما قبل الشعور؛ واللاشعور؛ والشعور الجمعي؛
والغريزة؛ والاندفاع؛ والتعزيز السلبي؛ والتعزيز الايجابي ، حاولت بكل طاقاتي العلمية
الضحلة؛ أن أستنبط سببا واحدا يشفي غليلي؛ وغليل الكثير من الشعوب التي تشاهد المليودراما
السورية، كيف اصبحت تنتج مشاهد لم تكن لتخطر على بال أمهر المخرجين؛ سواء في الداخل
السوري أو خارجه، ولا حتى في هوليود ، ولا حتى عند رعاة البقر والكاوبوي.
منذ فترة وأنا أتابع تباشير الثورة في حلب
، شاهدت الشبيحة وهي تَغير على رجل مسن تنهال عليه بالضرب المبرح فقط لأنه قال (( الله
أكبر)) ، حقيقة ارتعدت من هول المشهد رغم أنني شاهدت أبشع منه خلال مسيرة الثورة السورية
.
و منذ يومين شاهدت نفس المشهد يعاد على أبواب
جامع الرفاعي في كفرسوسة ، ينهال فيه الشبيحة على المصلين ؛ يوسعونهم ضربا ، الكل يتسابق
كي ينال الشرف السامي، بالقضاء على هذا الثورجي؛ المتظاهر؛ المندس؛ السلفي؛ العرعوري؛
الرجعي؛ البندري ؛ القاعدي ، الارهابي ، عميل
الغرب؛ والأنظمة الرجعية؛ واسرائيل .... وأخيرا رجل العصابات المسلحة التي شهد له بها
رئيس بعثة المراقبين العرب.
جال خاطري حول هذه العباءة التي ألبسها هؤلاء
لكل مواطن يطالب بحريته ، فأدركت أن كل تهمة
من هذه التهم وحدها؛ تستحق مئة جلة من جلادي العصابة الأسدية ، لأنها تهز عرش
الطاغية .
وتساءلت كيف تم تحويل مجموعة من فصيلة البشر
، إلى مجرد ذئاب ، مجردة من كل قيمة، حتى من قيم الغابة التي تخضع لها.
مؤخرا : أدركت السر الحقيقي وراء كل ذلك ،
هل تعرفون أنتم ما هو:
لقد تم تزويد الشبيحة ورجال الأمن (بعصي على
العداد )، عصي يوجد بداخلها عداد إلكتروني يحسب بالضربة ، والضربة بليرة ؛ والحسابة
بتحسب.
وفي
نهاية كل يوم تشبيحي يتم تسليم العصي ، إلى الشبيح الأكبر ليتم تصفير العداد ، و مكافأة
الشبيحة على عدد الضربات ، وطبعا باعتبار أن العداد حساس؛ فقد تم تصنيف الضربات حسب
قساوة الضربة ، فمثلا الضربة على الظهر بنصف ليرة ، أما الضربة على الرأس فهي بليرة
كاملة ؛ خاصة إذا إقترنت بدماء مسالة على الوجه.
في هذه اللحظة كنت أقول : كيف ستعيش سورية
مع هذه الفئة من الذئاب ، بعد أن سُحبت الأنسنة من وجدانهم، فهم لا يعرفون معنى لأي
مفردة جيدة في قاموس الانسانية.
والله لو أن رجلا آليا تم برمجته بهذه الصورة
لاستحى من هذا التصرف ، و لفقد برمجته من هول القسوة الوحشية التي يبدو عليها.
إن الكم الهائل من الظلم المتراكم على هذا
الشعب الطيب هو الذي أخرجهم من حالة الرعب الهستيري التي وضعهم الأسد الأب بها منذ
خمسة عقود .
وبالمقابل فإن الكم الهائل من الخوف الهستيري
لهذه الفئة الخارجة عن المألوف ، سواء المتأتية من قبل الطاغية ، أو الخوف المتأتي من قبل الشعب الثائر هي التي أخرجت
هذا الحقد الأعمى عند هؤلاء.
نحن بحاجة حقيقة إلى أطباء نفسيين يعملون جاهدين
لإخراج سورية من هذا العصاب الجمعي الذي أوصلنا إليه الطاغية وأزلامه، وإلا فسوف يتحول
هذا العصاب إلى هستيريا تعصف بكل شيء ، ولن يُستثنى من عواقبها ، بَرٌ أو فاجر.
اللهم سلم بلاد الشام ، واجعل الخير فيهم إلى
يوم القيامة ، وقهم المكر السيئ ، وانشر سلامك ومحبتك ورحمتك على عبادك المكلومين في
هذه البلاد الطاهرة.
آمين يا رب العالمين
الدكتور
حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق