عندما يُعرف الداء تسهل معالجته , ولكل داء
دواء , وبالتالي فإن عصابة الحكم تنشر داءها في سوريا , وهذا الداء والوباء , من الواجب
علينا وعلى كل عاقل في سوريا , أن يسعى لاستئصال هذا الداء قبل استفحاله , مما سيؤدي
بعد زمن , سيقرأ عن دولة تاريخية كان اسمها سوريا , فبوادر ذلك ظهرت جلية وواضحة بعد
الثورة السورية . فعلينا تصور الحالة المستقبلية لسوريا , والمنفذة من قبل العصابة
خطوة خطوة , ونحن نسير وراء هذا مخيرين ومرغمين , مخيرين في انقسام المصالح والمنافع
الوقتية , ومرغمين بسبب العواطف الداخلية , والناتجة عن قساوة الجرائم المرتكبة .
يبدو في الأفق الآتي :
تقسيم سوريا على أسس مذهبية وعرقية , دولة
للعلويين في الساحل , ودولة للدروز , ودولة للأكراد , ودولة للعرب , وقد يزيد عليها
دويلات تنتمي لمحافظات معينة , ودويلات لمذاهب وقوميات أخرى .
هنا نجد أن عصابة الحكم تسعى بشتى الوسائل
, لنشر وباء الحرب الطائفية والعرقية والإثنية , وذلك باستخدام عناصر متطرفة تسعى جاهدة
لبث هذه الأوبئة في المجتمع السوري
وعلى الطرف المقابل نجد نفس الصورة المتطرفة
, عن طريق التهديد والوعيد والإبادة للطرف الآخر , ولو تفحصت خلفية هؤلاء الداعين لذلك
, لوجدت غالبيتهم تابعين لعصابة الاجرام نفسها , مع قلة متطرفة فهي لاتنظر فقط للعلويين
أو باقي الطوائف نظرة تكفير ومحاسبة , وإنما كل من لاينتمي لفكرها فهو مرتد ويصف مع
الآخرين حتى ولو كان سنياً عابداً متعبداً.
عندما نسأل أنفسنا السؤال الآتي :
هل ثورتنا هي ثورة دينية تنتصر
لمذهب السنة ؟
إذا فرضنا جدلاً ذلك , هذا يعني أن ثمانين
بالمائة من الجيش السوري عليه الوقوف مع الثورة, وبالتالي فإن الأكراد والتركمان والشركس
, كلهم مع الثورة , وعلماء السنة ومثقفيها ومفكريها كلهم مع الثورة , يضاف إليها العشائر
السنية , وبالتالي تبقى فئة قليلة لايمكنها الصمود أياماً معدودة مهما بلغت من قوة
, فلو اتبعت هذه الطائفة فقط العصيان المدني لانهارت الدولة في يوم واحد , ففي المناطق
الشرقية من البلاد شبيحة من العشائر السنية , وفي حلب وادلب لها نفس الطابع , وعدد
ماشئت من المناطق في سورية كلها .
في المقابل نجد أصواتاً من الطائفة العلوية
تنادي ضد هذه العصابة , ومنها البيان الذي صدر منذ عدة شهور والموقع من مشائخ الطائفة
, وكذلك بيان أكثر من مائة مثقف من الطائفة ودعمهم للثورة , وهم ضد العصابة الحاكمة
, وأخر بيان كان من قبل مشائخ العشائر العلوية يتبرأوون من هؤلاء المجرمين . ونجد على
المقابل لهؤلاء مشائخ عشائر سنية وعلماء ومثقفين ومدن تهتف لهؤلاء المجرمين وتساندهم
بالمال والرجال والاعلام .
فمن الخطأ القاتل أن يدعي أحداً ما , أن هذه
الثورة دينية أو قومية أو إثنية , وإنما هي فقط ثورة شعبية عبر عنها المتظاهرون بهتاف
رائع (حرية للأبد غصب عنك ياأسد ) أي ثورة ضد نظام حاكم ظالم , تحول النظام عنده لمجموعة
عصابات إجرامية ترتكب كل المحرمات الانسانية , ومن أصغر جنحة لأكبر جنحة وهو القتل
, إن كان يهدد مصالحها وليس وجودها فقط .
إن خطاب الطرفين وتصرفات العصابات الحاكمة
الفئوية والطائفية وتغذيتها ثقافياً وواقعياً , والرد المقابل العكسي , جعل الطائفة
العلوية كلها في بوتقة واحدة , المؤيدة والمعارضة والساكتة , وجعلتهم تلك التصرفات
في وضع لاخلاص منه , الوقوف مع العصابة , لأنها تجد الفناء في حال سقوطها , من الخطاب
الاعلامي التابع للثورة , أقصد المندسين فيها لمصلحة العصابة والمتطرفون فيها , أو
من بعض من تخرج منهم ردات فعل عكسية على جرائم ارتكبت بصورة تريدها العصابة أن تظهر
على هذا الشكل .
وفي معرض الحديث سؤال : الثورة
ضد من ومن يقودها ؟
نجد أن الثورة ليست حزبية , ولا فئوية ولا
عرقية ولا دينية , فالجيش الحر هو في الأساس
من الجيش السوري , خرج عن سيطرة النظام بسبب إجرامه بحق شعبه , الكثيرون في المعارضة
وفي الثورة كانوا من أركان النظام والداعمين له بشكل من الأشكال .
هنا لابد لنا من مخاطبة الآخرين بخطاب يختلف
عما نراه الآن , فنجد مثلاً الأكراد لم يشتركوا بالثورة بثقلهم الثوري , لأن الكثيرون
منهم ينظرون للثورة على أنها عربية , مع أن الكثير من الشهداء الذين سقطوا في الثورة
هم من الأكراد في المناطق السورية المختلفة , والعلوية يرونها سنية ويخافون على مستقبلهم
بعد نجاح الثورة وكذلك بقية الأقليات .
يمكننا كسب الكثير من الداعمين لعصابات الحاكم
, لأنهم يرون في وجوده خطر على الجميع, عن طريق خطاب واحد لايتغير , تعالوا لنسقط
عصابات الاجرام ونبني وطناً للجميع, من خلال الدعوة لتسمية يوم الجمعة وبقية الأسبوع
على سبيل المثال (ثورة شعب ضد نظام مجرم) , أو (جمعة الوحدة الوطنية لاسقاط النظام
) فمن اشترك عندها بالمظاهرات فهو ينتمي للثورة والوطن , ومن لم يشترك فيها فهو موال
لعصابات الاجرام والساعي لتحقيق حرب أهلية وتفتيت سوريا لدول ودويلات ., ويسبقها حملة
إعلانية على نفس الأهداف السابقة الذكر , وهو الامتحان الأخير لكل الفئات الموجودة
في المجتمع السوري .
د.عبدالغني حمدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق