في محاولة من العصابة الأسدية لاستعادة زمام الأمور في
سورية سواء على الصعيد الداخلي أم على الصعيد الدولي، بادر الطاغية بإصدار المرسوم
التشبيحي رقم 10 للعام 2012 القاضي بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة على خلفية الأحداث
التي وقعت منذ تاريخ 15-3-2011 وحتى تاريخ صدور هذا المرسوم.
بعد أن أدرك أن الأمور في الداخل والخارج تسير في عكس
الاتجاه الذي يريد، فالانشقاقات في كتائب الأسد بدأت في الازدياد بطريقة أصبحت
معها اللعبة خطيرة جدا على الكتائب نفسها، فعندما يرسل الطاغية كتائبه إلى منطقة
ما وخاصة المناطق الساخنة، لا يدري أهو يرسل الدعم لكتائبه المنتشرة هناك، أم يرسل
الدعم للجيش السوري الحر.
وعلى الصعيد الإعلامي، بدت خطابات الأسد بهلوانية الطابع،
أفقدته الصفة الرسمية التي أراد أن يبدو من خلالها، خاصة مع تصاعد التظاهرات لدرجة
غير مسبوقة منذ بداية الثورة، فقد سجلت الجمعة الماضية أعلى نقاط تظاهر على الساحة
السورية، إضافة إلى فشل لجنة المراقبين العربية في تنفيذ المهام التي أرسلت من أجلها،
فلم تستطع جهود كتائب الأسد الحثيثة، على إخفاء معالم القتل والعنف الممارس على
المدنيين، بالرغم من استخدام الأسد وعصابته شتى أنواع التضليل الإعلامي والتشبيحي،
ويأتي ذلك بالتزامن مع قرب التحرك العربي والدولي والذي تمثل بتصريحات أمير دولة
قطر بضرورة إرسال قوات عربية، وإعلان نبيل العربي أنه يمكن مناقشة هذا المقترح في
اجتماع وزراء الخارجية العرب القادم في 22 / يناير الجاري.
كل ذلك يأتي متزامنا مع تصريحات بان كيمون أمس أن الأمور في
سورية وصلت إلى حد غير مقبول، وأنه يجب على مجلس الأمن أن يتعامل بجدية مع الموضوع
السوري، وإبداء روسيا استعدادها لبعض التعديلات في القرار المقترح من جانبها في
مجلس الأمن، إضافة إلى طلب الجيش السوري الحر في بيانه أمس الجامعة العربية بتحويل
الملف السوري إلى مجلس الأمن، وطلب حماية المدنيين تحت الفصل السابع، حرصا على
السلم الأهلي، نظرا لأن العصابة السورية لم تنفذ أي من بنود المبادرة العربية .
وبالتالي أصبح لزاما على الطاغية في محاولة لاستعادة زمام
المبادرة أن يتحرك على عدة مسارات، كان أولها إصدار العفو التشبيحي والذي صيغ على
مقاس العصابة الأسدية،
فهو منح عفوا عاما عن الجرائم المرتكبة على خلفية الأحداث والتي
شملت:
الجرائم المنصوص عليها في المواد التالية من قانون العقوبات
الصادر بالمرسوم التشبيحي رقم 148 لعام 1949..
285-286-287-291-294-307-308-327-328.
الجرائم الواردة في المرسوم التشبيحي رقم (54) الصادر بتاريخ
21-4-2011 المتضمن قانون التظاهر السلمي والمعاقب عليها في المواد من 335 إلى 339 من
قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشبيحي رقم 148 لعام 1949.
ولكن في الجمعة القادمة سوف يتظاهر الملايين، إن شاء الله،
وبالتالي لن يشملهم العفو. فهل يقبل الشعب الثائر أن يعود إلى بيته قبل تحقيق
مطالبه .
أيضا جرائم حمل وحيازة الأسلحة والذخائر من قبل المواطنين السوريين
بدون ترخيص المنصوص عليها في قانون العقوبات وفي المرسوم التشبيحي رقم (51) لعام
2001 وتعديلاته ويستفيد من أحكام هذه الفقرة كل من لديه سلاح غير مرخص إذا بادر إلى
تسليمه للسلطات المختصة خلال مدة أقصاها 31-1-2012.
فهل يعقل أن يسلم المواطن سلاحه قبل سحب المظاهر المسلحة من جيش وأمن وشبيحة من
الشوارع . وهذا يعيدنا الى الأحجية التي تقول من أتى قبل الآخر: الدجاجة أم البيضة،
البيضة أم الدجاجة.
وشمل العفو ايضا جرائم النيل من هيبة الدولة والمتعلقة بإضعاف
الشعور القومي وإثارة النعرات العنصرية أو المذهبية ( المواد 285-286-287 ) من قانون
العقوبات، أي كل متظاهر يهتف يلعن روحك يا حافظ على ها الجحش اللي خلفته، أو يهتف
ياه يا أنيسة شو ها الخلفة الخسيسة لا يشمله العفو.
وشمل العفو الاعتداء الذي يستهدف تغيير دستور الدولة بطرق غير
مشروعة المادة 291 من قانون العقوبات، وهذه الجريمة فصلت على مقاس بشار وعصابته
لأنهم اعتدوا على الدستور عندما تم تغيير بعض مواده لتطابق مقاس بشار في عام 2000م.
أيضا شمل العفو الاعتداء الذي يقصد منه منع السلطات القائمة
من ممارسة وظائفها المستمدة من الدستور المادة 294 من قانون العقوبات، وهذا يفترض
أن يستفيد منه شبيحة الأسد، لأنهم يقتلون كل موظف ينطلق من بيته إلى عمله.
وشملت الجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية المادتان(
307-308) من قانون العقوبات .
وأيضا الانتساب إلى الجمعيات ذات الطابع السري اذا كان غرضها
منافياً للقانون المادتان (327-328) من قانون العقوبات .
أيضا شمل العفو كامل العقوبة لمرتكبي جرائم الفرار الداخلي والخارجي
المنصوص عليها في المادتين 100 و101 من قانون العقوبات العسكرية الصادر بالمرسوم التشبيحي
رقم (61) لعام 1950 وتعديلاته.
وطبعا لا يستفيد المتوارون من أحكام هذا العفو العام إلا إذا سلموا أنفسهم خلال مدة
أقصاها 31-1-2012. أي أن العفو لم يشمل كل من تورطوا بالدماء أو التخريب من المتظاهرين. وهذا يعني أن يبادر
الجيش السوري الحر إلى تسليم نفسه وسلاحه، وترك مهمته في الدفاع عن المدنيين في
حمص وادلب ودرعا وحماه ودير الزور والزبداني وغيرها.
والملاحظ أن العفو لم يشمل المادة 282 والتي تتعلق بتحقير
دولة أجنبية أو جيشها أو علمها أو شعارها الوطني علانية، وبالتالي أي متظاهر يحرق
العلم الروسي، أو الصهيوني ( باعتبارها دولة حليفة للنظام)، أو الصين، لا يشمله
العفو.
ايضا العفو لم يشمل المادة ( 373) من قانون
العقوبات والتي تنص ( التحقير بالكلام أو الحركات أو التهديد الذي يوجه، الى موظف
أثناء القيام بوظيفته، أو في معرض قيامه بها، سواء بالكتابة أو بالرسم أو بالكلام،
أو بمخابرة برقية، أو تلفونية، وبالتالي فكل المواطنين السوريين مازالوا مجرمين في
ظل هذا العفو.
ولم يشمل العفو المادة ( 374) الخاصة بتحقير رئيس الدولة، ويلحق
بها المادة (376) المتعلقة بذم أو تحقير المحاكم والهيئات المنظمة أو الجيش أو الإدارات
العامة، وهذا لا يشمل الثوار لأنهم لا يعترفون أصلا بشرعية الطاغية وحكومته .
أيضا لم يشمل العفو المادة (380) المتعلق بازدراء السلطة أو
الاحتجاج على أحد أعمالها، وفهمكم كفاية، فكل من قُتِلَ وفوضَ أمره لله، يعتبر
مخالفا لهذه المادة، لأن أعمال السلطة كلها في هذه الأيام هي القتل والتنكيل للشعب
الثائر.
فكل من عاين قانون العقوبات الأسدي، يعلم أن كل مواطن سوري حتى وإن جلس في منزله
لديه سجل حافل من الجرائم الجاهزة، والتي لا تحتاج إلى إثبات، فكل متظاهر زار فرع
أمن في العشرة شهور الماضية وقّع على ورقة دون أن يقرأها، فيها جميع الجرائم التي
يحتاج إليها النظام للحكم عليه بالإعدام متى شاء.
وكل متظاهر قام بهدم صنم، أو تمزيق صورة للهالك أو الذي سيهلك بإذن الله، فلا يشمله
العفو، لأن الصنم من أملاك دولة.
ألم يسأل هذا الطاغية نفسه: لماذا حمل هذا المواطن سلاحه؟، أليس
للدفاع عن نفسه وأهله وماله و أرضه!.
ما الذي تغير حتى يسلم الثائر سلاحه!، هل يعود الثائر ليسلم
نفسه للموت مرة أخرى؟.
هل الطاغية أوقف القتل وسحب المسلحين من المدن؟، ومنع قتل المدنيين
حتى يسلم الثائر سلاحه !.
هل حقق الطاغية مطالب الشعب من إطلاق الحريات!، وإنهاء المظاهر
المسلحة!، وسحب الجيش والمسلحين من المدن؟، وقبل كل ذلك تسليم السلطة للشعب؟.
كيف يخطر على بال هذا الطاغية أن يعفو عن القتيل، ويترك القاتل
بعيث فسادا في أرض الشام؟.
وأخير نقول أن هذا العفو لا يشمل المتظاهرين، لا من قريب
ولا من بعيد .
فالثائر يعلم إن هو
سلم نفسه اليوم يقتل، وإن لم يسلم نفسه، يبقى مجرما في نظر العصابة.
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق