لقد ثبتت عصمة دم المسلم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة،
فلا يحل لأحد أن يسفك دم مسلم أو يجني على بشرته أو عضو من أعضائه إلا إذا ارتكب
من الجرائم ما يبيح ذلك منه أو يوجبه شرعا، كأن يقتل مؤمناً عمدا ًعدوانا، أو يزني
وهو محصن، أو يترك دينه ويفارق الجماعة، أو يحارب الله ورسوله,
ويسعى في الأرض فساداً، أو نحو ذلك مما
أوجبت الشريعة فيه قصاصاً أو حداً أو تعزيراً.
لذا شرع الله تعالى لصيانة الأنفس القصاص حيث قال تعالى [وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] البقرة:179قال
قتادة:
"جعل الله هذا
القصاص حياة ونكالاً وعظة لأهل السفه والجهل من الناس، وكم من رجل قد همّ بداهية
لولا مخافة القصاص لوقع بها، ولكن الله حجز بالقصاص بعضهم عن بعض، وما أمر الله
بأمر قط إلا وهو أمر صلاح في الدنيا والآخرة، ولا نهى الله عن أمر قط إلا وهو أمر
فساد في الدنيا والدين والله أعلم بالذي يصلح خلقه([1])
وقال تعالى : [وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا
بِالحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا
يُسْرِفْ فِي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا] الإسراء:33 وهذا شامل لكل نفس حرم الله قتلها من صغير وكبير
وذكر وأنثى وحر وعبد ومسلم وكافر له عهد. قال تعالى: [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا
خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ
إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ
وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(92) وَمَنْ
يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ
اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا(93) ]. {النساء}.
وقد ورد أن أبا الدرداء رضي الله عنه
كان في سرية ،
فعمد إلى شعب لقضاء حاجته ، فوجد رجلاً من القوم في غنم له ، فحمل عليه بالسيف،
فقال الرجل: لا إله إلا الله
، فضربه أبو الدرداء بالسيف فقتله ، ثم وجد في نفسه شيئًا ، فأتى النبيَّ صلى الله
عليه وسلم فذكر ذلكَ له، فقال : إنما قالها ليتقي بِها القتل، فقال
: (ألا شققتَ عن قلبه ، فقد أخبرك بلسانه
فلم تصدقه ، فكيف بلا إله إلا الله ؟! فكيف بلا إله إلا الله ؟!) قال أبو الدرداء : حتى تمنيت أن يكون ذلك مبتدأ إسلامي ، فنزل قوله تعالى
: [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ
يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً ] ([2]).
فقد تضمنت الآية الإخبار بعدم جواز إقدام المؤمن على قتل
أخيه المؤمن بأسلوب يستبعد احتمال وقوع ذلك منه إلا أن يكون خطأ ، حتى لكأن صفة
الإيمان منتفية عمن يقتل مؤمنًا متعمدًا، إذ لا ينبغي أن تصدر هذه الجريمة النكراء
ممن يتصف بالإيمان ، لأن إيمانه ـ وهو الحاكم على تصرفه وإرادته ـ يمنعه من ارتكاب
جريمة القتل عمدًا لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع تأكيداً لهذا
المعنى :
" فإن دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ
بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا في شَهْرِكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ
هذا"([3]) وقال صلى الله
عليه وسلم أيضاً: لا
تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض" ([4]).
وعن ابن مسعود رضي
الله عنه قال:
قال صلى الله عليه وسلم :
« لا يَحِلُّ دَمُ
امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي
وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَة»([5]).
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يَزَالَ الْمُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ من دِينِهِ ما لم
يُصِبْ دَمًا حَرَامًا")[6](
بل ورد الوعيد لمن أعان على القتل المحرّم أو كان حاضراً
يستطيع منعه أو الحيلولة دون وقوعه ، أو شجع القاتل على القتل ، فعن أبي هريرة رضي
الله عنه قال:
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم "لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الأَرْضِ
اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّار"([7](
وقال
صلى الله عليه
وسلم
:"سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ"([8]) قال الحافظ ابن حجر:
"لما كان القتال
أشد من السباب لأنه مفض إلى إزهاق الروح عبّر عنه بلفظ أشد من لفظ الفسق وهو
الكفر، ولم يرد حقيقة الكفر التي هي الخروج عن الملة بل أطلق عليه الكفر مبالغة في
التحذير.([9])
فهذا المبدأ الخالد في حقوق الإنسان، لا يبلغه منهجٌ
وضعي، ولا قانون بشري، فالإسلام
يحترم حق الحياة احتراماً
كبيراً، ولا
قيمة لاحترام حق الحياة للإنسان إذا لم يصاحب الاحترامَ تشريع عادل للحياة وتنظيم
لها.لذا فإن الإسلام يرعى حق الإنسان في حفظ حياته لتكون
حياةً كريمة، يحوطها
الأمن والاستقرار والاطمئنان، فهو يبني الأمنَ في نفس المسلم، ثم يبني به حياته،
فيقيم العدل بين الناس على شرع الله، ويبني القوة والسلطان، الذي يقيم شرع الله
في الأرض، ويبني العلاقات الكريمة بين الناس بروابط إيمانية، تحمي الأمن وتصونه،
بل حبب كل ما من شأنه أن يزرع المحبة في النفوس ، وحرم كل ما من شأنه أن يؤدي إلى
الحقد والحسد والبغضاء، فنهى عن التكبر والاستعلاء والبطر والتنابز والهمز واللمز
والسخرية والشتم، ونحوها .
ولم يكتفِ الإسلام بحماية الإنسان وتكريمه حال حياته، بل كفل له الاحترام والتكريم
بعد مماته، ومن هنا أمر بغسله وتكفينه، والصلاة عليه والإسراع في دفنه، ونهى عن
كسر عظمه أو الاعتداء على جثته وإتلافها، روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال:"لا
تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قد أَفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا" ([10])
وفي سنن أبي داود وغيره: أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال
: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا » ([11])
وثبت « أن النبي صلى
الله عليه وسلم نهى عن الجلوس على القبور ". إلى غير ذلك مما يدل على عصمة دم المسلم، ووجوب تكريمه حياً و ميتاً، حتى صار ذلك معلوماً من الدين بالضرورة. بل سد كل ذريعة تؤدي للقتل ، فحرم حمل السلاح على المسلمين
وتوجيهه إليهم حتى لمن كان مازحاً .
فأين من يدعي الإسلام وهو منهم براء من أتباع ابن سبأ
والخميني والسستاني وحسن نصر اللات الذين يعملون ليل نهار على سفك دماء المسلمين في
بلاد الشام بشتى أنواع الأسلحة التي يطلقونها إلى صدور عارية قد مُلأت إيماناً
بالله تعالى وحباً لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم وآل بيته العظام وصحابته الكرام
بل لكل من يوحد الله سبحانه، صدور فيها أنفس امتلأت عزة وكرامة أبت إلا أن تزيل
رواسب أكثر من أربعين عاماً عجافاً ذاقت
خلالها ويلات الذل والقهر والفقر وانتهاك الأعراض وسرقة الأموال ، فأين حظ ومكانة من يقتل هذه الأنفس في الإسلام
؟؟؟؟؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق