بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى
التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
يعد نهر العاصي من نعم الله العظيمة التي أنعمها
على عباده سبحانه وتعالى والتي لا تعد ولا تحصى. وسمي بنهر العاصي لأنه يسير من الجنوب
إلى الشمال وبإتجاه يعاكس فيه بقية الأنهار السورية كدجلة والفرات وغيرها والتي تتجه
من الشمال إلى الجنوب.
فما هو نهر العاصي ؟ وما علاقته بسوريا في
الماضي والحاضر. إنَ هذا النهر يحمل إرثاً تاريخياً وسياسياً وإقتصادياً عظيماً. ذلك
أنه أعطى لسوريا من فيوضاته وبركاته وخيراته
ما يستدعي الوقوف عنده. بل إنَ أهميته العظيمة تكمن أن نشأت على أحواضه ووديانه مدن
ذات حضارة عظيمة وعريقة. وتكتمل هذه الأهمية من خلال المواقف والبطولات التي شهدتها
وتشهدها المحافظات والمدن والقرى والأرياف التي يمر من خلالها أو بمحازاتها.
ينبع
نهر العاصي من نبع الهرمل في سهل البقاع في لبنان ويتجه شمالاً ويخرج من لبنان ليدخل
الأراضي السورية ويستريح النهر قليلاً جنوب غرب حمص ليكوَن بحيرة اسمها "بحيرة
قطينة" ويواصل سيره شمالاً ليمر من غرب مدينة حمص قليلاً مسلماً عليها حيث تستفيد
من مياهه وخيراته. هذه المدينة العظيمة التي تشرفت وتعطرَ ثراها بقبر صحابي جليل من
أبرز وألمع القادة العسكريين في التاريخ الإسلامي وغيره إنه خالد بن الوليد رضي الله
عنه سيف الله المسلول والذي لم تنكس له راية ً قط فأعطى هذا الصحابي البطل من شجاعته
وإيمانه دفعاً لأهالي مدينة حمص الأبطال فإذا بها تقدم الشهداء القافلة تلو القافلة.
رغم كل أنواع المحاصرة والتضييق والقتل والقصف وبكل أنواع الأسلحة ورغم كل ذلك فلا
تبالي ولا تتراجع ولا تستسلم ولذلك نالت وسام " عاصمة الثورة السورية " حياك
الله أيتها المدينة الصامدة الصابرة يا مدينة خالد بن الوليد . حْيا الله باب السباع
وبابا عمرو وكل أحيائك ويتابع النهر مسيره ويتحرك باتجاه الشمال ليرتاح قليلاً عند
مدينة الرستن حيث أنشئ عليها سدٌ إسمه " سد الرستن ". هذه المدينة الباسلة
التي تتعرض ولا تزال لكل أنواع الوحشية والهمجية من قبل نظام بشار المجرم وزبانيته
وأزلامه وتقدم مثالاً حياً لتضحيات وبطولات مدن العاصي، وعطاءً للثورة لا ينبض وفيضاً
من فيوضات الله وكرمه.
وبعد استراحة قليلة يواصل نهر العاصي مسيره
ليخترق مدينة حماة مدينة " أبي الفداء " وما أدراك ما حماة ! حماة التي يشهد
ماضيها وحاضرها على أنها مقبرة للغزاة والطامعين من الصليبين والتتار والافرنسيين وآخرهم
عصابة آُل الأسد.
إنها حماة الأبية الشجاعة. إنها مدينة العلم
والعلماء تحكي بطولات أجدادنا وقد وقفت عام اثنين وثمانين وتسعمائة وألف أمام ذلك الوحش
الكاسر والطاغوت الغادر بعد أن نفث ذلك المقبور الخائن حافظ الأسد كل سمه وحقده عليها
فدَكها بالطائرات والمدفعية والدبابات واستشهد يومها ما بين خمسة وثلاثين – أربعين ألفاً حسب الروايات. وأراد لها ذلك المجرم أن تركع
وأن تستسلم ليجعلها بذلك عبرة لغيرها.
ولكن مدينة " أبي الفداء " حاشاها
أن تركع أو أن تذل لغير الله. فإذا بها تخرج في هذه الثورة المباركة عن بكرة أبيها
تعلن الحرب والإنكار على هذا المجرم بشار ابن القاتل حافظ وتخرج في مظاهرة حاشدة بأكثر
من نصف مليون شخص ورغم كل البطش والتدمير والقتل والاعتقال والتعذيب لم يفت ذلك في
عضدها وقوتها فها هي لا تزال تقدم الشهداء يومياً قرباناً إلى الله ونصرة لدين الله
والحرية. ويخرج العاصي من مدينة أبي الفداء حزيناً كئيباً لما حلَ بأهلها من نكبات ومصائب ومجازر وأهوال فاقت
حدود الوصف. ولم يحدث لمدينة أبداً أن تعرضت لما تعرضت له فكانت كما سمَاها الكتاب
" حماة مأساة العصر " ويدخل بعد خروجه من حماة في مدينة محردة ثمَ في سهل
الغاب حيث تنبسط أراضيه ا لخصبة ما بين منطقة العشارنة وجبل الزاوية شرقاً وجبال اللاذقية
غرباً وقد هبت هذه القرى والأرياف سواء إلى الشرق في جبل الزاوية الأشم أوفي مناطق
وقرى مدينة المعرة الباسلة. وقرى وأرياف سهل الغاب لتعبر عن سخطها واستنكارها الشديد
في وجه النظام اللعين وتعرضت هذه القرى والأرياف لما تعرضت له باقي المدن السورية حتى
الحيوانات لم تسلم من شرورهم فقاموا بمجزرة جمع الحمير وقتلها بالرصاص ضمن ما يسمى
" مجزرة الحمير " وبعد أن يخرج النهر من منطقة سهل الغاب والتي يطلق عليه
في الجزء الشمالي منه " سهل الروج" أيضاً يدخل النهر العظيم مدينة
" جسر الشغور " هذه المدينة التي كان من نصيبها أن ينالها وينال أهلها من
النكبات والويلات في الثمانينيات وفي هذه الثورة المباركة فضلاً عن القرى التابعة لها
كل ألوان البطش و التنكيل والتهجير. بوركت يا محافظة إدلب وأنت تقدمين الواجب عليك
في قرى جبل الزاوية والمعرة وسهل الغاب وبقية القرى والأرياف التابعة لك ليكون لك شرف
المشاركة الفعالة في هذه الثورة كما كانت كذلك في ثورة الثمانينيات.وبعد خروج نهر العاصي
من منطقة جسر الشغور يدخل الأراضي التركية ليصب في خليج السويدية في البحر المتوسط.
وينهي رحلته الطويلة المليئة بالمصاعب والمتاعب والمنعطفات ليستريح بعد أن يكون قد
قطع مسافة تزيد عن ثلاثمائة كيلومتر 0رحلة طويلة وشاقة أعطى فيها النهر من كرمه وجوده
وبركاته للناس الكثير الكثير تمثلت في أراضي
خصبة تنبسط على جانبيه وبساتين كثيرة وزروع وثمار أحياها بمائه. ومخلوقات كثيرة من
البشر وغيرهم أطفأ لهيب عطشهم فضلاً عن المشاريع الكثيرة التي أنشئت على جانبيه.
عذراً : أيها النهر العظيم لقد سمحت لنفسي
أن أتحدث باسمك وعن ماضيك وحاضرك وأنت تشهد أناساً مررت بديارهم ولطالما امتزجت مياهك
العذبة بدموع الثكالى واليتامى والأرامل وبدماء الشهداء الأخيار الذين سقطوا على جوانبك
وبالأمس القريب كانوا يجلسون على ضفتيك يمتعون أنظارهم بمنظرك الجميل ويأكلون من خيراتك
الكثيرة إذ بهم اليوم يسقطون شهداء طلباً للحرية والكرامة ودفاعاً عن دينهم على يد
تلك العصابة الماجنة المارقة من آل الأسد وأعوانهم.
أيها النهر الكريم: أنت سعيد جداً بما قدمته
من عطاء وخيرات لكل تلك المدن والأرياف التي مررت بها من جهة,وأنت من جهة ثانية حزين
كئيب لما حلَ بمدنك وأريافك وأهلها لقد راعك ما شاهدته أيها النهر من الظلم والقتل
للأبرياء والمظلومين ولو قدَر لك النطق لكنت شاهداً على جرائم أولئك القتلة والمجرمين
ومن وقف معهم من المنافقين ممن باعوا دينهم وخانوا أماناتهم. وعذراً إليك مرة أخرى
نهر العاصي فلعلي قصرت في حقك وفي بيان ما تفضلت به من عطاء لبلدي الحبيب سوريا.معذرة
أبناء وطني جميعاً معذرة لكل الشعب السوري بمدنه وقراه وأريافه التي وقفت في وجه النظام
المجرم حيَا الله مدن الفرات كلها ومدن بردى ودرعا وبانياس واللاذقية وريف دمشق وريف
حلب وإدلب وجبل الزاوية وكل سوريا الغالية وعلى أمل النصر القريب إن شاء الله وأن نلتقي
بكم على تراب وطننا الغالي وقد تكللت هاماتكم بالنصر والفرج والثأر لديننا وكل شهدائنا
والمظلومين آملين من الله سبحانه أن نقتص من ذلك الجزار الطاغية بإسقاطه أو قتله هو
وأعوانه أو محاكمته محاكمة عادلة تشفي صدور قوم مؤمنين " ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريباً
" صدق الله العظيم.
والله أكبر ولله الحمد و" سبحانك اللهم
وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. في 3 / 11 / 2011.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق