قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى
( 59 طه ) .. هكذا استجاب موسى - عليه السلام - لمنازلة الفرعون وآله ، تحدى حق قوتهم
بقوة حقه و لتكون قصة كل زمان و مكان . و اليوم يقوم النظام الجمهوراثي السوري باستلهام
تلك التعاسة الرمسيسية ، من خلال حشر الحشود المؤيدة له كرها و طوعا ، فيهتفون للمستبد
مصاص الدماء ويصفقون للصوص والمزورين ، بينما تعمد الدعاية لتسويق هذه المسرحيات و
ترويجها واستقوالها و البناء عليها ، وهو ما فعله القذافي ومن قبله بعث العراق و الأنظمة
الشرقية الآفلة ، ومن شب على ( الفرعنة ) شاب عليها.
تعتبر ساحة ( السبع بحرات ) من أوسع وأشهر
ميادين دمشق الفيحاء ، و يتكرر هذا المسمى في العديد من المدن السورية ، و قد اختارها
النظام لسهولة السيطرة الأمنية والإعلامية عليها . وتكاد تكون مسيراته و مظاهراته
( المؤيدة ) شبه أسبوعية فيها ، مما يتطلب تذكيرا عاجلا بآلية تشكيلها و حبكها ، تجلية
للحقيقة و تجنيبا لها من التدليس و التفيهق و الأبلسة ! إن الخطوة الأولى في هذه المليونيات
الزائفة تبدأ بأمر عمليات يصدر عن أحد الفروع المخابراتية المتخصصة والمقربة من مؤسسة
القصر ، ليصل بالتسلسل إلى مكتب القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي ، والذي
بدوره يعممه على رئاسة الوزراء و المحافظين و الأجهزة التنفيذية المخولة
و منذ أن نصب الحزب نفسه ( قائدا ) للدولة
و المجتمع ، كما في المادة الثامنة من دستور الحركة التصحيحية للأسد الأب ، منح لقياداته
و أنصاره قانونية الاستحواذ على مجمل المناشط و التجمعات السياسية و الاقتصادية و المدنية
و التغول فيها ، فكان هناك الاتحاد النسائي واتحاد شبيبة الثورة واتحادات الطلبة و
العمال و الفلاحين والقضاة و الخريجين ، و هيئات التدريب الجامعي و جيش الشعب و طلائع
البعث . كما وضع يده الطويلة على مختلف النقابات المهنية و مؤسسات النفع العام ، و
ذلك كله في إطارات تنظيمية محصرنة و خلايا هرمية متوالية ذات مرجعية محددة وهو ما يسمى
في القاموس السوري بالدائرة الضيقة التي تنتج القرارات و السياسات من فوق . و تقدر
بعض الأوساط عدد المنتمين لحزب البعث و توابعه بحوالي خمسة ملايين عضو عامل و نصير
، يتوزعون على عموم المحافظات و النواحي و المديريات .. و إذا ما أضفنا لهؤلاء ( المسيرين
) غالبية موظفي الدولة في بلد اشتراكي الوسائل و الهياكل و الأساليب ، و كذلك أعضاء
الجيش و القوات المسلحة و الأجهزة الأمنية و المخابراتية و من يطلق عليهم ( الشبيحة
) من قطاع الطرق و أرباب السوابق ، فإن النظام الحالي يستطيع التحكم بإرادة و مصير
50 % تقريبا من الشعب السوري البالغ تعداده 24 مليون نسمة . و يضاف إلى ذلك بعض سواد
العراق من جيش المهدي و بعض أنصاره اللبنانيين من حزب الله الشيعي ، حيث يحشر منهم
حاجته تحت طائلة المسؤولية الشخصية المباشرة
لكل مشارك مفترض ، كأن يتم مصادرة بطاقته والتوقيع على استلامها في الساحة ، أو مواجهة
المجهول و الفصل من الوظيفة و التنكيل الجسدي و النفسي ، فيضطر الناس للخروج رغما عنهم
و خوفا من الأسوأ و تطلق الشعارات البراقة و ترفع اللافتات الطنانة ، في رحلة بالغة
الخواء و عديمة الإنسانية و الأخلاق
و العجيب أن الشعب السوري يدرك حقيقة هذا السحر
و هذا النفاق الممجوج ، دون أن يستحي النظام من فعلته بل يتخذ منها ذريعة للمزيد من الأوهام و الأباطيل
الترويجية ! و مؤخرا رأينا كيف يتبرأ أعضاء البعث في حوران و الرستن من ذلك التورط
، إلا أن عتاة الديكتاتورية لا يتورعون ولا يرتدعون ولو بثوا فيلما مختلقا ضمن مؤتمر
وزير الخارجية وليد المعلم ، ولو قاموا بارتكاب تفجيرات دمشق في حي كفر سوسة ليسوقوا
أنفسهم كضحايا مستضعفين ، و لو .. ولو .. ولو
و لمواجهة اتساع رقعة الاحتجاجات زادت وتيرة
التظاهرات المؤيدة بإخراجها الرديء ، و باتت ملاذا و فرصة للفارغين و المراهقين من
الجنسين ، يستغلونها للتعارف و التواصل المشرع الأبواب والنوافذ . تصاحبها حفلات موسيقية
صاخبة يستخدم فيها الطبل و الزمر ، و تباركها بعض العمائم المحسوبة على المشيخة المشوشة
و التدين المنحرف و الموظف
إنها مهزلة هذه الأيام في عاصمة بني مروان
، و إرهاصات ما قبل الفجر القادم
عبد الله زنجير - كاتب سوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق