لقد ذكرت في مقالي " الوعي الحركي للمؤامرة
على سوريا" أن هناك مؤامرات تحاك ضد الثورة، وأوكد هنا أن الثورة السورية لا تواجه
طاغوت الشام فقط، وإنما تواجه أعداء الحرية في كل الأرض، الحرية الحقيقية التي تنقل
الإنسان من عبودية العباد والكراسي والمناصب والإغراءات إلى عبودية رب العباد الخالق
الرازق.
إن ما تلقاه الثورة في سوريا وهي جزء من بلاد
الشام يعود إلى أهميتها الدينية والجغرافية
والإستراتيجية، ولهذا تختلف هذه الثورة عن ثورة تونس وليبيا ومصر، ولذا لا نعجب ان
ينصب عليها البلاء والمحن والمؤامرات من عدة جهات : من النظام الطاغي وزبانيته وشبيحته، ومن الغرب ( أمريكا وأوربا ) : فأمريكا وأوربا مع
النظام إلى أن تجد البديل الذي يتوافق مع مصالحها، في المنطقة العربية وخاصة من يحفظ
لها امن وحياة السرطان الإسرائيلي كما حافظ عليها النظام الفاشي، ومن الشرق ( إيران
وروسيا والصين ) دعما بكافة أشكال الدعم اللوجيستي والأمني، ومن بعض إخوان الثوار وجيرانهم
الذين يعيشون معهم تحت سقف الوطن، والدول العربية ( الجامعة العربية) يخذلونهم ويثبطونهم،
ويرجفون في الإعلام والفضائيات ويعوقونهم عن السير، ويمهلون النظام.
ان الثورة السورية تتعرض لعداوة هذه القوى
الداخلية والخارجية في كل خطوة من خطواتها، وكل تحرك من تحركاتها سواء بالقتل والاعتقال
والقصف او بالتجاهل لما يحدث في داخل سوريا، والانتظار لمن تكون له الغلبة، او بالتسخيف
والتثبيط، او بالتقارير المزورة الكاذبة، او بالمفاوضات الخاضعة للغرب او للشرق.
ومن
هنا يتبن ان نجاح هذه الثورة المباركة ليس مفروشا بالأزهار والورد، بل هو مفروش بالأشواك
والآلام والدماء، ولذا يجب على الثوار أن يعوا تماما معنى ثورتهم وأهميتها بالنسبة
إلى سوريا والى العالم، فالعالم لن يدعهم ينجحوا في ثورتهم بكل سهولة، فسوريا تختلف
عن تونس وعن ليبيا وأيضا عن مصر لما لها من امتدادات في العراق ولبنان وفلسطين والأردن
وتركيا، مما يتطلب من الثورة، أن تبذل جهدا مضاعفا وصبرا جميلا، وان تكون على وعى سياسى
فائق، ووعى فكرى متعمق، منتبهة إلى ما يحاك حولها من مؤامرات ومؤتمرات ليتحكموا بها
وفق مصالحهم وسياساتهم في المنطقة، ولهذا من أجل ذلك فهي في حاجة إلى النفس الطويل
الذي لا يتعب من طول الطريق.
إن الثورة السورية لن تلقى سندا لا من روسيا
ولا من أمريكا لا من الشرق ولا من الغرب وإنما سند الثورة الحقيقي من الداخل، فالثوار بكافة طوائفهم وأعمارهم وأصنافهم وألوانهم،
السلميين والمنشقين من الجيش هم سندها.
وهنا أخشى على الجيش الاستعجال في إظهار قوتهم،
سواء في المظاهرات، أو في الدخول في قضايا سياسية تشتت أمرها، فالثورة ليست بحاجة إلى
استعراض العضلات في الوقت الراهن بل تحتاج إلى استكمال العدة والتمكين، حتى لا تنكشف
قوتها وتحركاتها للنظام الطاغي فيضربها شر ضربة، ويجب عليها أن لا تكشف أوراقها للخارج
فالغرب والشرق لا يفرحه هذا الانشقاق، وهذا البناء الجديد للجيش الحر.
إن الثورة السورية أمام منعطف خطير، وعلى الثوار
وعلى العلماء وعلى الناشطين من أهل سوريا ومن أهل الشام أن يستشعر هذه النعمة انه جعله
من أهل الشام، فيجب عليهم أن لا يجعلوا أحدا غيرهم يقطف ثمرة تضحياتهم ودمائهم، أو
أن يسلب البساط من تحت أقدامهم.
إن حجم الانحراف الذي وقع فيه الشعب السوري
أضخم بكثير مما يتصوره الكثيرون، وأهم الانحرافات فساد مفهوم لا له إلا الله. وهو أهم
المفاهيم الرئيسية للإسلام، فالله هو الرازق وهو الخالق، وتغيير هذه الحالة لدى البقية
من الشعب السوري وإرجاعها إلى حقيقة وجودها في الحياة أمر لا يتم بالسهولة وإنما يحتاج
إلى تبيين الحقائق المجهولة من الإسلام، وان النظام الطاغي أفسد السلوك وافسد التصور
لقيمة الإنسان وكرامته وحريته.
وهنا يأتي دور الدعاة فأين هم من بيان الحقيقة
وإزالة الظلمات عن التيه الذي يجتاح الإنسان في سوريا لكي يحيا عزيزا كريما حرا، فيتعلم
كيف يعيش ؟ ولماذا يعيش ؟ ولمن يعيش ؟ فالنظام
زائل، والحياة تسير إلى الأمام ولا تعود إلى الخلف، وعليهم الالتحاق بركب الثورة قبل
أن لا ينفع الندم. فتخاذلهم طعنة لأنفسهم قبل أن تكون طعنة للثورة وللوطن ، وصمتهم
قبر لهم لو كانوا يعلمون.
وان الشعب السوري واحد بطوائفه وتعدده فقد
عاش في ظل الحياة الإسلامية في ود وسلام، ولم يمثل مشكلة في تاريخ سوريا إلا في حالات
استثنائية وقعت أثناء ضعف الدولة العثمانية عن طريق أذيال ودسائس وتأمر الدول الأوربية،
وعندما احتلت فرنسا سوريا لم تخرج صاغرة إلا حين هب الشعب السوري بكافة تنوعه وطوائفه
في ثورته ضد الاحتلال.
ورغم هذا الإصرار العنيف على ضرب الثورة السورية
لإبادتها أو تغيير مسارها إلا أن الخير كل الخير في هذه الهجمة الشرسة، إن النظام وأسياده
في الغرب والشرق يعملون بحماقة شديدة ضد مصالحهم، فالذي يقف ضد الثورة لن يكون غدا
كمن وقف مع الثورة !! وكل يوم ولله الحمد تزداد الثورة اتساعا وتمددا، وتضخ فيها دماء
جديدة من الشباب والشابات والرجال والنساء، ويحدث ما لا يحسب النظام حسابه في زيادة
عدد النقاط الثائرة وينطلق الثوار وقد استوى الموت والحياة لديهم في حين يظن انه يستطيع
القضاء على الثورة بالقهر والتعذيب.
إن محاولات النظام البائسة لإبادة الثورة وإخمادها،
ومحاولة الغرب والشرق تغيير مسارها لن تكون نتيجته إلا إخراج جيل صلب، وعنيد وأطول
نفسا وإدراكا ووعيا بحقيقة ما يجري حوله.
وتلك سنة ربانية يجريها الله من خلال حماقات
الطغاة في كل التاريخ :
﴿ وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا
وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ
مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ
لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا
مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ ( آل عمران : 139 –
142.)
إن هذه الثورة أمانة في أعناقكم أيها الثوار،
فأدوا الأمانة، فعيون العالم بكافة طوائفه وملله ونحله، لا تزال تراقبكم وتنظر إلى
أين أنتم سائرون !!
واعرفوا قدر أنفسكم وقدر المنزلة التي أعطاكم
الله إياها، " طوبى للشام " ثم انظروا ماذا أنتم فاعلون ﴿ وَعَدَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي
ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي
لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.(النور
: 23)
واليكم هذه اليد الحانية التي يمدها إليكم
سيد قطب رحمه الله حاملا صفحة النصر منقوشا فيها بماء الذهب من كتابه معركتنا مع اليهود
: " إن علائم النصر تلوح من وراء الشدائد التي تواجهنا في هذه الأيام، ومتى انتصرنا
على أنفسنا وعلى شهواتنا وعلى مطامعنا الغريبة في هذه الأرض، ومتى تطلعت أبصارنا إلى
أهداف أعلى من منافع الأفراد ولذائذ الأفراد.
متى يتم هذا كله فالنصر قريب والشدة لا تصنع
شيئا إلا أن تصهر وإلا أن تطهر وإلا أن تخلق الرجال والأبطال.
إن القراصنة والمحتلين لم يغلبونا بالقوة ولقد
غُلبنا من داخل أنفسنا ومن داخل صفوفنا"
أخي
فامض لا تلتفت للوراء طريقـك قد خضبته الدماء
ولا
تلتفت هاهنـا أو هناك ولا تتطلع لغيـر السمـاء
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق