كثرت في الآونة الأخيرة الانتقادات الموجهة
للمجلس الوطني السوري، وزادت حدة ولهجة بعض المنتقدين، لتأخذ منحى آخر، بعيداً عن آهداف
النقد من تصويب وتقويم وتوجيه، لتصل في بعض الأحيان، لدرجة التشكيك بالنوايا والاتهام
والتخوين في الهدف والمقصد.
وبدأت بعض الأصوات تنادي بسحب الثقة الممنوحة
للمجلس، داعية لبناء هيكلية جديدة للمعارضة السورية.
هذه الانتقادات ومهما كانت الدوافع من ورائها،
حسنة تهدف الاصلاح والتقويم، أم مغرضة ،ذات أهداف مبطنة وخفية، فإن مجرد المطالبة بهيكلية
جديدة بديلة عن هذا المجلس، هوتفكير للعودة للمربع الأول، وهي برأيي انتكاسة للثورة،
وعرقلة للمسيرة السياسية ممثلة بالمعارضة السورية. حيث أن الواقع الملموس، والمرحلة
الحالية لن تستطيع-مهما كنا متفائلين-أن تفرز تشكيلة جديدة مغايرة بشكل أفضل لما هو
موجود حالياً.
هذه الانتقادات أفقدت المجلس بريقه ولمعانه،
وأفقدته أيضاً التعاطف والدعم والتأييد الذين نالهما في بداية تشكله، وجعلته في موقع
المدافع عن نفسه والمتهم بأقواله وأفعاله، والمطالب بعمل الكثير لتوضيح تصرفاته وتحركاته
لكي يستعيد مكانته في القيادة والتوجيه.
فأين يقع الخلل يا ترى؟ هل هو بأداء المجلس،
أم بأعضائه؟ أم بالنقد وبمن ينتقده؟ أم بالوضع
المحيط به والتحديات التي تواجهه؟
مما لا شك فيه أن المجلس ولد نتيجة لضرورة
كانت ماسة وملحة وضرورية، ومما لا شك فيه أن التشكيل، كان على أساس التوافق، والتعارف
والكتل المشاركة التي بدأت تتعارف على بعضها بعد هذه الثورة . هذه الحالة الاستثنائية
ربما لم تسمح بدخول كثير من الأشخاص الذين يرون الأحقية بأنفسهم ، و سمحت أيضاً لتواجد
بعض الاعضاء مما قد يرى البعض عدم أحقيتهم بالتمثيل والتواجد في المجلس .هذه حقيقة
أولى.
لكن إستحالة وجود صناديق الاقتراع، لكي يتم
الإختيار وفق معايير العملية الديمقراطية، وعدم وجود أي وسيلة أخرى للاختيار والتمثيل،
وضرورة المرحلة الاستثنائية التي تمر بها الثورة السورية،لم يكن هناك من طريقة بديلة
ثانية لفرز تشكيلة تلبي رغبات كل المنتقدين والمعترضين، وكان هذا أفضل ما يمكن عمله.وهذه
حقيقة ثانية.
وبنظرة واقعية حيادية ، نستطيع القول أن أغلب
وجوه المعارضة -وليست كلها- هي ممثلة في هذا المجلس بشكل يوفي بالغرض الحالي، ويؤمن
النسبية الكافية لكي يتحرك هذا المجلس، ويتكلم بأسم الشعب السوري وممثلاً للثورة السورية،
خاصة بعد أن نال ثقة الشارع الثائر، حيث قال الشعب السوري كلمته في جمعة المجلس الوطني
يمثلني.وهذه حقيقة ثالثة.
وهنا يجب أن لا ننسى أن النقد هو
اساس النجاح، وعلينا أن لا نطلب معارضة تخشى النقد ، بل يجب أخذ النقد مأخذ الجد، وأعتبار
كل ما يكتب بالصحافة والاعلام من نقد واعتراض هما السور الذي يحمي المجلس من الانحراف
عن مسيره الوطني، ولكي يظل صدى الثورة السورية، وممثلاً لها بالخارج . وهذه حقيقة رابعة.
لكن عندما يكون الهدف هو الهدم فهذه هي البلية،
وعندما يكون العمل على إعطابه فهذا هو الخطأ.
والصحيح هو تفعيله ونقده النقد
البناء، التفعيل لا التعطيل هو ما يلزم اليوم.
وبنظرة تفحصية للمنتقدين للمجلس الذين هم داعمين
ومؤيدين للثورة السورية نجد:
1-داعم ومؤيد للمجلس رغم تحفظه على نقاط عديدة ولكنه يرى ان المرحلة
الحالية هي مرحلة التعاضد والتعاون بما هو متاح وموجود لتحقيق الهدف وإسقاط النظام.
يشارك بكل الفعاليات ويقدم كل ما يستطيع من دعم، يؤجل النقد والاعتراض ، وإن انتقد
أجاد وأوجز بل يكون نقده هو أقرب للنصيحة والتوجيه.
2- محجم عن الدعم ، وسلبي التعامل مع المجلس بحجج ان المجلس لم يحقق
أي إنجاز ، يصر أن هذه الهيكلية والتركيبة لا يمكن لها أن تقدم أي شيئ، لا يرى الخير
ما لم يتصدر هو القيادة ، يريد إرجاع المجلس والعملية السياسية للمربع الاول ، همه
ليس أكل العنب بل هو قتل الناطور .
3-منتقد لمجرد النقد ، يريد تغطية تقصير ذاته بلوم الآخرين وإظهارهم
بدور المقصرين أيضاً حتى يريح ضميره ، حيث عجز عن ذلك بالتفاعل الايجابي وتقديم ما
ينفع الثورة. اذا سألته عن تفاعله وتضحياته وعمله أجابك باتهام الآخرين الذين هم شماعته
الوحيدة لتبرير عجزه وتخاذله. رضي أن يكون من القواعد والخوالف، ثبطهم الله بتخاذلهم
فعلينا أن نحذرهم والابتعاد عنهم.
والأخطر من ذلك كله هو فقدان الثقة بالمجلس
من قبل أعضاءه المنتسبين له، فبينما أكثر المنتقدين تشدداً نجدهم يعترفون بضرورة المحافظة
على وجود المجلس مهما كان ضعفه وترهله واضحا للجميع. نجد بعض أعضاء المجلس هم أكثر
الناس زهداً به واستعداداً للتفريط به، وكان الأولى بهؤلاء قبل غيرهم العمل الجاد والدؤوب
والتعب والسهر للمحافظة على سمعة هذا المجلس ، وحمايته من الانهيار الذي سيكون في حال
حدوثه ، إنهيار لكثير من المكاسب السياسية والانجازات التي لم يكن الوصول لها بسهولة
وبدون تعب كما يتوهم البعض، عندها أخشى أن ينطبق علينا القول أُكلت يوم أُكل الثور
الأبيض.
ومن هنا يقع العبء الأكبر على أعضاء المجلس
الوطني لاستيعاب هذه الاصوات مهما كانت لاذعة وشديدة اللهجة لتحويلها لطاقات إيجابية
مفيدة داعمة للثورة والمجلس.
نعم التفعيل لا التعطيل هو ما نحتاجه في هذه
المرحلة المفصلية الحرجة...أهدافنا واضحة ومحددة هي نصرة الثورة ودعم مطالب الثوار
بكل قوة وتصميم. علينا أن نكون واقعيين وأن نتعلم ضبط أحاسيسنا في اقوالنا وأفعالنا
وأن تكون نظرتنا واعية وشاملة وملمة لكل ما يدور حولنا...المجلس الوطني تشكل في فترة
حرجة كانت هناك حاجة ماسة وضرورة ملحة لتشكيله..وقد نال التأييد-الكافي حسب الفترة
الحالية- وأصبح واقع لا يمكن تجاهله أو تجاوزه.. وأي نقد يطالب بإعادة تشكيل هيكلية
جديدة أظنه ضرب من الخيال وسيعيدنا للمربع الاول الذي لم نخرج منه إلا بشق الأنفس..
وواهم من يظن أنه من السهولة الامكان بتشكيل هيكلية جديدة للمعارضة مغايرة لما هو موجود...وذلك للتعقيدات
والتكتلات والاطراف الموجودة على أرض الواقع...
نعم هناك مآخذ كثيرة وعديدة على تشكيل المجلس
وعلى هيكليته وعلى عمله..وعلينا أن نقوم بالنقد البناء وإبداء الحلول وطرح الإقتراحات
لتقويم عمله ومراقبته وحمايته من الإنحراف عن مبادئ الثورة والمطالب الشعبية.
برأيي وجود الاحساس لدى الكثيرين بأنهم غير
ممثليين بالمجلس -وهذا برأيي ايضاً لعدم وجود تيارات واحزاب وتشكيلات تضم كل المعارضين-
يجعل النقد أحيانا كثيرة يتخذ منحى غير النصيحة والتقويم، يبتعد للتخوين وينصب على
نقض المجلس لا نقده.
ومن هنا على أعضاء المجلس الوطني -وأنا عضو
فيه- أن يتعلموا كيف يتواصلون مع كل تلك الأصوات الوطنية -التي تستحق أن تكون في المجلس-
وعلى تلك الأصوات الغيورة أيضاً أن تثبت أن همها ليس دخول المجلس إنما هو خدمة الثورة
السورية، عليهم توضيد أنفسهم وترويضها على التأقلم بالمشاركة من خارج المجلس ولا يكون
هذا بالنقد والاقوال فقط بل بالاعمال والتفاعل الإيجابي والمشاركة الفعلية.
على الجميع أن لا ينسى أننا نعيش
مرحلة مخاض وفرز للأشخاص والجماعات والتكتلات.. ولا زلنا في بداية الطريق.. وعلى الجميع
تجاوز الذات والأنا المرضية وتقديم المصلحة العامة على الحظوظ والمنافع الشخصية..وبعد
هذه المرحلة المؤقتة سيكون هناك حياة جديدة ستتسع للجميع وعندما يكون هناك صناديق الاقتراع
وتصويت الشعب، هناك سيكون الفرز الحقيقي والتمثيل الصحيح..لكننا مستعجلون...
د. مصطفى الحاج حامد
طبيب وكاتب
drmh2009@hotmail.com
هذا كلام رائع وواقعي حري بكل مخلص لهذه الثورة ينظر بمنظار الواقع والمعطيات في ظل تخاذل القريب والبعيد عن النصرة ، فلم يبق لكل وطني مخلص إلا أن يعمل ما استطاع لنصرة الثورة ودعم هذا المجلس لأنه لا يوجد حتى الآن مقر له ودعم مادي ومعنوي قاتقوا الله أيها المخذلون وأوقدوا شمعة بدل أن تلعنوا الظلام
ردحذف