بعد أن انتهى الغرب من تصريحاته عن قرب سقوط الأسد
وانتصار المعارضة القريب ؛ استشعر النظام بقوة التصريحات وتأثيرها على مؤيديه
وخاصة تصريح حليفه نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف والذي تبرأت روسيا منه
لاحقا " باحتمالية انتصار المعارضة" ، تلاها طبعا تصريحات رئيس وكالة المخابرات
الألمانية الخارجية جرهارد شيندلر بأن "حكومة الرئيس السوري بشار الأسد في مراحلها
الأخيرة"، وأنها "لن تتمكَّن من البقاء مع سقوط المزيد من المواقع في أيدي
المعارضة المسلحة".
تلتها تصريحات وزير الخارجية الفرنسي فابيوس بأن: "انهيار
النظام السوري أصبح وشيكا" في خبر عاجل نقلته رويترز.
أردفه بالقول "إنّ المجتمع الدولي لم يكن يحتاج الى
تصريحات الشرع ليتأكد من أنّ الاسد انتهى".
كل هذه التصريحات وغيرها الكثير في اليومين الأخيرين استدعى
مبادرة من داخل النظام على لسان نائبه فاروق الشرع من خلال طرحه تنازلات وصفها بالتسوية
التاريخية.
تتضمن "وقف كل أشكال العنف وحكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات
واسعة".
وتعهد بان تتم التسوية برعاية دول اقليمية أساسية وأعضاء
مجلس الأمن"، ولم يوضح الشرع دور الاسد سوى تلميحات بان صلاحياته ستقلص لصالح
حكومة الوحدة الوطنية.
ولمن يختبر العمل السياسي للمسؤولين السوريين يدرك أن
الشرع لا يمكنه الادلاء بأي تصريح بعيدا عن أعين الرقيب ، وأن تصريحه هذا جاء
بإيحاء من الأسد نفسه ومن الدول الراعية لنظامه بهدف اعادة خلط الأوراق السياسية
بعد الاعتراف الكبير الذي حصل عليه الائتلاف الوطني السوري في المغرب ، وبالتالي
اصبح هناك متغير سياسي جديد على الساحة السورية وجب التعامل معه بطريقة براغماتية.
وبالتالي يجب أن تفهم تصريحات الشرع في هذا السياق وأن
لا تعطى أكثر من مؤشر على أن وضع الأسد بات حرجا سياسيا وعسكريا سواء داخل سورية
تمثل في التقدم الاستراتيجي لعمليات الجيش الحر في حلب وريف دمشق ودير الزور وادلب
وأخيرا في ريف حماه ودرعا، هذا من جهة وفشل الحكومة السورية في القيام بوظائفها
سواء في المدن المحررة أو المدن التي مازالت لها السيطرة الأمنية والميدانية عليها
و قد ظهر هذا في ازمة الخبز والغاز والمحروقات من جهة أخرى.
إن أهم ما يقرأ من تصريحات الشرع هو اعترافه إن نظام الأسد
وكذلك المعارضة غير قادرين على حسم الأمور عسكريا في الصراع الدائر في سوريا منذ
21 شهرا. حيث قال “أن ما تقوم به قوات الأمن ووحدات الجيش لن يحقق الحسم المطلوب.”
و أن “كل يوم يمر يبتعد الحل عسكرياً وسياسياً. يجب أن نكون
في موقع الدفاع عن وجود سوريا، ولسنا في معركة وجود لفرد أو نظام”.
مشددا على أن “قوى المعارضة على اختلافها المدني أو المسلح
أو ذات الارتباطات الخارجية، لا يمكنها الادعاء بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب
السوري، كما أن الحكم القائم بجيشه العقائدي وأحزابه الجبهوية، وفي مقدمتها حزب البعث،
لا يستطيع لوحده إحداث التغيير من دون شركاء جدد”.
وبالتالي هو يطرح متغيران جديدان في قاموس السياسة
السورية :
الأول أن النظام عجز عن حسم معركته مع المعارضة من خلال
الحل الأمني .
و الثاني : أن هناك شركاء جدد في الخريطة السياسية
السورية لا يمكن احداث اي تغيير من دونهم .
وهو بذات الوقت يبعد نفسه عن المسؤولية الجنائية عن
المجازر المرتكبة و عن القرارات التي تتخذها القوى الفاعلة على الارض من خلال
تأكيده أن الاسد يملك بيده كل مقاليد الأمور بالبلد ، وهو رئيس الجمهورية وهو
القائد العام للقوات المسلحة وهو يعين رئيس الوزراء وهو يقود الحزب الحاكم ويختار
رئيس مجلس الشعب .
والمؤكد أن تصريح فاروق الشرع هذا جاء في محاولة لفتح نافذة
على مشروع إنقاذ الأسد؛ و
اضفاء لونا رماديا على المشهد السوري؛ وطرح نفسه عرابا للحل ؛ من خلال التناغم مع بعض
قوى الفعل الدولية التي منعت (ولا تزال) مجلس الأمن من أخذ موقف جدي لصالح الثورة .
ان ادراك العالم لهذا المأزق الذي وقع فيه نظام الاسد حفز
العديد من الدول سواء الحليفة للأسد أو المؤيدة للثورة ، الاسراع بطرح مبادراته لحل
الأزمة السورية: بدأت بالخطة الإيرانية ذات النقاط الست ومن ثم التركية التي قالت عنها
روسية : إنها خلطة مبتكرة.. و بعدها أتت خطة
الشرع هذه ....
و طبعا هذه المبادرات المعلنة ؛ لكن ما خفي كان أعظم ، لا سيما مبادرة التقسيم
التي تشكل جوهر المفاوضات الأمريكية الروسية والتي لم تنضج بعد، لكن الاسد يعول عليها
كثيرا ، لذلك نراه منذ بداية الثورة يحاول جر أموال وخيرات سورية نحو دولته العلوية
المزعومة.
وبغض النظر عن التصريحات والمبادرات ، فإن أي حل من أي نوع
(سياسي ، انقلاب عسكري ، انتصار؛ أو شبه انتصار عسكري، مقترح؛ أو مفروض) لا يحقق اسقاط
للنظام بكافة رموزه بدءا برأسه ، وأجهزته الأمنية و رموزه في المنطقة ، سيكون بمثابة
التفاف ومحاولة إجهاض للثورة.
فالمبادرات والتحاور يبدأ فقط بعد سقوط النظام و نيل
الحرية.
من هنا ينبغي على جميع القوى الثورية ، عدم الانجرار نحو
الحلول البراقة؛ سواء أتت من داخل النظام أم من خارجه.
أما فاروق الشرع فعندما يملك زمام أمره؛ و يكون حرا ككل الرجال؛
يستطيع أن يطرح ما يريد، لكنه تأخر كثيرا ووصل متأخرا فالآن الشعب الثائر لا يريد أنصاف
حلول؛ ولا انصاف رجال فليعد الى مخبئه؛ فطريق الثورة واضح والثوار ماضون فيه بعون
الله.
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق