الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-12-03

العولمة والإسلام - بقلم: د.أحمد محمد كنعان


لقد شهد القرن العشرون ـ الذي وعدناه قبل قليل ـ نقلات واسعة من التغيير في شتى الحقول المعرفية والاجتماعية والسياسية ، وقد وضعت هذه التغيرات العالم على بوابة مستقبل جديد ينطوي على الكثير من المفاجآت التي كان من أبرزها دخول العالم مرحلة جديدة عرفت باسم العولمة "Globalization" التي تعني ضم العالم أجمع تحت سقف نظام عالمي واحد جديد !


وقد جاء هذا التوجه نحو العولمة تتويجاً لمراحل عدة مرت بها البشرية ، وبدأت ملامحه بالظهور في العصور الحديثة تحت ضغط الحداثة الأوروبية التي أثرت تأثيراً لا ينكر في مختلف الثقافات العالمية خلال الحملات الاستعمارية التي شنتها أوروبا طيلة القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين !

إلا أن الملامح الواضحة للعولمة لم تظهر جلية إلا في النصف الثاني من القرن العشرين ، بعد الحرب العالمية الثانية التي وضعت أوزارها في عام 1945 ، فقد تحول مركز التأثير العالمي مع نهاية هذه الحرب نحو الغرب باتجاه الولايات المتحدة التي كادت ـ أواخر القرن العشرين ـ أن تنفرد بقيادة العالم سياسياً وثقافياً وعلمياً ...

وعلى الرغم من أن المظهر الاقتصادي للعولمة كان الأكثر حضوراً على الساحة ، فإن العولمة في حقيقتها لم تكن اقتصادية فحسب ، وإنما كانت ثقافية كذلك ، فالسلع التجارية لا تصل إلينا بريئة من الأفكار التي صنعتها ، كما أن وسائل الاتصال الحديثة جعلت الأفكار تنتقل عبر القارات بلمح البصر لتحدث تغييراً نوعياً في مختلف الثقافات العالمية التي لم تعد قادرة على إغلاق أبوابها في وجه هذا التحول العالمي الطاغي كما كانت تصنع في الماضي ، وبات لزاماً عليها التفاعل مع ثقافة العولمة مهما وجدت فيها من تعارض أو تضاد مع الثقافات المحلية!

ومع تسليمنا بالمخاوف والمحاذير الكثيرة التي تنطوي عليها العولمة بمعطياتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ، ومع تعاظم المخاطر بأن تُستغل العولمة من قبل بعض الدول الكبرى لفرض سيطرتها وهيمنتها على العالم عبر الشركات العملاقة ، فإننا في الوقت نفسه ندعو للتعامل الرشيد الواعي مع هذه الظاهرة ، لاسيما وأنها أصبحت واقعاً فعلياً على الساحة العالمية، وهي مع كل السلبيات التي تقال فيها لا تخلو من إيجابيات ، فقد يسرت العولمة وسائل التواصل والحوار مع الآخر ، وفتحت آفاقاً رحبة للتقارب بين الأمم ، وأتاحت الفرصة للتنافس الحر ، وقدمت إمكانيات وفرصاً نادرة للأمم النامية يمكن أن توقظها من رقادها ، وتساهم بحراكها واستفزازها وتحريضها ، وتمكنها من المشاركة في صياغة العالم الجديد ، من خلال الدخول في دوائر مجتمعات العولمة ، وبهذا تكون العولمة بمثابة محرض حضاري يمكن أن يشكل نقلة نوعية في التاريخ البشري !

ولا نريد هنا أن نخوض في الجدال الساخن حول مفهوم "العولمة" ولا نريد أن نفنِّد أهداف العولمة ومراميها وأبعادها السياسية وغير السياسية ، القريبة والبعيدة ، فليس هناك دعوة تخلو من مثل هذه الأهداف والمرامي والأبعاد مهما ادعت لنفسها النزاهة والعصمة والبراءة والطهر ، بل نكتفي في إطار هذه القراءة أن نشير إلى موقف الإسلام من العولمة فنرى أن التوجه نحو العولمة مقصد أساسي من مقاصد الإسلام كما جاء في العديد من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، فالإسلام يتوجه بخطابه إلى العالمين كافة (( إِنْ هو إلا ذِكْرٌ للعَالَمينَ )) والإسلام يقرر أن البشر أبناء أسرة واحدة بدأت بأبي البشرية آدم عليه السلام ، ويقرر الإسلام كذلك أن البشر متساوون ابتداءً بالكرامة الإنسانية ، ولا جدال بأن هذا الإرث الإسلامي العظيم يوفر للمسلمين قدرة هائلة على الانخراط الخلاق مع روح العصر الجديد المتجه بقوة نحو العولمة ، لكن بشرط أن يحسن المسلمون فهم الروح العالمية في الإسلام ، ويستوعبوا في الوقت نفسه التحولات العالمية من حولهم ، فحينئذ يمكن أن يكون للمسلمين دور في صناعة الحاضر ، ومكانة لائقة في قيادة المستقبل .
د.أحمد محمد كنعان
Kanaan.am@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق