كان بابا
نويل في ليلة الميلاد المجيد يعبر بمركبته إلى الأجواء السورية حين تم إجباره على
الهبوط في أقرب مطار عسكري، وتم إحضاره موجوداً إلى مكتب ضابط الأمن المناوب للاستجواب.
لم تكن غرفة المكتب تختلف عن مثيلاتها من مكاتب الثكنات العسكرية التابعة لضباط النظام
الأسدي، حيث وبمجرد دخولك إليها تغبش عينيك سحب دخان السكائر وتثقب أنفك رائحة
فريدة هي مزيج من العفن والسكر المحروق والبيرة وغيرها من المشروبات الكحولية
الرخيصة، وطبعاً الرائحة المعروفة لدخان الحمرا. أما الديكور فهو عبارة عن طاولة مكتب
معدنية تسلق الصدأ على جوانبها، جوزة المتة المليئة بالتفل، كيس السكر المتناثرة
محتوياته هنا وهناك، السخان الكهربائي ذو الشريط المتآكل ومنفضة السكائر المليئة
بالأعقاب والصفوة. في الزاوية البعيدة هناك سرير عسكري حديدي عليه فرشة مزركشة
ببقع الطعام، أما الصراصير العملاقة فتركض بحرية في كل مكان، وأخيراً صور العائلة
المقدسة للأب والابن والأخ على الجدار الذي من غير المسموح أن يحمل غيرها. كان
ضابط التحقيق شاب في العشرينات من عمره، أبيض البشرة وأشعث الشعر ولايخفي سعادته بنجمتي
رتبة الملازم التي يعلقها على كتفيه كما لايمكن لأي سوري أن يخطئ عدوانيته
السلطوية. وعلى مقربة منه كان يجلس الكاتب المكلف بتسجيل الاستجواب حيث كان يبدو في
نفس السن ومن نفس الأصول، ولكن بلا رتبة.
الضابط: اسمك
وجنسيتك ومحل إقامتك
بابا نويل:
اسمي بابا نويل ولاأحمل جنسية دولة محددة وأقيم في القطب الشمالي.
الضابط
للكاتب: سجل عندك، المتهم اعترف بأن القطب الشمالي شريك في المؤامرة الكونية على
سورية. (الضابط يملأ جوزة المتة ويأخذ سحبة وبابا نويل يضحك من صوت القرقعة)
الضابط: أنا
قاعد ماضحكك؟ لك العمى بقلبك العمى. متآمر وبدك تضحك؟
إنت ولك دابة،
شو مهرب معك بعربة الغزلان؟
بابا نويل:
ألعاب للأطفال هدايا عيد الميلاد
الضابط: قرد
ولو، ليش نحن بقي عنا أطفال بسورية؟ ماسمعت شو سوينا بالحولة والقبير وغيرهن، ماقتلنا
شوية أطفال، قتلنا كل الطفولة. شو ماعندكن تلفزيون بالقطب الشمالي؟
الضابط
للكاتب: سجل عندك، المتهم اعترف بتهريب أسلحة ومتفجرات للعصابات الارهابية.
(الضابط يعود لأخذ سحبة متة ثانية وبابا نويل يعود ليضحك)
الضابط تجاهل
الضحكة هذه المرة وتابع الاستجواب: وشو كمان جاي تساوي هين عندنا؟
بابا نويل:
لاحظت أن سورية مظلمة منذ أكثر من أربعين عاماً وأنها ازدادت ظلمة منذ سنتين،
فأحضرت معي الكثير من الأضواء للزينة ولجو عيد الميلاد.
الضابط: غبي إنت
غبي؟ آبتعرف إن الكهربا بسورية مخصصة لأجساد الشعب، قال زيني وإضوي قال.
الضابط
للكاتب: سجل عندك، اعترف المتهم بحيازة مواد ممنوعة للتغرير بأصحاب النفوس الضعيفي.
الضابط:
وهالغزلان التماني يلي كانت طايرة معك شو قصتهن؟
بابا نويل:
رودلف وكيوبيد وكوميت و ...
الضابط للكاتب
مقاطعاً: سجل عندك، اعترف المتهم بسرقة الغزلان ولهذا تتم مصادرتها باسم الدولة وترسل
إلى المطبخ لتذبح وتشوى وتقام عليها وليمة ويدعى سيادتو إليها.
الكاتب وقد
بدا الخوف على وجهه: ياسيدي يعني قصدك سيادتو سيادتو؟
الضابط: تعبان
إنت ولا، تعبان. يعني سيادتو سيادتو فاضي يجي لعنا؟ منك شايفو مايحارب المؤامرة
الكونية؟ أنا قصدت سيادتو يعني سيادة العقيد مدير المطار.
الكاتب: سيدي وشو
مشان المتهم والمواد يللي معو؟
الضابط: أنا بشك
من لحيتو أنو إرهابي سلفي، اعملو بطاقة زج على ذمة التحقيق، والمواد المصادرة وصلوها
لعندي علبيت ومنقرر بعدين شو نسوي فيها.
بابا نويل:
لحية الانسان هي (حرية) شخصية.
تجهم وجه
الضابط فجأة عندما سمع هذه الكلمة وصرخ وهو يكاد يختنق: إنت كمان بدك حرية؟ يعني
الحرية لاحقتنا لاحقتنا؟ كلكن صار بدكن حرية؟
ويبدو أن لفظه
للكلمة ثلاث مرات أصابه بمقتل، فتوقف الضابط عن الكلام ووقع مغشياً عليه قبل أن يكمل
ماكان يقوله، في حين جرى الكاتب من الغرفة هارباً كالمجنون قبل يسري مفعول الكلمة
في جهازه العصبي. كان الفجر قد اقترب من البزوغ، فخرج بابا نويل بهدوء وطار
بمركبته بعيداً من حيث أتى وقرر أن يعود إلى سورية في الميلاد القادم عله يجد
أطفالاً وفرحاً ... وحرية.
***
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
يوم (الميلاد المجيد) الثلاثاء 12 صفر 1434، 25 كانون
الأول، ديسمبر 2012
هيوستن / تكساس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق