من عادتنا كشعوب عربية
واسلامية والمتحكم في سلوكياتنا الممتدة
عبر الأجيل المتعددة , أن المتحكم بنا هو عواطفنا , ونصور أنفسنا أننا نحن أهل
العاطفة فقط , وعلى العالم اجمع ان يعاملنا بالمثل , أو أن يكون منقاداً لنا , على
ماتمليه علينا أهواءنا , والمتحكم بالغالبية منها هي العاطفة , والعاطفة ليست
ثابتة , فقد تزيد أو تنقص , او تختفي عند بروزها لأمر يثيرها , ومن ثم تنطفيء لتحل
محلها عاطفة أخرى أو عواطف متعددة , ولكن لو اعتمدنا السلوك العاطفي , مع تحكيم
العقل وتهذيبه لعواطفنا لاختلف مقامنا النفسي والمادي , بالاضافة إلى قد نتفوق على
أمم كثيرة كانت قد سبقتنا بقرون أو عقود متعددة .
لنعالج اليوم قضية مهمة
لها دلائل عاطفية تهتف فيها حناجر كثيرة , مرتبطة بعاطفة ناتجة عن أن القضية تستحق
هذا الارتباط العاطفي , مع السعي للاستنكار والتحدي في ذات الوقت .
وعند تحكيم العقل فيها والموازنة
بين الفائدة العامة والضرر الناتج عن الانجرار وراء هذه الثورة العاطفية , سنجد
أنفسنا في المحصلة أننا قد قدمنا خدمة كبيرة لعدونا الذي يحاربنا والمتربص بنا.
إن أمريكا ستضع جبهة
النصرة تحت مسمى منظمة ارهابية , وهذه التسمية أثارت المشاعر عند الثوار السوريين
والمؤيدين لهم , وحالات الغضب علت على وجوه الغالبية منهم , ووجدت الدعوات لمناصرة
الجبهة , والبعض يقول كلنا جبهة النصرة , وهي تمثلنا , وعلينا تسمية الجمعة
القادمة باسمها , وابرازها بصورة منقطعة النظير , محمولة بعواطفنا الجياشة تلك.
لذلك أخي الثائر واختي
الثائرة , ياأبناءنا وإخواننا ثوان قلية
فقط , بعدها ستكون أنت المسئول عن النتائج
وسيصيبني الضرر كما يصيبك , وبدلاً من أن نُفشل مخططات أعداءنا الشريرة والموجهة
ضدنا , فبالانجرار وراء تلك العواطف سنقدم له خدمة رائعة ومجانية لتنفيذها علينا .
ندرس الواقع على الأرض ,
ونستفيد من تجارب مضت , ومن بعدها نحكم عقولنا , وهي حتماً ستهدينا سبيلاً تقل فيه
الخسائر على حساب المنافع والفوائد .
هيكلية المواقف الواضحة
أمامنا تقول , أنه يوجد أمامنا ثلاث رؤى وهي:
الأولى :جبهة النصرة والتي تلتقي معها على نفس العقيدة
الثانية : الغرب وبزاعمة أمريكا ويلتقي مع هذه العقيدة الموجهة
ضد فكر جبهة النصرة ومثيلاتها الكثير من المواقف الدولية والاسلامية على المستوى
الشعبي .
الثالثة : هم المستفيدون من عمليات جبهة النصرة , وعندما تنتهي
المنافع منها وهو اسقاط النظام قد ينقلب غالبيتهم عليها ليقفوا إلى جانب الفريق
الثاني .
وشعبنا السوري قد ينتمي
غالبيته إلى التقسيمات الثلاثة أعلاه , ولكن هناك حالات من الاعجاب والتقدير , على
أن جبهة النصرة تحقق لهم منافع وقتية في أنها تضرب بقوة العصابات الحاكمة , وتسليحها
ودعمها لهما مصادر جيدة يفتقد الكثير من الكتائب والألوية الأخرى تلك القوة والدعم
المادي بالاضافة للفكر الجهادي والذي تنتمي إليه جبهة النصرة .
المواقف الغربية وتوابعها
, تقف بحزم ضد فكر وعناصر جبهة النصرة , والمصنفة حسب تصنيفهم أنها تنتمي لفكر
القاعدة , والمعادية لهم , والفئات التي تحمل الفكر نفسه ومنها جبهة النصرة لها
نفس المواقف المعادية , فهما عدوان لبعضهما .
وبنظرة فاحصة على هذا
العداء المتبادل بين الطرفين , وبأثر رجعي ومتواصل , والنتائج المكتسبة للفصائل والتي
تسير على منهج جبهة النصرة , أن النتائج كلها كانت لصالح عدو جبهة النصرة, فكل
جهة تنظر إلى أن فكرها ومبادؤها هي التي يجب أن تسود , واعتماد القوة في ذلك.
وهذا الواقع لاينكره إلا
كل جاحد أو غير عاقل , أو من اعتاد أن يهرب من الواقع ويتغاضى عنه ليدس رأسه في
الرمال حتى لايرى ماحوله كما تفعل النعامة .
فالغرب وبزعامة أمريكا ,
ستجعل من جبهة النصرة حجة دامغة ومدعومة من غالبية الدول لمحاربتها والقضاء عليها
, وستسخر القوى المحيطة والمتعايشة معها للقضاء عليها في المستقبل كما فعلت قوات
الصحوة في العراق للتخلص من التوحيد والجهاد فيها .
إن قيادات جبهة النصرة
وعناصرها , لاأحد ينكر بطولاتهم وتضحياتهم , ولكن هذا لايعني أن مايريدونه بعد
التحرير يلائم الشعب والأرض السورية , وحتى لاتستخدم هذه الحالة لدعم النظام
المجرم من خلال الفتنة بين الثوار , فعلى جبهة النصرة أن تكون واقعية في تعاملها
وتصرفها , وتعلن عن حل نفسها وانضمامها للقيادة العسكرية المشتركة كعناصر , وليس
ككتلة مع الاعلان عن أن هدفها هو اسقاط العصابات المجرمة في سورية , ولن تخرج عن
نطاق شرعية الحكم القادم , والتي ستقود البلاد لما هو خير بإذن الله تعالى .
لقد حاولت التشكيلات
المتوافقة مع جبهة النصرة بفكرها , أن تزرع شجرة ماتؤمن فيه على صخرة , وغاب عنها
أن الشجرة لايمكن أن تنبت إلا في مكان تقتاد منه الغذاء حتى تنمو وتثمر, وأن تكون
في بيئة مناسبة , لذلك كل تضحياتهم كانت تذهب الرياح , مع الخسائر الكبيرة والتي
حلت بنا بفقدان خيرة شبابنا .
فلا يمكنك عزيزي أن تقيم
مشروعاً في محيط يضمر لك الشر في جميع الأوقات , وإنما عليك أن تنشيء مشروعك بعد
أن تكون قد أعددت له كل المستلزمات البيئية والبشرية والمادية , وأن تكسب رضا
الغالبية من حولك عندها يمكنك المنافسة على نجاح مشروعك بين تلك المشاريع المجهزة
والمتجهزة والتي هي قيد الانشاء .
د.عبدالغني
حمدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق