منذ
بداية الثورة تعالت صيحات الثوار مستنجدة بالله و من ثم العدالة الدولية لإنقاذهم
من النظام المستبد الذي يسومهم سوء العذاب ،كي يساعدهم على تطبيق القوانين الدولية
بحق التجاوزات التي يقوم بها هو وعصابته تجاه الشعب السوري، ومساعدته على تطبيق
الديمقراطية التي يستحقها بعد أن رفض الاستمرار في الرزح تحت الاستبداد المستمر
منذ ما يقارب ستة عقود.
لكن
الغرب وتحت ضغوط متعددة وعلى رأسها المنظمة الصهيونية العالمية عمل جاهدا على
تجاهل مطالب الشعب وتشويه ثورته من خلال إمبراطورتيه الاعلامية وتصوير الأمر على
أنه عنف متبادل بين طرفين، وتعامى عن التجاوزات التي تقوم بها العصابة الأسدية،
وأصبحت المجازر سمة طبيعية للعنف الممارس بين طرفين يتساوى فيهما القاتل والمقتول
.
فهم
من جهة لا يريدون اغضاب المنظومة الصهيونية التي تلعب دورا كبيرا في تشكيل
سياساتهم؛ ومن جهة أخرى هم لا يريدون أن يظهروا وكأنهم معادون لمنتج ثورات الربيع
العربي ومطالبه في الديمقراطية.
لذلك
فقد سعوا خلال السنتين الماضيتين من عمر الثورة أن يمسكوا العصا من الوسط، فهم لم
يضغطوا باتجاه اسقاط الطاغية سياسيا و عسكريا، بل وتقاسموا الأدوار فيما
بينهم للدفاع عن النظام في المحافل
الدولية تارة من خلال التصويت في مجلس الامن وتارة أخرى بالعمل على تشويه المعلومة
التي تصل الى المنظمات المختصة، إضافة الى منع تزويد الثوار بالسلاح الملائم لحسم
المعركة و تعطيل فاعلية المنظمات الدولية في أداء دورها الانساني والحقوقي.
اليوم
ومع تغير الأوضاع على الأرض؛ وما جره من حصار خانق على النظام والذي يحاول بدوره عكس
هذا الواقع على المواطنين في لعبة "عض الأصابع " .
يسارع
الغرب لإيجاد تسوية تحفظ تركيبة النظام ولكن بصيغة يقبلها الشعب مرغما كما الدواء
المر ، من خلال عملية مزدوجة سياسية: تتمثل بداية في الاعتراف بالائتلاف الوطني
السوري كممثل شرعي عن الشعب السوري كمال صرح أوباما بالأمس خلال مقابلة مع قناة
"أي بي سي" الأميركية بأننا "قررنا أن الائتلاف الوطني السوري المعارض
أصبح يضم ما يكفي من المجموعات وهو يعكس ويمثل ما فيه الكفاية من الشعب السوري كي نعتبره
الممثل الشرعي للسوريين".
وبذات
الوقت فرض عقوبات مالية على اثنين من قادة جبهة النصرة بعد ساعات من إدراجها على لائحة
الخارجية الأميركية للمنظمات "الإرهابية" . تلتها تصريحات أوباما بأنه
"لا يشعر بالارتياح تجاه كل الذين يشاركون على الأرض في القتال ضد (الرئيس بشار)
الأسد، وبعضهم تبنى كما يعتقد أجندة متطرفة ومعادية لأميركا، وسيحرص على التفريق بين
هذه العناصر"، وقد سمى أوباما جماعة جبهة النصرة لأهل الشام التي تتهمها واشنطن
بالارتباط بتنظيم القاعدة في العراق.
هذا
من الجانب السياسي أما الجانب العسكري فسوف
يعمد الغرب في الأيام القادمة إلى إجراء عملية جراحية في بنية النظام نفسه ربما
تضطر معه أمريكا لاستخدام بعض القوة وهذا ما فسره ادراج مبلغ (760 مليون دولار في ميزانيتها
السنوية لعام 2013، الأربعاء الماضي، تخصص لعملية عسكرية في سورية تتضمن وجود قوات
أميركية على الارض و تأمين مراكز الصواريخ و الاسلحة الكيماوية، بعد أن أكد عدد من
أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي الخميس تأييدهم لأي إجراء عسكري قد تتخذه الولايات المتحدة
ضد الحكومة السورية إذا ثبتت نية بشار الأسد استخدام أسلحة كيماوية ضد الشعب السوري
، وهذا طبعا في حال الفشل في استصدار قرار من مجلس الأمن ، وفشل المفاوضات الجارية
بين روسيا والابراهيمي وامريكا في جنيف .
وبالطبع
هم يربطون تدخلهم باستخدام عصابة الأسد للسلاح الكيماوي ولكن ليس اي كيماوي فكما
تبين في الأيام الماضية أن الأسد يحاول اختبار جديتهم من خلال استخدام القنابل
الفوسفورية والجرثومية وبعض الأسلحة الكيماوية المحدودة التأثير في كل من معرة
النعمان ودوما وداريا ودير الزور والسفيرة ، بينما هم يركزون على سلاح السارين وغيره
من الأسلحة الفتاكة و ذات التأثير الممتد جغرافيا ، والذي تم تجهيز اربع طائرات منه
اثنتان في مطار الضمير واثنتان في مطار بلي العسكري، بغية استخدامهم في اللحظة
الأخيرة في كل من حلب ودمشق و هذا ما يقصدانه ، ولكن السؤال متى يكون التدخل قبل
أم بعد الاستخدام؟.
فحسب تصريحات ماكين " أنه في حالة استخدامه
الأسلحة الكيماوية فإننا متحدون في دعمنا للرئيس باراك أوباما كي يستخدم القوة العسكرية
للإطاحة بنظام بشار الأسد''.
أما
المجموعة الأوربية فأوضحت " أن دعمها للرئيس أوباما في حال اتخاذه أي عمل عسكري
ضد الحكومة السورية يتعلق بالحد من فرص استخدام حكومة بشار الأسد لتلك الأسلحة".
لكننا
نرى أن الاختلاف في وجهات النظر ليس على التدخل ، لأن الغرب ومن خلال تجربتنا في
السنتين الماضيتين من عمر الثور لا يهمه حجم الخسائر البشرية في الداخل السوري وانما يهمه تأثير ذلك على دول
الجوار ، لذلك فإن التدخل واقع لا محالة سواء استخدم بشار الكيماوي أم لم يستخدمه
، وسواء سقط بشار أم استخدم الكيماوي للحفاظ على سلطته .
لقد
فعل "المجلس الوطني السوري" خيرا
أن استبق في ادراكه لتلك الحقيقة الائتلاف الوطني السوري وسارع ، يوم الجمعة، إلى
إعلان رفضه القاطع لفكرة التدخل و نشر قوات حفظ السلام في سوريا التي نادي بها
الابراهيمي ، معتبراً أن ذلك سيكون "احتلالاً مباشراً"، داعيا كافة قوى المعارضة
الأخرى إلى رفض هذا الأمر أيضاً.
"لأن
المراد من ذلك إجهاض الثورة وهي في أوج عطاءاتها وانتصاراتها المتلاحقة، أمام نظام
يتهاوى ويتهالك ميدانياً وداخلياً وبنيوياً".
معللا
أن "نتائج مثل هكذا خطوة هي أولاً، تقسيم سوريا سياسياً وجغرافياً ومحاولة إضفاء
الطابع الطائفي على هذا التقسيم، وثانياً، إعادة تثبيت النظام السوري المتهاوي والمتهالك،
والذي يعيش أيامه الأخيرة، بل رمقه الأخير".
و
"السبب الثالث هو أن نشر قوات حفظ سلام تعطي الذريعة للنظام ومن ورائه، القوى
الدولية ذات المصلحة بصبغ ثوارنا وأبطالنا بصبغة الإرهاب".
وهذا ما ظهرت بوادره عند
ادراج جبهة النصرة على قائمة الارهاب وربما يتبعها أسماء ألوية أخرى تتسمى بمسميات
اسلامية قد لا تعجب الغرب ، فالوضع في سورية اصبح خطرا جدا بالنسبة لهم وهم عازمون
على التحرك الى الامام. وهدفهم تنفيذ اتفاقية جنيف وبلوغ بدء عملية انتقال للسلطة لذلك هم يضغطون باتجاه تشكيل حكومة للتعامل
معها في تطبيق الحل السلمي المرسوم كما صرحت كلنتون بأن "أي مرحلة انتقالية تعني
الحفاظ على صورة موحدة وديمقراطية"، لافتة الى انه "يجب على كل سوري ان يشارك
في هذه العملية، وهذا يخص الرئيس الاسد كذلك".
لذلك
هم يريدون نشر قوات حفظ سلام في اللحظة التي تميل فيها العمليات الميدانية لصالح
المعارضة وتشكل تهديد حقيقي على بقاء الاسد، بحيث تضمن وقف اطلاق نار بين الأطراف المتصارعة
في سوريا، ومن ثم تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تضم عناصر من الحكومة
المشكلة من قبل الائتلاف و عناصر من الحكومة الحالية متفق عليهم، يبقى الخلاف حول وضع
الأسد بين بقائه في منصبه حتى نهاية ولايته عام 2014، أو تنحيه عن منصبه وخروجه مع
عائلته بشكل أمن، وتصريحات رئيس الاكوادور تصب في هذا المسار في مقابلة مع صحيفة ” فولا دى ساو باولو”، “
الاثنين الماضي بأن فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري زار بلاده منذ نحو أسبوعين”،
نافيا أن يكون المسئول السوري قد بحث خلال هذه الزيارة إمكانية لجوء بشار الاسد وعائلته
إلى الاكوادور، وأن بلاده سوف تدرس إمكانية منح الرئيس السوري بشار الأسد حق اللجوء
السياسي إذا طلب منها ذلك.
خاصة
بعد أن أيقن الغرب أن المجالس الثورية في الداخل ترفض التعامل مع الاسد ونظامه
كلية، وأن مطلب الشعب الثائر بالكامل هو اسقاط النظام بكل رموزه ومكوناته.
لذلك
ربما تلجأ أمريكا والغرب في محاولتها الضغط على الائتلاف لقبول مبادرتها من خلال
استخدام كرت انفصال الأقليات في اي مرحلة من مراحل الفترة الانتقالية ، بحيث يمكن استعمالها
عند الضرورة لانتزاع مواقف وتنازلات تحقق مصالح القوى الدولية التي تدير مشروع قوات
حفظ السلام وتسيطر عليه.
و
الضغط باتجاه نزع أسلحة المقاتلين من كل الأطراف وخاصة ( جبهة النصرة)،
باعتبار
أن فرض وقف إطلاق النار. غايته الأساسية حسم النزاع الداخلي و وقف الحرب الأهلية؛ و
نزع سلاح المتقاتلين وحماية الأهداف الحيوية (المطارات والموانئ والسدود وحقول النفط
والمصارف والوزارات، إلخ)، وشرطة دولية مهمتها الإشراف على الشرطة المحلية، وفريق من
الإداريين والسياسيين لمراقبة أداء الإدارات المحلية، وفريق من الحقوقيين والمراقبين
للإشراف على الانتخابات وعلى كتابة الدستور والانتقال السلمي للسلطات.
خلال
تلك الفترة سوف يكون الابراهيمي هو المندوب السامي الأممي، وتبقى البلاد في حالة سيادة
منقوصة حتى إنهاء عمل البعثة الدولية رسمياً.
وهذا
ما اشار إليه اوباما في تصريحاته أمس " بوجود مسؤوليات تترافق مع الاعتراف، وأضاف
أنه يجب التأكد من أن المعارضة تنظم نفسها بشكل فعال وتمثل كل الأطراف وتبدي التزاماً
بعملية انتقال سياسي تحترم حقوق المرأة وحقوق الأقليات.
والنتيجة
هي أن أمريكا والغرب لن يقبل ابدا بتسليح المعارضة ، وهذا ما صرح به امس جاي كارني
في مؤتمر صحافي "نحن نقدم مساعدة إنسانية للشعب السوري، ونقدم مساعدة غير قاتلة
للمعارضة، لكن موقفنا بشأن تقديم مساعدات قاتلة لم يتغير".
لأنهم
يعملون بجد كي لا تحقق الثورة أهدافها بعيدا عن أعينهم ، بدايةً وأن لا تمس الثورة
بمحظوراتهم المعلنة نهايةً.
فالحذر
الحذر من السقوط في شرك ما يدبر في الخفاء فالغرب لا يهمه خيرية الأمة... ويقتضي الواجب
الوطني أن نكون على جانب كبير من الوعي لما يدور الآن في أدق وأخطر مراحل الثورة، وأن نحسن التعامل مع أي احتمال أو توقع.
الدكتور
حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق