الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-12-26

الموجز في تاريخ العلويين من (طأطأ) للسلام عليكم – بقلم: طريف يوسف آغا



     لم تحظ الطائفة العلوية بالاهتمام الدولي والاقليمي، بل وحتى الداخلي، إلا حديثاً بعد أن وصل أحد أفرادها إلى الحكم المطلق في سورية. فهي على مدى مايقرب من الاثني عشر قرناً التي مضت على ظهورها كانت طائفة مغمورة مهملة منعزلة، مثلها في ذلك مثل عشرات أو مئات الطوائف أو الفرق التي انشقت في مرحلة تاريخية معينة عن طائفة أو فرقة أكبر منها. ولكنها وكمثيلاتها بقيت حتى اليوم محافظة على عقليتها ومعتقداتها الموروثة من ذلك العصر معتبرة أنها بذلك إنما تحافظ على نقائها وطهارتها مقابل فساد وشرور العصور الحديثة وأهلها.


     ربما يوافق البعض على هذا المبدأ من زاوية دينية ويكون في ذلك شئ من الحقيقة، وربما يرفض البعض الآخر نفس المبدأ من زاوية علمية ويكون أيضاً في ذلك شئ من الحقيقة. ولكن، وبرأي الخاص، فان وضع مايتوافق مع كلا الرأيين ولايتعارض مع أي منهما هو الحل الأمثل، فلا يمكن لأي دين أن يقول لك اقتل من ليس على دينك مرضاة لربك، ولا العلم يوافق أن الرب يمكن أن يكون من البشر الذين يأكلون ويشربون ويذهبون إلى دورات المياه، ويعاشرون النساء وينجبون الأطفال ليكونوا (أرباب) المستقبل.

          بالعودة لعنوان المقال، فان (طأطأ) بالنسبة (للطائفة العلوية) هو حين تشكلت في القرن الثالث الهجري والتاسع الميلادي في سامراء في العراق على يد مؤسسها الشيعي الفارسي الأصل (محمد بن نصير) فنسبت إليه وسميت حينها (الطائفة النصيرية). حدث هذا ببانشقاقها عن (الطائفة الشيعية) التي سبقتها بالانشقاق أيضاً عن (أهل السنة) قبل ذلك بحوالي الثلاثة قرون حول خلافات سياسية أكثر منها دينية. فبعد وفاة الرسول (ص) رأى من أصبحوا فيما بعد يعرفون (بالشيعة) أن يبقى الحكم في (أهل البيت) متمثلاً في ابن عمه الامام (علي) (ك) وذريته، في حين رأى من أصبحوا فيما بعد يعرفون (بأهل السنة) أن يبقى الحكم خارج (أهل البيت) حتى لايصبح حكماً وراثياً يمكن أن يتطور إلى ملكي، وقد فسرت كل جهة منهما أقوال الرسول (ص) بالطريقة التي تدعم رأيها. ولكن سرعان ماانتقل هذا الخلاف السياسي بالرأي بين الجهتين من المجالس إلى ساحات المعارك والحروب مما كلفهما مئات الآلاف إن لم يكن ملايين الضحايا.

     وكأن الأمور بين المسلمين بذلك الصراع لم تكن سيئة لدرجة كافية، إلى أن أتى (ابن نصير) الذي كان أصلاً من أصحاب الامام الشيعي الحادي عشر (حسن العسكري). فبعد وفاة الامام المذكور، اختفى ابنه الوحيد (محمد) فسماه أتباعه (بالمهدي) أو (الامام الثاني عشر) وسميت فرقتهم بهذا الاسم لتمييزها عن بقية فرق الشيعة، ويعتقد هؤلاء أن إمامهم سيظهر في آخر الزمان ليهدي العالم إلى الاسلام الصحيح. وهنا أتى دور (ابن نصير) الذي ادعى أنه (الباب) للامام المهدي، بمعنى أن التواصل مع الامام إلى حين ظهوره يكون عن طريقه هو. ولكن سرعان ماأنكر أتباع الامام المهدي ذلك، مما دفع بالرجل لاعلان انشقاقه عن فرقتهم، وادعى (النبوة) أولاً ثم أتبعها بادعاء (الربوبية) بجلالة قدرها وقدراتها. ويبدو أن الرجل قام ببعض أعمال السحر والشعوذة أقنعت الكثير من البسطاء من حوله بأنها معجزات فصدقوا أنه (الرب) وسجدوا له واتبعوه. وقد كان من الوارد في تلك الحقبة وما قبلها أن يدعي بعض الأشخاص النبوة، مثل مسيلمة الكذاب وسجاح بنت الحارث، أما أن يأتي من يدعي (الربوبية) دفعة واحدة فكان ذلك من الأمور الغير مألوفة.

     ومن أشهر ماادعاه (ابن نصير) أيضاً وأقنع أتباعه به هو عدم وجود يوم القيامة، وبالتالي عدم وجود حساب لأعمال الدنيا في الآخرة. وبناء عليه، فكل ماعلى (النصيري) أن (يأكل همه) في الدنيا هو إرضاء ربه (أي إرضائه شخصياً). كما اعتقد بفكرة بتناسخ الأرواح ذات الأصول البوذية والهندوسية وغيرها، حيث (الروح) بحسب تلك العقائد قد تعود في المستقبل في مخلوقات انسانية أو حيوانية اخرى تتعلق رتبتها بحسب رضا (الرب) عليها أثناء حياتها. لن أخوض هنا طويلاً في تفاصيل العقيدة (النصيرية) فهي موجودة وبالتفصيل الممل على صفحات النت على مواقع دينية وعلمية معاً. وبالعودة إلى السياق التاريخي، فقد قامت فرق (الشيعة) حينها بتكفير (ابن نصير) وأتباعه، وبالتأكيد فعل (أهل السنة) نفس الشئ، ولحق ذلك التكفير اضطهاد وملاحقة وأيضاً قتل، مما اضطر معظمهم للهجرة من مناطق تواجدهم في العراق إلى مناطق أكثر أمناً وتسامحاً مع معتقداتهم، وهكذا يبدو أنهم وصلوا إلى سورية وجنوب تركيا. ولشعورهم بأنهم وبسبب هذه (المعتقدات الغرائبية) غير قادرين على التمازج مع بقية أطياف أي مجتمع تقليدي ومحافظ، فقد اختاروا عزل أنفسهم في جبال الساحل العالية لاعتقادهم بأن تضاريسها ستحميهم وتساعدهم في الدفاع عن أنفسهم في حال تعرضوا للخطر. وربما لو أنهم وجدوا جبال عالية لها منافذ بحرية قريبة من مناطق نشأتهم في العراق لما كانوا أتوا إلى سورية والله أعلم.

     لايذكر التاريخ في البداية أي مواجهة مباشرة بين الأغلبية السنية في سورية وبين الوافدين (النصيريين)، علماً بأن (القرامطة) الذين غزونا وأسسوا للمذهب (الاسماعيلي) في بلدة (السلمية) في ريف حماة في نهاية القرن التاسع ونهاية العاشر هم فرقة أخرى انشقت أيضاً عن (الشيعة) قبل انشقاق (النصيريين). و(الاسماعيليين) للعلم هم ممن اعتقدوا أن الامام السابع للطائفة الشيعية هو (اسماعيل بن جعفر) وليس أخيه (موسى بن جعفر) الذي اعتمدته الأغلبية الشيعية التي تعرف اليوم باسم الفرقة (الاثني عشرية). وبالعودة إلى موضوعنا، فما أن بدأت (الحملات الصليبية) في بداية القرن الثاني عشر حتى سارع (النصيريون) للتعاون معهم دون سبب تاريخي أو منطقي واضح اللهم سوى شعورهم بعدم الانتماء وبأنهم أقلية مختلفة دينياً. ثم عاودوا ذلك بالتعاون مع الغزو المغولي الأول بقيادة (هولاكو) في القرن الثالث عشر ثم الغزو المغولي الثاني بقيادة (تيمورلنك) في القرن الرابع عشر. وقد أتت فتوى شيخ الاسلام (ابن تيمية) الشهيرة بتكفيرهم خلال الغزو المغولي الأول، وهم حين يستشهدوا بها ليبرروا كراهيتهم وعدائهم للسنة، يتناسون ماذا كان السبب ورائها، ويتناسون كذلك أن الطائفة (الشيعية) والتي يعتبروها طائفتهم الأم التي انشقوا عنها كفرتهم في العراق قبل (ابن تيمية) في سورية بثلاثة قرون.

     ثم أتى تعاونهم مع غزاة العصر الحديث (الانتداب الفرنسي) في بداية القرن العشرين حيث كان نبيهم حينها (سليمان المرشد). وقد أبدى الفرنسيون، كباقي غزاة سورية، اهتماماً بهم وأعطوهم العديد من الامتيازات لتعاونهم معهم ضد بقية الشعب السوري. فما كان من بعض وجهاء (الطائفة الكريمة) من أمثال (الأسد الجد) وأحد أفراد عائلة (جديد) وغيرهما أن طالبوا الفرنسيين إما بالبقاء في البلاد لحمايتهم أو منحهم استقلالاً في دولة على جبال الساحل. وكما أشرت في مقال سابق، فقد تفاهمت بريطانيا مع فرنسا حينها أن تتبنى الأولى (الدولة العبرية) وتتبنى الثانية (الدولة العلوية)، وكانت فرنسا من نصحتهم بتغيير اسمهم من (النصيريين) إلى (العلويين) لما للاسم الأول من حساسية دينية وتاريخية ليس فقط عند الأغلبية السنية ولكن عند (الشيعة) أيضاً. والملفت للنظر حينها أن الفرنسيين كانوا هم من (طبخوا) في عاصمتهم مايسمى (حزب البعث) بواسطة الثنائي (عفلق-البيطار) ثم أعادوا تصديره إلى سورية كمنتج سوري ثوري تمت صناعته في المنفى. ولكن كل مافعله (البعث) كما رأينا فيما بعد، أنه قام بانقلاب (8 آذار) ممهداً بذلك الطريق السياسي، لايهم بقصد أو بلا قصد، لايصال (العلويين) إلى الحكم. ولما انتهت مهمته هذه، حوله (الأسد الأب) لمجرد (ديكور سياسي) لاأكثر.

     وتمثل (الحقبة الأسدية) أحدث حلقة في تاريخ (الطائفة) في سورية والتي بدأها (الأب) باهداء الجولان لاسرائيل عام 1967 حين كان وزيراً للدفاع. ثم تابع مهمته بعد انقلابه عام 1970 وصفى المقاومة الفلسطينية وتابع حمايته للدولة العبرية على مدى ثلاثين عاماً، ليسير (الابن) على خطى أبيه حتى اشتعال الثورة السورية المباركة في آذار قبل عامين. ولايمكن هنا إغفال دور الايرانيين بعد وصول (الخميني) إلى الحكم ومزجهم السياسة بالدين، وهم الذين كانوا على مدى التاريخ كما ذكرت من ألد أعداء (النصيريين). ولكنهم لما رؤوا الدور الذي منحهم إياه الغرب وكيف صارت في أيديهم عدة مفاتيح للنفوذ في الشرق الأوسط، قرروا ابتلاع خلافاتهم الدينية والتحالف معهم على طريقة (زواج المتعة) الجائز عندهم، فهدفهم الأول هو توسيع مناطق نفوذهم والوصول إلى مياه المتوسط وإعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية. ولكن وللعلم، فهناك الكثير من المواقع الشيعية الغير رسمية حتى اليوم التي مازالت تكفر أصحابنا في (الطائفة الكريمة) وتعتبرهم أشد عداء لهم من السنة.

     كثير من العائلات السورية الانتهازية من بقية أطياف المجتمع كانت تتمنى خلال فترة الأسد الأب وحتى قبل نشوب الثورة أن تزوج بناتها لشبان علويين أو العكس، فيصبح عندهم واسطة، وكما يقول المثل الشعبي (ينوبهم من الحب جانب)، أي تلحقهم فائدة ما، وقد تحقق ذلك للبعض فعلاً. ولكن لاأعتقد أن أحداً اليوم مازال يتمنى هذا، ومن قام به حينها، لاشك أنه يفكر جاهداً الآن كيف يخرج من ذلك المأزق الذي وجد نفسه فيه. وبالعودة إلى عنوان المقال ثانية، نكون هنا نكون قد وصلنا إلى (السلام عليكم). 
***
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
الاثنين 11 صفر 1434، 24 كانون الأول، ديسمبر 2012
هيوستن / تكساس

هناك تعليق واحد: