الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-12-28

دراسات: سلسلة "سورية الثورة" شبيبة سوريا وعوائق مرحلة البناء في المرحلة الانتقالية(1) – إعداد: شام صافي



لم تكن ثورة الشعب السوري مع نظام الأسد مجرد ظاهرة عابرة بل على العكس من ذلك كانت "ظاهرة اجتماعية هازّة عنيفة" مع ما تطورت عليه وما ارتبطت به، سيعقبها تغيرات جذرية في عدة مجالات من ضمنها: التقنية والنفسية والديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية .. وسيكون لأحداث الثورة تأثيرات إيجابية -من بين التأثيرات المختلفة على الأصعدة كلها حتى العالمية منها- أيضاً تأثيرات سلبية على الأصعدة البنيوية السورية المتنوعة: اجتماعياً، ثقافياً، اقتصادياً .. وخاصة نفسياً وعلى مستوى العلاقات.


إن تحليل الاستجابة  أساساً للثورة يكمن في 1- دوافعها و2- القصد منها، أما الدوافع (التي ساقت كل فرد لتقديم شيء ما للثورة ودعمها والمشاركة بها) فتنتظم ضمن الإطار الفردي أو على الأقل تتعلق بالنفسية الفردية بينما يدخل القصد المنوي تحقيقه (وهو التخلص من العصابات الحاكمة) ضمن الإطار الجماعي.

لكن هذه السمة تبدو تصويرية إلى حد ما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار واقعاً فرض نفسه، حيث أنها اشتعلت بفئات في مختلف الأنحاء دون قيادات لأنها ثورة شعبية عامة ثم اتسعت لما أشعلها القتل والدم فكان كل شهيد مخلفاً لمئات الثوار فاشتعلت الثورة حتى استحال إخمادها وامتدت لتنتقل من إطار مطالب فردية جوبهت بعنف لتصبح ذات مطالب عالية ازداد معها مستوى العنف حتى أعلى مستوياته بشكل لم يشهد التاريخ له مثيلاً اتساعاً وعمقاً خاصة في العالم الحالي لتكون حرباً عامة انتقلت من الثوار المحركين الأصل للمطالب إلى شعب بأكمله.

هذا وإن مستقبل البلاد وإعادة بنائها يتوقف على صحة الشبيبة (نفسياً وجسدياً) هذه الفئة التي تشكل عموده الفقري وعماده المستقبلي وعلى مدى نضجها وتوازنها النفسيين، ولهذا سيتم التركيز عليها في هذه السلسلة، هذا من جهة ومن جهة أخرى ففي الدولة الجديدة مرتكز على الشباب للقيام بالبناء بدءاً من المرحلة الانتقالية.

ومهما كان هناك آثار إيجابية للثورة على صعيد الفرد والإرادة السورية وإصرارها واستعادة الإرادة والتحرر وغير ذلك، فستبقى الانعكاسات السلبية الناجمة عن الحرب التي أقحمنا بها النظام إقحاماً ذات انعكاسات سلبية خطيرة على "نفس الإنسان" كائناً من كان، والنفس هي المحرك للبناء والمحرك في المجتمع هم الشباب "جيل الشبيبة".

وباعتبار أن الثورة غيرت (تغييرات جذرية) الأعراف وقلبت المفاهيم وفرزت معطيات كانت كامنة في النفس، وباعتبار الحرب خلفت من الخراب ما قد يعود على الذات فترتد الصورة عن الذات مشوهة  كما لو كانت أصابتها شظايا القذائف العدوانية كما أصابت الأبنية. فإن مخاطر الحرب متعددة ومتنوعة، وإن كمن أهمها في التأثير المفاجئ والعميق الذي تثيره في تفكير الإنسان والذي من شأنه تحويل حساسيته وسياق تفكيره عن مسارها الطبيعي. ما قد يحدث انقلاباً للعديد من المعايير الأخلاقية في ظل فقدان الضبط الذي كان يبقي النزعات العدوانية مضبوطة داخل الفرد. حيث يحدث تحول مفاجئ وعميق مرافق لانقلاب في تفهمه وتقبله لمجمل القيم (أخلاقية كانت أم تكوينية أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية أم سياسية) ومن هنا تبدأ بعض المخاطر التي قد تواجه الدولة الجديدة مع جيل الشباب. ففي هذه الدراسة نحاول مراعاة أن الثورة أدت إلى هذه التحولات بل الانقلابات على مستوى المعايير الأخلاقية والنفسية والاجتماعية بشكل سيكون شبه جذري في بنية المجتمع السوري، ولهذا أبلغ الأثر على فئة الشباب الذين هم أكثر من شهد هذا الانقلاب في فترة زمنية هم قادرون على فهمها بمرونة وتقبلها وحملها في خصالهم .. ما ينبغي ترسيخ الإيجابي منها بعد فرزها عن تلك الآثار النفسية السلبية والتحولات السلبية التي رافقت الثورة الشعبية كونها كانت ذات مدة طويلة ودامية بغزارة وعنف لا يمكن وصفه فخلفت مساوئ شابت المحاسن يجب التعامل معها بحكمة بعد رصدها وتجريدها والبحث عن الحلول لنبدأ بالتطبيق في سورية الجديدة.

وقد أتت الحرب على الشعب السوري من قبل نظامه فجأة بشكل صادم من كامل الرخاء والهدوء والاستقرار والأمان إلى حالة حرب مؤلمة شاملة عميقة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً في اتساعها وشدة إجرامها وزمن استمرارها .. مما شكل حالة صادمة شعبية عارمة.

يقول تشرشل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية " ... الحرب التي انتهت وضعتنا أمام الحرب الأخرى التي بدأت والتي ستكون أشد وأعنف، حرب إزالة ما تركته حرب السلاح من آثار .. " (1) . فهكذا هي الحروب إذ لن تنتهي حربنا بالانتصار بل تحتاج جهوداً جبارة لإزالة آثارها، ولعل أفظع نتائج الحرب غير المنظورة (النفسية منها بشكل خاص) هي الأدهى والأشد رغم فداحة النتائج الأخرى المنظورة كالخراب والدمار اللذين طالا الأبنية والمؤسسات والمصانع والممتلكات الشخصية وكامل البنية التحتية لسورية. والواقع الأمرّ يكمن في صعوبة ترميم النفوس والتي تتجاوز إلى حد بعيد صعوبة ترميم الحجارة .. رغم أن الثورة بنت الإنسان من جانب ولكن حالة العنف التي بلغت مدى شديداً جداً متجاوزة كافة الخطوط الحمراء أو المحتملة من قبل أي شعب من المؤكد أنها ستخلف الكثير من العيوب النفسية التي ستظهر آثارها مستقبلاً.

ونظراً للحاجة الماسة لتلقف جيل الشبيبة السورية وحمايته من تداعيات الحرب العاصفة عليه يجب تحليل وكشف الأسباب العميقة الكامنة وراء الظهور المحتمل للأمراض أو التشوهات النفسية عندهم الذين كانوا هم كبش الفداء في كل مراحل الثورة وأول ضحاياها من حيث استهداف النظام لهذه الفئة التي كانت منجم الحراك الثوري، فالكشف عن هذا يمكن من الآن باعتبار المفتاح الأول وذلك من خلال معايشة واقعهم وسلوكهم وتعابيرهم الخاصة التي يمكن بدءاً منها استنباط المشاكل وعمقها علماً أنهم ضمن إطار بنية اجتماعية تتميز بأخلاقيتها ومعتقداتها وذهنيتها الخاصة والتي عليهم احترامها كي يتقبلهم المجتمع كأعضاء يساهمون في تكوين بنيته.. هذا إلى جانب ضرورة تأقلمهم مع المحيط الذي يعيشون ضمن إطاره كي يعتبروا أسوياء لأن التوافق الاجتماعي هو أولى وأهم السمات المميزة للإنسان السوري عن المتأثر سلباً أو المشوه أو حتى المريض. ما يمكننا بدءاً من ذلك الانطلاق للتعرف وملامسة واقع المشاكل التي خلفتها هذه الثورة الدموية طويلة الأمد على الشباب والتي كانت في غاية الألم. وهنا يجدر الانتباه أن "التصرفات التي نلاحظها عند الأفراد لا تشكل طاقات بشرية كامنة وموروثة فحسب بل تتخذ مدلولاً خاصاً بها ضمن إطار ثقافة اجتماعية معينة تفسر مضمونها" (2)
والبداية مع توقعات ما يمكن أنه سيواجه الشباب السوري من مشاكل، علماً أنه لن يمكن التنبؤ الكامل مسبقاً بالنتائج الحقيقية الناجمة عن الحرب في ظل النظام قبل سقوطه وبدء المرحلة الانتقالية فعلياً ورصد الحياة وسيرها، إذ عندها فقط تبدأ المكافحة الحقيقية للتأثيرات السلبية المتعددة. هذا سيحتاج حتماً إلى أبحاث مفصلة في كل نقطة منها تبدأ من الآن لتكون جاهزة التطبيق في المرحلة الانتقالية، ثم ذكر الإيجابيات التي صنعتها الثورة مع أشجع ثوار وأكثرهم بطولة، ثم تلمس العلاجات والإشارة إلى ما يمكن فعله وما هو من المتوقع أنه سيفيد.

وتعتبر سلسلة هذه المقالات "فيما يخص الشبيبة" الخطوات الأولى من هذه الرحلة.
وتسليط الضوء هذا ما هو إلا لحث المسؤولين والاختصاصيين للسعي بالعمل على هذا الجانب بشكل علمي وعملي ينطلق من تخطيط واقعي ثم العمل على إزالتها بشكل تؤمنه الدراسة والبحث المعمقين والبعيدين عن السطحية والارتجال في الدولة الجديدة ومعرفة أنه لن نستطيع حلها وتجاوزها ببساطة وسطحية وعجالة عند سقوط النظام وإلا دخلنا في حالة فوضى ومشاكل عديدة.

إعداد : شام صافي
إشراف : د. جاسم المنصور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق