بدأ هذا
السؤال يفرض نفسه بقوة منذ بداية الثورة السورية المباركة قبل عامين ضد النظام
الأسدي (قاتل شعبه). وهو لاشك سؤال مشروع ولاحرج من طرحه ومناقشته باعتبار أن هذه
الطائفة بالذات هي من أنتجت وقدمت لسورية أجرم نظام عرفته في تاريخها القديم
والحديث. حتى أن الجهة الوحيدة التي يمكن مقارنة هذا النظام بها من حيث الوحشية
والبربرية هي المغول الذين غزونا بقيادة هولاكو في القرن الثالث عشر. فلم يذكر
التاريخ أن سورية شهدت عمليات قتل بواسطة ذبح وحرق المدنيين أحياء إلا على يد هؤلاء
الغزاة حينها والعلويين الآن، ولكن ذكر التاريخ أيضاً أن المغول فعلوا ذلك لأنهم
كانوا غزاة من جهة ولأنهم كانوا قبائل همجية لاحضارة لها ولاعلوم، فصبوا جام حقدهم
ومركب نقصهم على الشعوب التي غزوها من جهة ثانية. فاذا كان هذا هو دافع هؤلاء، فما
هو دافع (الطائفة الكريمة)؟
بالعودة إلى
السؤال الذي أتى في عنوان المقال، فلاشك أن العلويين الذين شاركوا بالمذابح
والمحارق ضد الشعب السوري، بأوامر أو بدون أوامر، عن علم أم عن جهل، قد تحولوا ليس
فقط إلى مجرد مجرمين فحسب، ولكن إلى آلات قتل
بلا مشاعر ولاضمير. وهم قاموا ويقومون بذلك إما كلصوص يدافعون عن مسروقاتهم
وامتيازاتهم، وإما كمتخلفين عقلياً يعتقدون أنهم يقومون بإرضاء ربهم (الأسد) والتقرب
منه، وصورهم يسجدون على صوره أكبر دليل على هذا. ولكن مهما كان تفسير إجرامهم، فان
(الاعدام) لهكذا مخلوقات هو الحل الوحيد كما أنه واجب وطني وانساني لاجدل فيه، وقد
فعل المجتمع الدولي ذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بمن بقي من مجرمي الحرب
الألمان واليابانيين. وبالتالي فعلى الجيش الحر (ذبحهم) ذبح النعاج في ساحة
المعركة كما فعل جيش (الظاهر بيبرس) بالمغول في معركة (عين جالوت)، أما من بقي
منهم بعد ذلك فسيتم إعدامه بعد تقديمه للمحاكمة وتثبيت التهمة ضده. طبعاً هذا
الأمر لايشمل العلويين فقط، ولكن كل الأفراد والجماعات من كافة الطوائف ممن شاركوا
العصابة الحاكمة جرائمها اللاانسانية ضد الشعب السوري بالرغم من أن القاصي والداني
يعلم أن غالبية من شارك في هذه الجرائم هم من تلك الطائفة نفسها. كما ويجب فتح ملف
مجزرة حماة الشهيرة التي راح ضحيتها خمسون ألفاً من المدنيين في أيام ، وكذلك
ملفات مجازر تدمر وصيدنايا وغيرها، فالحكم على المجازر لايبطل بالتقادم.
ولكن ماذا عن
(العلويين الصالحين) الذين عارضوا نظام (الأسد الأب) منذ البداية وهم مايزالون ضده
حتى اليوم؟ هؤلاء الأفراد من الطائفة يمكن تصنيفهم تحت أحد ثلاثة تيارات سياسية
رئيسية، فهم إما من أنصار الشيوعية الستالينية أو الاشتراكية الأوربية أو القومية
العربية. وقد أثبتت هذه الايدوليجيات فشلها في رد الظلم والقهر عن الشعوب، ليس فقط
في بلادنا، ولكن أيضاً في البلاد التي أنتجتها وسوقتها، فأثبتت من بين ماأثبتته
أنها لاتتعدى كونها حركات عبثية ترفع من الشعارات البراقة أكثر بكثير مما تستطيع أنجازه
على الأرض. حتى أنها تحولت في كثير من الحالات، بقصد أو بدون قصد، إلى حركات عنف
دموي واستغلها الديكتاتور في حالات اخرى فاختبأ خلفها لتقوية نفوذه وتحقيق أهدافه.
نعم لقد
لاحق النظام الأسدي هؤلاء العلويين وغيرهم من أتباع تلك التيارات السياسية، فدجن
من دجن منهم وصنع لهم (قناً) دعاه بالجبهة الوطنية التقدمية، وقتل وسجن ونفى
الباقي. ولكن وبسبب ضعفهم من جهة ووحشية النظام من جهة ثانية، فما كانوا بقادرين
عبر العقود الأربعة الماضية على تهديد النظام ولازحزحته قيد أنملة. وحتى بعد أن
اندلعت الثورة المباركة وقام النظام بارتكاب خطأ قاتل بعسكرتها، فلم نر كتائب عسكرية
منهم تابعة للجيش الحر أو غير الجيش الحر تشكلت لمحاربة النظام بأسماء مثل أحفاد
ماركس أو أنصار ستالين أو جند عبد الناصر.
وقد تفاجئت
منذ فترة بقرائة مقال على النت كتبته ابنة اللواء (صلاح جديد) وهو العلوي القومي
الاشتراكي الذي حكم سورية بعد انقلاب قام به عام 1966 لينقلب عليه (الأسد الأب)
عام 1970 ويودعه السجن ليموت فيه عام 1993. مافاجأني في هذا المقال أن كاتبته كانت
تتحدث فيه عن بطولات ومناقب أبيها وهو الذي كان يحمل لقب (سفاح سورية) قبل أن
ينتزعه منه (الأسد الأب) لاحقاً. صحيح لم يعرف عنه اللصوصية كما عرفت عن عائلة
(الأسد)، ولكن ماعاناه الشعب السوري في عهده من القتل والتنكيل والاعتقال بدون تهم
قانونية كان غير مسبوق، وقام بكل ذلك باسم العنف الثوري وفرض ثقافة اليسار
الاشتراكي على طريقة ستالين وماوتسيتونغ، وبذلك ينطبق على مقال الكاتبة المثل
الشعبي (قال يابا شرفني، قال ليموت يللي بيعرفني). وإذا كان (الأسد الأب) يستحق
الثناء على شئ فعله خلال عهده فهو تنكيله وسجنه لرموز النظام الذي سبقه.
إذاً وبعد
أن عرفنا ماذا سيحصل (للعلوي الطالح) بعد انتصار الثورة، فماذا سيحصل لمن يعتبر
منهم (صالحاً)؟ لاشك أن سورية بعد الثورة ستكون بلد القانون ولاشئ غير القانون،
حيث ستكون كافة مكونات الموزاييك السوري على مسافة واحدة منه، لايشفع لهذا أنه سني
أو درزي أو مسيحي، ولاكونه بلحية أو بغير لحية. ولكن ماذا عن الفترة الزمنية التي
عادة ماتتبع مباشرة انتصار أي ثورة والتي تتميز بالفوضى وانعدام القانون من جهة
وأعمال الانتقام وتصفية الحسابات من جهة ثانية؟ وهذه فترة قد تطول وقد تقصر،
ولكنها لازمت كافة ثورات العالم عبر التاريخ دون استثناء، وعادة مايحصل خلالها ماينطبق
عليه المثل الشعبي الذي يقول (بروح الصالح بين رجلين الطالح) ولاأعتقد أن ثورتنا
ستشذ عن ذلك وبالتالي فان العلويين الذين اتفقنا على تسميتهم (بالصالحين) وإذا
كانوا خارج سورية حينها، فهم على الأغلب سيكونون بأمان. أما هؤلاء الذين هم في
الداخل واختاروا البقاء هناك ليعرفوا ماذا سيجري لهم، فهناك خطر حقيقي على حياتهم
وربما كان هذا آخر سؤال سيعرفون الاجابة عليه.
أقول في
خاتمة المقال أنه إذا كانت غالبية الشعب السوري اليوم تتطلع إلى الانتقام ممن
(ذبحها وحرقها)، فهي أيضاً تتطلع إلى تكحيل عيونها قريباً برؤية من استطاع الهرب
من هؤلاء المجرمين مع أسرهم إلى الدول المجاورة وهم يسكنون مخيمات اللاجئين هناك بعد
عودة سكانها الحاليين من أهلنا لإعمار ديارهم.
***
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
الاثنين 19 محرم 1434، 3 كانون الأول، ديسمبر 2012
هيوستن / تكساس
المقال يتناول العديد من الجوانب الصحيحة ، ولكنه أغفل بعضها ، وهذا أمر طبيعي . لذلك أضيف : إن العلوي الصالح الذي تحدثت عنه وصنفته هو في خانة وخندق الطغيان والاستبداد والديكتاتورية ولو كان على عداء مع الأسدية البغيضة . والآن هم أيضا معه : ( قدري جميل ، فاتح جاموس ، الأغلبية الساحقة من أحزاب وتكتلات هيئة التنسيق الذليلة العميلة للاستعمار الروسي والإيراني .لقد اتحدوا ضد الثورة : ثورة الحرية والكرامة والعدل والحق .
ردحذفوأضيف شيئا هاما بالنسبة لي على الأقل : هو أن الطغاة الذين جاء بهم السياق التاريخي كما جاء بغيرهم من غير العلويين في البلدان العربية ، يحملون ذات الصفات ، ويمارسون نفس الممارسان ، فلايعتد بدينهم وطائفتهم وانتماءاتهم من أي نوع ، لأنهم لا انتماء لهم سوى للجهل والبربرية والحقد والعنصرية والإجرام ، هم مجرمون ضد كل شيء .. حتى ضد طائفتهم . يكفي أن الأسد قد تمكن من خداع وتوريط الطائفة لمصالحه الأنانية ، وقطع عليهم طريق المستقبل والحياة الطبيعية مع المكونات السورية الأخرى ، واستطاع خلال عقود مصادرة الطائفة ، بشكل عام ، وقمع معارضيه منها ليس ممن ذكرتهم وحسب ، بل ومن كل البنى والمظاهر الديمقراطية الليبرالية التاريخية التي كانت قائمة . وجعل من الطائفة بأغلبيتها الحاضن القوي والرئيس للشبيحة والمؤيدين والمجرمين ، مما أدى إلى استحالة قيام أو ظهور أي شكل من أشكال الاعتراض والثورة كما يحدث في الحاضنة السنية التي تحتضن الثواروالناشطين والجيش الحر ، ويدعمونهم يكل الوسائل والإمكانيات . وهو مالايوجد في الطائفة العلوية ، حيث المعارض الليبرالي الديمقراطي متهم وملاحق ومعرض لكل أشكال التنكيل والقتل هو وعائلته ومن يمت له بصلة ، ليس من قبل الأمن وحده ، بل وبدرجة أكبر من الحاضنة العلوية نفسها من الأقرباء والجيران الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من الطائفة . لذلك كان من شبه المستحيل ان تنمو أو تنطلق ثورة ولو في الحد الأدنى في المناطق العلوية في الريف أو في المدن . العلوي الثائر ملاحق ممن حوله أكثر مما هو ملاحق من الأمن والنظام .وتلك مصيبة مابعدها مصيبة . وأؤكد أنه يوجد علويون مع الثورة ومع ثقافة الثورة ، وضد الثقافات الاشتراكية والشيوعية والشمولية التي أفرزتها الحرب الباردة ، ولاتزال ذيولها قائمة في العديد من مناطق العالم ، وتحميها الشوفينية الروسية والصينية وسائر البلدان التي تدور في فلكها .. وبشكل سافر ووقح .
أحيلك إلى مقال من مقالاتي المناهضة للنظام الأسدي ، وهي حديثة جدا ، وهي بعنوان : الدولة العلوية الثانية بين الممكن والمستحيل ، وماهية الطائفة العلوية . ونشر في موقع الحوار المتمدن ومواقع أخرى . لتعرف أكثر عن تلك الطائفة ومكوناتها وتفاصيلها وتناقضاتها ووضعها الديمغرافي في الساحل السوري وخارجه .