الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-08-02

المعارضة السورية، تكامل أم تصنيف – بقلم: د. عامر أبو سلامة

الحالة الطبيعية، في عالم الحراك الثوري والسياسي بشكله الصحيح، وتعاطيه القانوني، وتعامله الحقوقي، أن تكون المعارضة، لأي بلد، في داخل البلد، لتقوم بدورها المنوط بها، حيث أنها الوجه الثاني لقيادة الوطن.

فيوجهون، وينقدون، ويراقبون، ويتابعون، ويبينون جوانب النقص، ويلفتون إلى حاجات الناس، ويدافعون عن حقوقهم، وبهذا يصبحون عيناً باصرة، ولغة ناصحة، وبرنامجاً دافعاً، وصوتاً مسموعاً مؤثراً، ويكون ثقل هذه المعارضة، علامة صحة، على البلد الذي توجد فيه، وإشارة بارزة، على شفافية النظم في المكان الذي تتشكل فيه، لأن المعارضة، بمفهومها الصحيح، تمثيل من خارج الانهماك بالجزئيات اليومية، من خلال رؤية فاحصة، لتقوم بمهمة النصح، ويناط بها دور التغيير.
 
والبلد الذي لا معارضة فيه، أمره يدعوا للقلق، ووضعه يحتاج إلى إعادة جدولة، وهو علامة، على أن هذا البلد أو النظام، ليس في حالة صحة، لذا لزم البحث عن الأسباب، ليعالج هذا المرض، من هنا من أدرك سر اللعبة من الدكتاتوريين، أصبح يصنع معارضة، تخدم النظام بطريقة مكشوفة، ويصير حالها، كحال المسرح التنفيسي، الذي لا هم له إلا كيف يخدم السلطة، ويغطي على عيوبها، من خلال لفت الأنظار، إلى زوايا مهملة تصبح في دائرة الضوء، لتضييع الوقت، واللعب على الناس، لكن خارج إطار مستطيل الملعب، ومن ظن أنه أدخل هدفاً يسلي نفسه به، يتبين له بعد فترة، أن كرته، كانت في الشبكة المعاكسة.

أما في حالة النظم الشمولية القمعية الوحشية، كما في نظام سورية، حيث تحكم عصابة، بكل حامل الكلمة من معان وأبعاد، تمارس إرهاب الدولة، وتحول الوطن إلى سجن كبير، الخوف وصفه، والرعب سياجه، والقلق من الغد ديدن مواطنيه، ونتج عن هذا، قتل ودماء، معتقلون، وأشلاء، سجون قبع أهلها من الأحرار فيها، عشرات السنين، فقر، وجوع، وحرمان من أيسر الحقوق.

هذه الأنظمة لا توجد فيها، معارضة، ولا يمكن أن تكون، فالضدان لا يجتمعان، وقد يتواجدان في عالم السياسة، من باب المراوغة والخداع، والضحك على الناس، وحتى هذه في بلدي ليست موجودة، لأن المعارضة، بين قوسين، التي يريدها النظام، لا بد أن تكون مصنعة بالمعامل الأمنية، وعليك الحساب، في الباقي، ناتجاً ومآلاً.

ولكن الأباة الأحرار، لا يمكن أن يسلموا بالأمر الواقع، ولم يتربوا على لغة الاستسلام للحقيقة المرة، مهما كانت عواقب المعارضة، وإلى أي اتجاه أخذت به، لأنه الأمر الذي يحقق الإنسان فيه ذاته، ليتميز عن سائر المخلوقات، من خلال إرادة حرة ذاتية تعالت، على الجراح، ورسمت طريقها، الذي نهايته الفلاح – كيف كانت النتائج- وقبلوا بهذا الصراع المرير، ونصبوا أنفسهم قوة تأخذ شرعيتها، بفعل المبادئ التي لأجلها نشطوا وقاموا وكتبوا.

هذا حق من حقوق الإنسان، لا يسلبه منهم، إلا ظالم لنفسه، ومعتد أثيم، كما هو الحاصل، في بلدنا سورية، حتى لخص الحال أحدهم فقال: الجدار في بلدي لو نطق، لقال: إني خائف، لأنني في مملكة الرعب، الذي لا مثيل له، في عالم الشرق أو الغرب.

فكان التحدي الكبير، وظهر الأبطال، وكتبت تضحياتهم بصحائف من نور، لا بمداد الذهب فحسب، في الوقت الذي سن نظام العصابة سكينه، مجهزة لرقاب هؤلاء الأحرار، والقادات العظام، والفحول النوادر، حقاً إنهم استثنائيون، في عالم البحث عن الإنسان الضرورة، الذي يخرج عن كل مطالبه، ليجعل نفسه على مذبح، البحث عن قيم الحق، ولو كانت السكين مسنونة وجاهزة، فلا نامت أعين الجبناء.

فكانت (معارضة رعب)، بزوار الفجر، والتعليق للبشر، والتعذيب الذي لا يوصف، قسوة وضراوة ووحشية، لم يسلم منها صغير ولا كبير، ذكر أو أنثى، حتى صارت تجارب بعض الكاتبين، الذين شهدوا الكارثة بأعينهم، كأنها من نسج الخيال، أو إعمال الفكر، خصوصاً، عند الحديث عن المشانق، مشانق أهل الرأي، مشانق أصحاب القلم، مشانق العمل السياسي، لأنه لا يوجد في عالم الدنيا، أن إنساناً يعدم بسبب انتمائه، لجماعة أو فكرة أو مبدأ، والأنكى من كل هذا أن يكون بقانون ما زال إلى اليوم يعمل، في عالم كثر فيه الحديث، عن حقوق الإنسان، عن الرأي والرأي الآخر.

المعارضة في بلدي، ليست نزهة، في حدائق الفكر، ومنازلات البرلمانات، وأقبية الحوار، وعلى صفحات الجرائد، ومصطبات الحراكات الحججية، ولا على طاولات التدافع، حيث الفكرة تقابل بأختها، لعل أمراً يحدث، فنصل إلى الحق، من أجل فائدة الناس ونفعهم، وإن تكسرت الكراسي على الرؤوس، بشكل غير حضاري، وصورة تدل على السوقية، ولكنها، في سياقات التعاطي في عالم المعارضات، يحدث هذا في أرقى المجتمعات، ولا ضير، فالأمر تحت السيطرة ويعالج.

وفي خضم هذا كله، لا بد من ترتيب الأوراق، وتحسين الأداء، ومجابهة الأمر بالحكمة، مع القوة، فينتج تلقائياً، معارضون في الداخل، وآخرون في الخارج، أو ما يسونهم، بمعارضة الخنادق، والفنادق، وإن كان من باب الغمز واللمز.

وهنا يكون السؤال الملح: هل وجود معارضة في الخارج أمر عادي، أم أنه خلل، لابد من معالجته، ولو بطرق كسر الإرادات؟
الذي يظهر، أن وجود معارضة في الخارج، تكون ردءاً وسنداً لمعارضة الداخل، قضية ضرورية، ومن الحمق أن لا تكون.

في الداخل لها أدوارها، وفي الخارج لها أداؤها، وبهذا يتحقق التكامل، الذي يصنع النجاح، فتعدد الأدوار، وتوظيفه بالفعل النافع، هو الوضع الصحيح الذي يبنى عليه كل ما عداه، من مسائل وقضايا، كي تدور العجلة، ويكون النصر.

فالعملية، عملية متكاملة، عند اجتماعها، تكون الدائرة المغلقة التي لا يستطيع العدو، والولوج منها، إلى مراداته.

القضية السورية، تحتاج إلى الجيش الحر على الأرض، والفعل الثوري بكل مستوياته، والعمل السياسي باستحقاقاته كافة، والحاجة للإعلام لا تقل أهمية عن الجيش الحر، ومن نافلة القول، ذكر حاجتنا، إلى مؤسسات المجتمع، التي تصنع حاضر الأمة، وترسم مستقبل سورية، إغاثة وتنمية بشرية، وصناعة للمجد، من خلال مناهج الحق والمعاصرة.

من هنا، فمن الخطأ الكبير، أن نستغني عن واحدة من مفردات عمل المعارضة بوصفها العام، بل لا بد من المحافظة عليها، مع نزع فتيل الخصام، وإطفاء شرارة الفتنة المفرقة، التي تزرع العداوة والبغضاء، مع لغة تعميم محبطة، وفلسفات مقصودة مدوخة، خصوصاً في عالم الشائعات والأكاذيب، وإذاعة قالة السوء، والتكبير للأخطاء، وتسليط الضوء على الصغائر، حتى ترى كأنها كبائر، وما ينتج عن كل هذا من تداعيات وآثار، تترك في الصف ندباتها، التي ربما لا تندمل مع مرور الأيام، وكر الأزمان، مع معرفة كاملة بطبيعة الحدث، وما يجر في ذيله من مصاعب، وما تكتنفه من شوائب، يزداد الطين بلة، عندما يدخل على الخط شياطين النظام، من رسميين، وغير رسميين، من ظاهرين ومخفيين، ولصالح من هذا؟!!
فالفرقة شر، وصناعة عدم الثقة، من عمل المخربين.

أنا هنا لست بصدد الدفاع عن تفاصيل الوقائع والأحداث، كما لست قاضياً ليصدر حكمه فيها، نفياً أو إثباتاً، فالخلل حاصل، وطبيعة الحراكات والمجتمعات، لا بد أن تكون فيها، الأخطاء والهنات.

كما أني، لا أريد تعطيل مبدأ المحاسبة، ولا أحاول الفرار من استحقاق النصح، الذي هو ركيزة من ركائز العمل بأصنافه جميعها. (الدين النصيحة).

ولكني أريد إثبات الفكرة من حيث هي، ومعالجة الاختلال الطارئ عليها، مع الإبقاء على صورتها غضة طرية، نقية خالية من المنغصات والمكدرات، ليكون العمل بجملته، سلة خير، تحوي بين نسيجها القوي، كل ما نحتاجه، لنجاح الثورة، وتحصيل مصالح الناس، ودرء المفسدة عنهم (وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب).


﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق