الحزب تنظيم
سياسي يضم مجموعة من الأعضاء الذين يطمحون للوصول إلى سدة الحكم وقيادة السياسة
العامة في الدولة ، وقد ظهرت بواكير التشكيلات الحزبية لأول مرة في مدينة أثينا في
العصر الإغريقي ، أما الأحزاب السياسية بمفهومها الحديث فترجع بداياتها إلى القرن
الثامن عشر في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ، لكنها لم تتبلور إلى شكلها
المنظم هناك إلا في القرن التاسع عشر ، أما البلدان العربية فقد دخلت معترك الصراع
الحزبي في أخريات القرن التاسع عشر مع بداية انحلال الحكم العثماني وهيمنة النموذج
السياسي الأوروبي على الفكر السياسي العربي .
وتختلف أشكال
الممارسة الحزبية ما بين دولة وأخرى ، تبعاً لطبيعة الأحزاب الفاعلة في كل منها ، ويمكن
التمييز هنا بين عدة أشكال من هذه الممارسات :
1. التنافس الحزبي : وهو شكل من أشكال الممارسة الحزبية التي
نراها في البلدان التي يوجد فيها حزبين وحيدين ، أو حزبين رئيسيين ، يتنافسان
للسيطرة على السلطة السياسية ، ومثاله الحزب الجمهوري والحزب الديمراطي في الولايات
المتحدة الأمريكية ، وحزب العمال وحزب المحافظين في بريطانيا ، وهي الأحزاب
الفاعلة الرئيسية على الساحة السياسية ، وهذا لا ينفي وجود أحزاب أخرى إلى جانب
هذه الأحزاب ، إلا أن انتشارها الجماهيري يكون ضعيفاً ، ومن ثم يكون تأثيرها في
العملية السياسية هامشياً .
2. الائتلاف
الحزبي : حيث يوجد في الدولة عدة أحزاب متقاربة
في قوتها السياسية وانتشارها الجماهيري ، فنراها تتنافس للسيطرة على السلطة ، ويحصل
كل منها على عدد من المقاعد في البرلمان لا تكفي أي منها لتشكيل الحكومة ، فتضطر هذه
الأحزاب لتشكيل ائتلاف أو تحالف فيما بينها ، يتشارك في تشكيل الحكومة ، وهذا
الوضع هو الأكثر انتشاراً في معظم الدول الديمقراطية مثل ألمانيا ، فرنسا ، سويسرا
، وغيرها من الدول .
3. نظام الحزب الشمولي : وفيه ينفرد حزب واحد بالسلطة السياسية ، ويعمل
على تهميش بقية الأحزاب ، أو يجعل منها مجرد ديكور لتجميل صورته الديمقراطية
الكاذبة ، ونجد هذا المثال في معظم الدول التي تنعت نفسها بالثورية ، كما هي الحال
في ليبيا إبان حكم "القذافي" واليمن في ظل "علي عبد الله
صالح" والجزائر في ظل "بوتفليقة" ، والعراق في ظل "صدام
حسين" ، وسوريا في ظل "حزب البعث" ، ومبالغة من هذه الأنظمة في
تحسين صورتها الديمقراطية نجدها تسمح لبعض الأحزاب بالتواجد إلى جانبها ، كما هي
حال الأحزاب الهامشية في سوريا التي جمعت نفسها تحت اسم "الجبهة الوطنية
التقدمية" وليس لها في الواقع أي دور مؤثر في السياسة العامة للدولة !
4. غياب الأحزاب :
على الرغم من انتشار فكرة الأحزاب في العالم مازالت هناك دول عديدة تحظر تكوين الأحزاب
، ومنها للأسف الشديد بعض البلدان العربية ، متذرعة بحجج مختلفة ، منها أن وجود
الأحزاب يتعارض مع مبادئ الدين ، أو أن وجود الأحزاب يؤدي إلى النزاع والشقاق في
المجتمع ، ويثير النعرات الطائفية ، إلى غير ذلك من الحجج الواهية ، إلا أن رواج
الأفكار الديمقراطية في العالم ، وارتباط فكرة الأحزاب بالحرية السياسية ، ونبذ
الاستبداد ، وتعاظم الدعوات للمشاركة السياسية من قبل الشعب ، جعل بعض هذه الدول
تعيد حساباتها فتسمح بتشكيل الأحزاب ، وإن كان ذلك على استحياء ، أو بحذر شديد ، خشية
أن تفلت السلطة والصلاحيات والامتيازات غير المحدودة من يد الأسرة الحاكمة !
أهداف الأحزاب :
وبطبيعة الحال فإن لكل
حزب هدف أو جملة من الأهداف المعلنة أو المضمرة ، لكن يبقى الوصول إلى السلطة هو
الهدف الأساسي لمعظم الأحزاب ، وتبرر الأحزاب هذا الهدف برغبتها في خدمة الوطن وتطوير
الدولة وتحسين أوضاع المواطنين ، ومع أن هدف الوصول إلى السلطة يبدو للكثيرين أنه
هدف انتهازي ينبغي أن يترفع عنه أصحاب المبادئ السامية ، إلا أن لهذا الهدف صوراً
أخرى تنطوي على الكثير من الفوائد للمجتمع ، نذكر منها :
1. أن العمل الحزبي يوفر للمخلصين من
أبناء الوطن فرصة المساهمة والمشاركة بصناعة القرار السياسي ، وعدم تركه
للانتهازيين والوصوليين .
2.
إن الثقافة السياسية
الذي تنشرها الأحزاب في المجتمع تساهم برفع مستوى الوعي السياسي في المجتمع ، وتعرِّف
المواطنين بحقوقهم السياسية .
3.
لوجود الأحزاب في
المجتمع دور مهم في مراقبة ومحاسبة الحكومة على أدائها ، سواء كانت هذه الأحزاب في
السلطة أو خارجها ، وهذا ما يساهم في تصحيح مسار السياسة العامة في الدولة .
4.
إن التعددية الحزبية
والمشاركة الفعالة للأحزاب في العملية السياسية تحول دون قيام نظام مستبد ، ينفرد
بالسلطة ، ويحمي نفسه من المحاسبة .
5.
التنافس الحزبي يساهم
في تطوير الممارسات الحزبية ، حين يحرص كل حزب على أن يقدم أفضل ما لديه من برامج
وخطط وأنشطة طمعاً بالفوز في الانتخابات التالية .
6. للأحزاب دور كبير في تعميق الحس الوطني
، والتحرر من التبعية للخارج ، وقيادة المجتمع نحو التحديث والتطوير والتقدم .
تصنيف الأحزاب :
ويختلف الباحثون كثيراً
في تصنيفهم للأحزاب ، فمنهم من يصنفها على أساس البرنامج الذي يتبناه الحزب ،
ومنهم من يصنف الأحزاب على أساس الفكر أو العقيدة التي يؤمن الحزب بها ويعمل على
ترويجها في المجتمع ، ومنهم من يصنف الأحزاب إلى أحزاب جماهيرية وأحزاب النخبة ،
ومنهم من يصنفها إلى أحزاب مصالح ، إلى غير ذلك من التصنيفات ، وقد وجدنا من خلال
استقرائنا لمختلف هذه التصنيفات أن الأحزاب المنتشرة اليوم في العالم يمكن تصنيفها
إلى فئتين رئيسيتين ، هما :
1. الأحزاب العقائدية :
وهي التي تتبنى إديولوجيا عقائدية معينة ، وتعمل على نشرها في المجتمع ، كما تفعل
الأحزاب الشيوعية مثلاً ، وكما تفعل الأحزاب القومية ، والأحزاب الدينية عامة ، ونلاحظ
أن هذه الأحزاب تجد صعوبات جمة في الانتشار الجماهيري لأنها تضطر للدخول في صراعات
ومعارك طويلة مع المعارضين ، إذ كثيراً ما تكون الإديولوجيا التي تتبناها هذه
الأحزاب مصادمة لثقافة المجتمع أو عاداته أو تقاليده أو مذاهبه الدينية .
2. أحزاب البرامج :
وهي الأحزاب التي ليس لها إديولوجيا محددة ، وإنما هي تهتم بحال الوطن وما يعانيه
من مشكلات ، فتعمد إلى وضع برامج تستهدف علاج هذه المشكلات ، وهذه الأحزاب تتصف عادة
بمرونة كبيرة لأنها لا تتقيد بإديولوجيا معينة تحد من حركتها كما هي حال الأحزاب
الإديولوجية التي ذكرناها ، كما أن أحزاب البرامج تتميز بقدرتها الكبيرة على
التكيف مع الظروف الطارئة التي تواجهها ، وإذا كانت أحزاب الإديولوجيا تنافس
بمبادئها العقائدية فإن أحزاب البرامج تنافس ببرامجها العملية وخططها الواقعية
التي تلبي حاجة القطاعات الأوسع من المجتمع ، ولهذا فهي أقدر على التحرك بين شرائح
المجتمع المختلفة ، وهي مرشحة لاكتساب شعبية واسعة ، على النقيض من الأحزاب
المؤدلجة التي يكون تحركها في المجتمع انتقائياً ينحصر في فئات محدودة ، ويمكن
تصنيف معظم الأحزاب الأوروبية المعاصرة والحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة ضمن
أحزاب البرامج ، وقد قدمت هذه الأحزاب خدمات لا تنكر لمجتمعاتها ، وساهمت في
النهضة التي تشهدها هذه البلدان في عصرنا الراهن ، على العكس من البلدان التي تبنت
أحزابها أفكاراً مؤدلجة وشعارات ثورية رنانة لم تحصد الشعوب منها إلا الصاب
والعلقم ، مما انتهى بتلك الأحزاب البائسة إلى الاضمحلال بعد أن انفضت الجماهير
عنها !
وخلاصة القول
، إن الفوائد التي ينطوي عليها العمل الحزبي جعلت العالم كله يتجه إلى تشكيل الأحزاب وتطويرها بما يلبي
حاجة الوطن والمواطنين ، وقد أصبحنا نحن العرب اليوم في أمس الحاجة إلى فتح الباب
واسعاً للحرية الحزبية ، بعد عهد طويل من التضييق على الأحزاب ، وما نتج عنه من
تصحر سياسي أودى بنا إلى كوارث سياسية واجتماعية واقتصادية لا تعد ولا تحصى ، وجعلت
الوطن في مهب الريح !
ويبقى علينا ـ ونحن
نعيش في هذه الأيام أحداث "الربيع العربي" التي أخرجت أمراضنا السياسية
والاجتماعية والفكرية إلى السطح ، ووضعتنا وجهاً لوجه أمام كومة هائلة من الحقائق
المعقدة والمؤلمة ـ أقول يبقى علينا أن نبحث عن الحزب الذي يمكن أن يتعامل بكفاءة
وفعالية مع هذا الواقع ، وأعتقد أن الحزب المرشح لهذه المهمة الصعبة هو حزب البرامج
المبينة على قراءة علمية دقيقة لواقعنا العربي ، لا حزب الإديولوجيا الذي يتاجر
بالشعارات ، ويمكن أن يأخذنا إلى متاهات جديدة لا تقل خطورة عن المتاهات المؤلمة
التي قادتنا إليها أحزاب إديولوجية مجرمة كحزب البعث والأحزاب الشيوعية واليسارية التي
ضحت بكل القيم تحت شعارات إديولوجية ثبت أنها لم تكن سوى سراب ، أو قبض الريح !
إننا اليوم بحاجة إلى
أحزاب برامج تستقطب أصحاب الكفاءات والخبرات العلمية والعملية ، لا أصحاب
النظريات الفارغة والإديولوجيات والشعارات المعلقة في الهواء ، وبفضل الله تعالى أصبح
لدينا اليوم أعداد كبيرة من الكفاءات والخبرات والعقول العلمية الجبارة التي تبشر
بمستقبل واعد للوطن ، إذا ما أحسنت أحزابنا استقطاب هذه الطاقات ، وتوظيفها ضمن
برامج وخطط عملية مدروسة جيداً ، مع توفير جو من الأمن والأمان والاستقرار والحرية
، ما يجعل هذه الكفاءات تعطي الوطن أفضل ما لديها .
د.أحمد محمد كنعان
Kanaan.am@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق