اللواء- الخميس,17
كانون الثاني 2013 الموافق 5 ربيع الأول 1434هـ
بعد نحو
33 سنة على حل الجماعة وجعل الانتساب إليها – ولو فكرياً- تهمةً توجب الإعدام
(القانون رقم 49 للعام 1980)؛ تعود جماعة "الأخوان المسلمين" إلى سوريا
مفتتحة مكاتب تنظيمية في المحافظات كافة، بدءاً بمحافظة حماه.
يعلل
المراقب العام لـ الأخوان المسلمين" محمد رياض الشقفة الأمر بالقول:
"بعد التغييرات التي أحدثتها الثورة؛ أصبح الناس يسألون عن الجماعة، ولذا
فإنه لا يمكن لنا أن ننكفئ عن مواكبة الجماهير الثائرة".
في واقع
الأمر تبدو الجماعة اليوم كمن ينفض عن كواهله عناء أكثر من ثلاثة عقود عجاف من
عمرها. لا مركز دراساتٍ دولياً، ولا بعثة دبلوماسية، ولا جهة سياسية أو إعلامية أو
حتى اقتصادية... إلا تسأل عن الجماعة وموقفها من الأحداث ودورها المستقبلي.
الجماعة تواكب ذلك بطرح أدران الترهل الذي أصابها على مدى سني النفي القسري؛ تنشّط
بناها التنظيمية، وتقيم المؤسسات، وتضخ المئات من العناصر الشابة في صفوفها؛ في
الخارج ممن لم يعرف سوريا إلا وفق ما وصفها لهم آباؤهم، وفي الداخل ممن اقتنع بفكر
الجماعة ولكن منعه الخوف من بطش النظام في السابق أن يعلن ذلك!
في الميدان؛
شكّلت الجماعة مرجعية للكتائب المحسوبة عليها باسم "هيئة دروع الثورة".
ووفق المراقب العام للجماعة فإن كتائب مسلحة كثيرة ممن يحمل الفكر الإسلامي الوسطي
تواصلت مع "الأخوان"، وطلبت أن تكون تحت رعايتهم، وأن يمدهم
"الأخوان" بضباط أو خبراء...وبناءً عليه ولدت "هيئة الدروع"،
التي ترعى اليوم آلاف المقاتلين الذين يواجهون النظام.
بالانتقال
إلى الميدان السياسي؛ دعمت الجماعة يوم السبت 12/1 من القاهرة إطلاق تيار وطني
باسم حزب "الوفاق والتنمية السوري". مثّل دعم الجماعة لهذا الحزب (يرأسه
الدكتور بهيج ملا حويش) تطوراً فكرياً مضافاً إلى النقلة النوعية التي أحدثتها
الوثيقة السياسية التي أصدرتها الجماعة في العام الماضي باسم "عهد
وميثاق". يقول نائب المراقب العام للجماعة معلقاً: "لقد اتخذت الجماعة
قراراً بتقديم القرار الوطني على مصلحة الجماعة الخاصة عند التعارض، انطلاقا من
رؤيتنا أن سوريا تحتاج اليوم إلى عمل وطني جامع ينقذها مما هي فيه".
عشرات
المؤتمرات واللقاءات نظّمتها الجماعة في العامين الأخيرين. عشرات وربما مئات الأطر
السياسية والإعلامية والبحثية والاجتماعية والإغاثية والصحية... أطلقها
"الأخوان" مؤخراً؛ أكثرها من تركيا، وبعضها من عواصم أوروبية وعربية،
وثمة ميل واضح لاختيار القاهرة مقراً لمؤسسات تابعة للجماعة، منذ أن فاز الرئيس
محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية. ثمة علاقات تربط الجماعة برأس الهرم السياسي
ومراكز صنع القرار في غير بلد عربي وإسلامي راهناً.
القوة
التنظيمية للجماعة ودورها المأمول واحتضانها من قبل حكومة أردوغان؛ يدفع باتجاه الانفتاح
عليها، من قبل أصدقاء الشعب السوري وأعدائه على السواء، وقصة الحوارات المجهضة
التي سعى الإيرانيون (مرسلون من قبل آية الله خامنئي نفسه) لعقدها مع الجماعة باتت
معروفة. الإيرانيون – سواء كانوا صادقين أم مخادعين- وضعوا رأس بشار الأسد على
الطاولة، لكن أياً من قيادات الجماعة رفض مقابلة الوفود الإيرانية المتتابعة، لرفض
إيران إعلان موقف واضح ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
لم يمنع
ذلك "الأخوان" من القيام بمبادرات كان من بينها مبادرتهم الأولى لإطلاق
سراح 11 إيرانياً كانوا محتجزين في سوريا، مستفيدين من علاقتهم مع الأتراك، كما لم
يمنع من إسهامهم في إطلاق الإيرانيين مؤخراً، مقابل 2130 معتقلاً سورياً؛ سلّم
"الأخوان" أسماء العديد منهم، لا سيما النساء للطرف التركي.
من وجهة
نظر قيادات الجماعة لا ورود في الطريق الذي تسلكه منذ عامين، ووفق تعبير أحد أبرز
وجوه التواصل مع الخارج: "ما نحن شاكون منه محسودون عليه". صحيح أن
الحكومة التركية صادقة في التعامل معنا، لكن لا امتيازات لنا كما يحلو للبعض أن
يتصوّر؛ لأن تركيا دولة ولديها التزامات دولية وقوانين صارمة. وخلا تركيا فإن
"العالم كله تقريباً –وفق تصوير هذا المسؤول- يتآمر على الجماعة". ثمة
أمثلة كثيرة في المجالات كافة يضربها هذا المسؤول: على المستوى السياسي تعتقد
دوائر القرار في الجماعة أن أحد أهم أسباب الخروج من "المجلس الوطني"
باتجاه الائتلاف هو ما كان يحكى عن سيطرة الجماعة على القرار داخل "المجلس
الوطني"، وتالياً كان لا بد من إطار أوسع يضعف فيه تأثير الجماعة... وتركيا
أيضاً.
في
المجال العسكري يشعر "الأخوان" أيضاً أن إقصاءً ممنهجاً يمارس ضدهم، مع
أن البديل في الغالب قوى يصفها الغرب بأنها "أكثر تشدداً". لا دعماً
مالياً للدروع (يقال في الداخل السوري من باب النكتة: الدروع مايتين من الجوع)،
ولا سلاحاً لهم غير ما يغتنمونه من جيش النظام!
بالمقابل؛
يستفيد "الأخوان" اليوم من حاضنة عربية شعبية وتنظيمية هائلة. لقد باتت
قضيتهم تنافس القضية الفلسطينية في الأولوية، أو تتفوق عليها، لكن وجهة نظر
"الأخوان" لا تعرف هذا السباق، لأن "القضية السورية هي المدخل
الإجباري للقضية الفلسطينية".
يبقى أن
الأهم لدى "الأخوان" قد تحقق بالفعل؛ فقد انتصروا بعد هذه السنين كلها،
عند إخوانهم أولاً (بعدما صارت التنظيمات الأخوانية في العالم مقتنعة بطروحهم
السياسية ومتبنية لها)، كما انتصرت مظلمتهم التاريخية لدى مجاميع الأمة ثانياً،
وعليه؛ فقد باتوا أحد أبرز جماعات المعارضة في العالم العربي، وقد تشكّلت أطر
مناصرة لهم في عواصم ومدن العرب كلها تقريباً.
رغم ذلك
كله؛ يدرك "الأخوان" صعوبة ما هم مقبلون عليه، وأن ثمة من يخوّف العالم
منهم، وأن مسار الثورة ربما هو أسهل ما سيعترضهم، بالمقارنة بفترة ما بعد سقوط
الأسد!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق