قد يقول قائل, من شدة حبه لها لم يجد مفراً من ذلك إلا أن يقتلها ويدسها تحت التراب
لو نظرت لجسدها , نظرة
سريعة لهالك منظره , لن تجد في جسمها مكاناً إلا وآثار التعذيب ملتصقة وغائرة فيه
, هناك آثار كابلات كهربائية , وأماكن غائرة سوداء , من آثار جمر السجائر المطفأة
في أماكن متفرقة من جسدها , بقع زرقاء وسوداء ودماء جافة منتشرة على كامل الجسد .
تهاوت عند دخولها بيت
أبيها , حاولت الرقاد على ظهرها منعها الألم , الأب والأم والأخوة والأخوات التفوا
حولها , كابدت الألم للحظة تقلبت على جنبها الأيمن أو الأيسر , حاولت الجلوس ,
الأسئلة كلها تدور حول موضوع واحد , والجميع يصرخ والجميع يسأل هل تعرضت للاغتصاب
,لم تسمع كلمة تقال لها حمداً لله على نجاتك من أنياب الذئاب البشرية التي كنت
معتقلة عندهم , لم تمتد يد لعونها أو ملاطفتها, الكل يريد أن يسمع الجواب , مع أن
الجميع يعلم الحقيقة , ولكن يوجد بعض
ملامح حسن النية بالآخرين لعل فتاتهم قد نجت من المصير المرتقب إن كان قد حصل ذلك
الفعل الشنيع .
هدوء يعم البيت وسكينة
لازمت المكان منذ الظهيرة وحتى منتصف الليل , الوجوه صفراء كلها تحاكي بعضها ونفس
الملامح تظهر عليها , دموع تتقاطر على خدود الأم الواهنة الحزينة, الأب يبدو عليه
الوهن وكأن الموت قد لفه واستسلمت عضلاته , وانحنى على نفسه كأنه صرة من قماش قد
لفت وتركت في زاوية من زوايا البيت .
سلمى لم تكن قد بلغت من
العمر إلا سبعة عشر سنة , كانت فتاة زكية وجميلة , ومن عائلة محترمة , نشأت وترعرعت
في كنف والديها المحبين لها ومن إخوانها ,
كانت تملأ البيت فرحاً وأملاً وشعوراً بالحياة
قبل شهر جاءت ذئاب بشار
الأسد المجرم واعتقلوها , وأخذوها لفرع المخابرات , وهناك؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!1
كأنها قطعة من لحم وضعت
بين مجموعة من الكلاب البرية لكل كلب منهم نهمة منها وتتصارع الأنياب عليها ,
وتمضي الأيام عليها ساعات ثقيلة بطيئة , تناشد الله في كل ثانية أن يتلطفها برحمته
ويقبض روحها لتذهب إليه حيث هنالك الرأفة والرحمة والحنان والحياة
ولكن الموت يتكاتف مع
هؤلاء الوحوش ويرحل عن المكان ويراقب من بعيد
لم تكن تعلم أن الموت
سيكون هناك في بيت لم تر فيه إلا الرحمة والحب والحنان
لم تكن تعلم أن تلك العيون
التي سهرت عليها في مرضها وتلك الأيادي التي كانت تداعبها , وتلك الشفاه التي كانت
تبتسم لابتسامتها هي التي ستكون الناهية لها من الدنيا كلها
لم تكن تتخيل أو تشاركها
خيالات اليقظة أو حتى لحظة عابرة , أن الأيدي التي حملتها برفق وحنان ستكون هي
اليد التي لم تجد أشد لؤماً منها حتى في مركز المخابرات التي كانت فيه وتعرضت فيه
للاغتصاب عشرات المرات .
الأب يجد نفسه فخوراً في
فعلته فقد غسل عاره الذي لحقه من هول ماوقع لابنته
هل يعقل أن نجد عاقلاً
يعتبر الاغتصاب جريمة من المغتصَب بفتح الصاد , ويجب أن يعاقب عليه حتى الموت من
هو الظالم هنا ومن هو المظلوم ؟
المظلومين هم سلمى وأهلها
والظالم هو بشار المجرم ونظامه ومن سانده
ولكن الذي يتعرض للظلم من
المظلوم يكون أشد إيلاماً وأشد عذاباً من ظلم الظالم نفسه
سلمى كم تمنت الموت وكم
طلبته
ولكنها لم تطلبه يوماً ولا
في أشد لحظات الرغبة بالموت أن يكون ........انتحاراً أو كأساً مسموماً مقدماً من
أحب خلق الله على قلبها
لقد ماتت سلمى , بل قل
قتلت ودفنت ولم ترتكب ذنباً ولا حتى خطيئة تدعي تعنيفها أو التأفف من فعلتها
لقد ظُلمت وقتلت مئات
المرات وربما الآلاف ولم تكن إلا تلك الضربة القاتلة من أحب الناس وأقربهم إليها
من أبيها
التحقت سلمى بسابقاتها ,
وهي تنتظر المزيد ممن بعدها
والجريمة هي: (إننا وجدنا
آباءنا لها عاكفون , ونحن على عباداتهم سائرون , فلا يغسل اغتصاب الفتاة إلا القتل
ودفنها في التراب)
وليس على أدل من ذلك إلا
قول الله عز وجل :
(وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) سورة التكوير
تُغتصب المعتقلة عشرات المرات
ومن مجموعات من الوحوش الأسدية المجرمة , وكثيرات منهن عدن إلى البيت فكان جزاؤهن
القتل من قبل الأهل أو من ذوي القربى, أو خشين بعضهن العودة للبيت خوفاً من الزوج أو من الأهل
فهربنا لجهات مجهولة .تلك كانت حياتك ياسلمى رهينة للعادات الظالمة كما كانت
وستبقى لكثيرات أمثالكن .
د.عبدالغني
حمدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق